خطة التريليون

خطة التريليون

Loading

في قاعة فسيحة في مركز كينيدي بالعاصمة واشنطن، تجمع عشرات المديرين التنفيذيين من كبرى الشركات السعودية والأميركية في مؤتمر استثماري غير مسبوق.

التقى في القاعة رؤساء شركات نفطية وتكنولوجية ومالية، من “شيفرون” و”كوالم” إلى “سيسكو” و”فايزر”، إضافة إلى مدراء تنفيذيين من “IBM” و”غوغل” و”سيلزفورسط و”بوينغ” و”أرامكو”.. وغيرها.

“أنا متحمّس ومنبهر، وأشعر بالغيرة قليلاً. ما يعجبني في السعودية أنها تحاول في الوقت نفسه تحسين اليوم وبناء المستقبل، وهذا توازن لا نراه كثيرًا في أماكن أخرى،” يقول إغناسيو غارسيا المدير التنفيذي لشركة آرثر دي ليتل أحد أقدم شركات الاستشارات الإدارية في العالم لـ MBN. 

تعهّد بتريليون دولار و”خطة مارشال”

حدث هذا التجمع ضمن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هذا الأسبوع، إلى الولايات المتحدة بعد استقبال حافل في البيت الأبيض، حيث أعلن الأمير الشاب عن نية المملكة زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، ارتفاعا من تعهد سابق بقيمة 600 مليار دولار.

“من الصعب جدا أن نجد نموذجا آخر يستثمر بهذا الحجم. من وجهة نظري، نحن أمام واحدة من أكبر حركات الاستثمار في هذا القرن،” يقول غارسيا.

“95% من الاستثمارات السعودية الجديدة تتم خارج قطاع النفط” يتحدث أحمد اليماني، المدير التنفيذي لشركة تكامل القابضة لـ MBN وهو القادم من الرياض لتوقيع عدد من الاتفاقيات مع شركات أميركية.

 “كل ما نراه الآن هو استثمارات تبتعد بنا عن النفط. النفط والغاز ما زالا محرّكا اقتصاديا مهما، لكن ما يُبنى اليوم هو تنويع عميق في كل المجالات المختلفة بعيدا عن الموارد الأساسية،” يضيف اليماني.

في المؤتمر الاستثماري ذاته، علت التصفيقات عند الإعلان عن توقيع اتفاقات وصفقات بقيمة 270 مليار دولار بين عشرات الشركات السعودية والأميركية. 

وأمام هذه الأرقام الفلكية، لم يتردد إجناسيو غارسيا المدير التنفيذي لشركة آرثر دي ليتل أحد أقدم شركات الاستشارات الإدارية في العالم في تشبيه ما يجري بـ“خطة مارشال” جديدة؛ إذ قال لـ MBN “ما نراه اليوم هو خطة مارشال جديدة،” في إشارة إلى أن الدور انعكس هذه المرّة، إذ تضخ السعودية استثمارات هائلة في الاقتصاد الأميركي على غرار ما فعله برنامج إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ولكن بالاتجاه المعاكس.

وربما الأهم من حجم الاستثمارات هو طبيعتها؛ والتركيز منصب على قطاعات المستقبل بعيدا عن النفط “الحديث عن النفط لم يتجاوز 5 إلى 10%يقول اليماني.

خطة التريليون

المصدر (البيت الأبيض)

الصفقات الكبرى.. الذكاء الاصطناعي

تشير تفاصيل الصفقات المعلنة خلال الزيارة إلى أن قطاع التكنولوجيا المتقدمة هو الرابح الأكبر من موجة الاستثمارات السعودية. فعلى رأس القائمة، أعلنت شركة هيوماين (HUMAIN) وهي شركة ذكاء اصطناعي سعودية ناشئة مدعومة من صندوق الاستثمارات العامة عن خطط لشراء 600 ألف رقاقة ذكاء اصطناعي متقدمة من شركة إنفيديا الأميركية، وتُعد من أضخم طلبات الشراء في تاريخ الشركة، ما يترجم مباشرة إلى مبيعات بمليارات الدولارات لصناعة أشباه الموصلات الأميركية المزدهرة.

كذلك كشفت AMD الأميركية وهيوماين السعودية عن اتفاق شراكة طموح بقيمة 10 مليارات دولار لتزويد السعودية بشرائح حوسبة ذكاء اصطناعي متقدمة وتطوير القدرات الحاسوبية على مدى السنوات الخمس المقبلة. 

وستكون AMD وسيسكو بموجب هذا الاتفاق شريكين تقنيين حصريين لهيوماين، ما يعني دورا كبيرا لهذين العملاقين الأميركيين في تصميم وتشغيل مراكز البيانات والأنظمة الحاسوبية فائقة القدرة التي تعتزم السعودية إنشاؤها.

ومن المتوقع أن تسهم هذه الشراكة في 500 ميغاواط من قدرات الحوسبة للذكاء الاصطناعي خلال خمس سنوات، على طريق تحقيق هدف مشترك ببناء 1 غيغاواط من البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بحلول 2030. 

“أغلب الاتفاقيات فيها فرص فعلاً لنقل القدرات وجميعها تخلق على المدى الطويل قيمة كبيرة جداً” يقول اليماني لـ MBN.

الزميل عزت وجدي مع المدير التنفيذي لشركة تكامل القابضة أحمد اليماني 

من الأمثلة الأخرى اللافتة صفقة بناء مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة بتمويل سعودي: فقد أعلنت هيوماين عن شراكة استراتيجية مع شركة Global AI لإنشاء مركز بيانات عالي الكثافة في أميركا. 

وفي سياق دعم الابتكار الأميركي الناشئ، قادت هيوماين جولة تمويلية ضخمة بقيمة 900 مليون دولار لصالح شركة Luma AI الأميركية المتخصصة في توليد الفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي.

إلى جانب ذلك، شهدت الزيارة تعاونا في محتوى الذكاء الاصطناعي، حيث أعلنت شركتا أدوبي وكوالكوم الأميركيتان الانضمام للعمل مع هيوماين لتطوير محتوى رقمي باللغة العربية بالاستفادة من نموذج اللغة الضخم السعودي المسمّى “عَلّام”.

 كما كشفت أمازون ويب سيرفيسز (AWS) عن خطة لتركيب ما يصل إلى 150 ألف مسرّع للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع هيوماين في “منطقة ذكاء اصطناعي” خاصة بالرياض. 

الرقائق وأشباه الموصلات..

يبرز قطاع أشباه الموصلات بوصفه أحد أكثر مسارات التعاون حساسية وأهمية في الزيارة الأخيرة لولي العهد إلى واشنطن. فبحسب ما نقلته رويترز، سمحت وزارة التجارة الأميركية بتصدير ما يصل إلى 35 ألف رقاقة متقدمة من فئة Blackwell من شركة Nvidia إلى شركة هيوماين السعودية في خطوة تُقدَّر قيمتها بحوالي مليار دولار، وتمثّل أحد أكبر تراخيص التصدير لرقاقات ذكاء اصطناعي متقدمة تمنحها الولايات المتحدة لأي شريك خارجي.

لم يُعلن خلال الزيارة عن إقامة مصانع رقائق في الولايات المتحدة ممولة سعوديا بشكل مباشر، إلا أن المؤشرات واضحة على اهتمام سعودي بهذا المجال الحيوي. فقد أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن المملكة تتوقع إنفاق 50 مليار دولار على الرقائق قريبا، سواء عبر استثمارات في شركات أشباه موصلات أو مشتريات ضخمة للتقنيات المتقدمة.

وتظهر استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة السعودي بالفعل توجها نحو زيادة الانكشاف على أسهم شركات الرقائق الأميركية؛ إذ رفع الصندوق حصصه مؤخراً في شركات مثل ARM المتخصصة بتصميم أنوية المعالجات. 

“هذه ليست مشاريع تُبنى خلال يوم وليلة. تحتاج سنوات حتى تظهر قيمتها على الاقتصاد، وعلى التقنية، وعلى البنية التحتية، وعلى البنية المعلوماتية والإنسانية،” يقول اليماني لـ MBN.

هل ستتحقق خطة التريليون؟

مع ذلك، لا تخلو الصورة من التحديات وعلامات الاستفهام. فقد تساءل خبراء اقتصاديون عن مدى قدرة السعودية على الوفاء بتعهد التريليون دولار في ظل التزاماتها المالية الضخمة محليا. 

أشار بعضهم إلى أن المملكة تواجه حاليا عجزا في الميزانية، فضلا عن اعتمادها المالي على أسعار النفط التي شهدت بعض التراجع. كما أن لدى الرياض التزامات إنفاق كبيرة في مشروعاتها التحولية الداخلية مثل مدينة نيوم وغيرها من المبادرات الضخمة ضمن رؤية 2030، والتي تتطلب مئات المليارات وتواجه تحديات تتعلق بالتكاليف والجداول الزمنية.