أسئلة “القوة الدولية” في غزة

Loading

يثير ملف “القوة الدولية” في غزة قلقا في إسرائيل منذ مصادقة مجلس الأمن الدولي، الاثنين الماضي، على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ففي حين بدا الترحيب الرسمي بالقرار هادئا، تتملك الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل حالة من الترقّب المتوتّر، تتعلق بتفاصيل الخطة التي لم تتضح بعد، خاصة مع استمرار سيطرة حركة حماس على أجزاء من القطاع.
تتعامل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مع فكرة نشر قوة دولية متعددة الجنسيات في القطاع الفلسطيني بحذر بالغ. فعلى الرغم من أن القوة قد تساهم نظريا في تثبيت التهدئة ومنع الفراغ الأمني، هناك خشية من أن تتحول عمليا إلى عنصر مقيِّد للجيش الإسرائيلي، سواء في “التحركات الاستباقية” أو في “الردع العملياتي” داخل غزة.

وفق تقديرات عسكرية إسرائيلية، لا تزال حركة حماس تحتفظ ببنية قتالية نشطة، خصوصا في المناطق التي انسحب منها الجيش خلف “الخط الأصفر”. وتخشى القيادة الأمنية في إسرائيل من أن وجود قوات دولية، بصلاحيات سياسية أو أمنية، قد يُلزم إسرائيل بتنسيق ميداني أو يقيد حرية عملياتها، في لحظة قد تكون فيها الحاجة إلى الردع أكبر من أي وقت مضى.

وفي هذا السياق، أورد الجيش الإسرائيلي تفاصيل عملية ميدانية نفذها لواء كفير في منطقة “الخط الأصفر”، أشار  فيها إلى “استمرار وجود البنى التحتية العسكرية لحماس”، بما في ذلك منصة إطلاق صواريخ تضم ثمانية أنابيب وبداخلها أربع قذائف كانت موجهة نحو إسرائيل، بحسب قول الجيش، إضافة إلى أسلحة رشاشة من نوع كلاشنيكوف، عبوات ناسفة، قنابل شظايا، وملابس عسكرية، وفق بيان إسرائيلي صدر صباح الخميس.

وتستخدم الأوساط العسكرية الإسرائيلية تلك “المعلومات” للتدليل على أن التهديد لم يزُل بعد، وبأن السماح لأي قوة أجنبية بإدارة الأرض يقيد حرية المناورة الميدانية للجيش.

وفيما تتسارع الجهود لبلورة ملامح القوة الدولية، تصر الحكومة الإسرائيلية على رفض مشاركة قوات من تركيا أو قطر ضمن القوة المزمع تشكيلها، وسط محاولات أميركية لضمّ شركاء إقليميين. لكن حتى الآن، ليس من الواضح من يقود تلك القوة وما هي صلاحياتها أو هل ستخضع لإشراف أميركي مباشر أم دولي، وأيض هل سيكون لإسرائيل “حق الفيتو” على تحركاتها.

وسط هذا الغموض، تتعامل إسرائيل مع المشروع كما لو كان مجرد “أفكار قيد الاختبار”، لا كإجراءات مُلزمة على الأرض.

“من غير الواضح في هذه المرحلة مدى إمكانية إقامة قوة دولية في غزة، خاصة في ظل وجود حركة حماس وتحكمها بالقطاع،” يقول المحلل السياسي في هيئة البث الإسرائيلية، شمعون أران، في حديث مع “الحرة”، مضيفا قوله “نحن لسنا في مرحلة نهائية، ويجب التريث حتى يتم تشكيل القوة فعليا، وعندها فقط يمكن تقييم مدى تأثيرها على إسرائيل. لكن حاليا الصورة ليست واضحة”.

تصريح أران تعكس حالة “الانتظار الحذر” داخل إسرائيل. إذ بينما يدفع البعض في إسرائيل باتجاه توظيف القرار الأممي للضغط على حماس، يرى آخرون أن التنفيذ العملي قد يُربك الترتيبات الأمنية على الأرض، ويخلق مناطق احتكاك ميداني ودبلوماسي غير مرغوبة.

يستند القلق الإسرائيلي الأمني إلى تجربتين مماثلتين، الأولى تجربة “اليونيفيل” في جنوب لبنان، حيث ترى إسرائيل أن المجتمع الدولي أخفق على مدار ما يقرب من عقدين في تنفيذ القرارات الأممية التي تنص على نزع سلاح حزب الله، لا سيما القرار 1701.

رغم وجود قوات أممية على الأرض، استمر الحزب في تعزيز ترسانته الصاروخية وقدراته الهجومية بشكل فاق ما كان لديه قبل حرب 2006.

وتسعى إسرائيل لتجنب تكرار تجربة اليونيفيل، حيث تكون هناك، في غزة، قوة دولية بلا أنياب أو تفويض فعلي، وتعيش في ظل المليشيات المسلحة بدلا من أن تقوّض وجودها، وفقا لما ذكرته نائبة وزير الخارجية الاسرائيلية شارين هسكيل في مقابلة سابقة مع “الحرة”.

ويتثمل النموذج الثاني في أفغانستان، حيث انهارت الدولة بمجرد انسحاب القوات الأميركية والتحالف الدولي عام 2021، على الرغم من سنوات من الاستثمار العسكري والمالي والسياسي في مؤسسات الأمن والحكم.

تستخدم الأوساط الأمنية في إسرائيل هذه المقارنة للتشكيك في مدى إمكانية إرساء بنية مستقرة في قطاع غزة، في حال لم يُحسن تصميم وترسيخ القوة الدولية المنشودة، سواء من حيث القيادة أو الشراكات أو التفويض.

في هذا الإطار، يبدو أن إسرائيل لا ترى في “القوة الدولية” حلا، بل إجراء محفوفا بالمخاطر، قد يتحول إلى عائق ميداني أو إلى خيبة سياسية جديدة.

لكن الصورة لا تكتمل من دون الإشارة إلى الواقع الميداني الكارثي الذي يعيشه الفلسطينيون أنفسهم في القطاع. فهُم عالقون بين مطرقة حماس وسندان إسرائيل: حركة مسلّحة تحكم بالبطش والقمع الداخلي، وجيش لا يتردد في استخدام النار بدرجات قصوى أفضت إلى تدمير قطاع غزة وقتل ما يقارب 70 ألف فلسطيني، وفقا للمعطيات الواردة من غزة.