![]()
تتأهّب العلاقات الأميركية – السعودية لدخول مرحلة جديدة، مع الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، واللقاء الذي سيعقده غداً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.
وإذا ما كانت هذه الزيارة تأتي في لحظة إقليمية ودولية تتداخل فيها حسابات الطاقة والأمن والتكنولوجيا، فإنها يمكن، كما يتوقّع مراقبون، أن تفتح آفاقاً جديدة أمام التعاون بين البلدين، بحيث يشمل مجالات جديدة مهمة.
وبينما تقاربت، إلى حدّ كبير، مواقف البلدين حيال عدد من الملفات المهمّة، مثل التعاون التكنولوجي في مجالات عدة وحصول السعودية على مقاتلات شبحية من طراز (F35)، إلا أنها بقيت متباعدة حيال أخرى، وفي مقدمتها تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
محاور الخلاف والتقاطع
في لحظة مفصلية في الشرق الأوسط، تشكّل الهدنة الهشة في قطاع غزة أمراً بالغ الأهمية لاستقرار المنطقة.
وقد طرحت الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن مقترحاً لإنشاء “قوة دولية” تشرف على تثبيت الاستقرار في القطاع، وتشكيل مجلس لإدارة عملية إعادة إعماره.
ومن جهتها، حرصت السعودية ودول عربية أخرى على بذل جهود من أجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
لكن تأمين الاستقرار في غزة والمنطقة بأسرها، يتطلّب إقامة دولة فلسطينية، كما تؤكّد المملكة.
وتدفع الولايات المتحدة باتجاه تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
ويؤكد الباحث في العلاقات الدولية الدكتور أحمد بن حسن الشهري أن “ملف القضية الفلسطينية ما يزال موضع تباين واضح بين الجانبين، إذ تتمسك المملكة بخيار الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، بينما لم تُبدِ الولايات المتحدة المستوى ذاته من الالتزام”.
ويرى الشهري أن إعادة إعمار قطاع غزة لن تكون ممكنة دون ضمانات دولية تمنع تكرار الدمار، وأن إنشاء أيّ قوة لحفظ السلام يجب أن تعمل تحت مظلة أممية و”بتمويل عالمي تشاركي”.
وعدا عن “ملف التطبيع”، ثمة مسافة ما تزال قائمة بين مواقف البلدين بشأن المطلب السعودي المتعلّق بتوقيع اتفاق دفاعيّ بينهما وحدود التزاماتهما بموجبه.
ويقول المحلل السياسي مبارك العاتي إن “ترامب كان أوّل من أدرك أن السعودية قادرة على إعادة تشكيل عقيدتها الدفاعية بعيداً عن الارتهان لمصدر واحد، وأن أيّ تضييق أميركي سيدفعها للتوجّه نحو شركاء آخرين، وهو ما يفسر حساسية الموقف الأميركي تجاه تسرّب التكنولوجيا”.
ويشير العاتي إلى قدرة المملكة على تحقيق توازن ناجح في علاقاتها مع كلّ من الصين والولايات المتحدة، لافتاً الى أن إدارة ترامب ستسعى بقوة للحصول على موافقة الكونغرس لتمرير صفقة مقاتلات F-35 للمملكة”.
التكنولوجيا والطاقة النووية
أعلنت المملكة التزاماً استثمارياً ضخماً في الولايات المتحدة يصل إلى 600 مليار دولار، ويشمل مجالات عدة أبرزها الطاقة والدفاع والبنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة.
ويبرز ضمن هذا التوجه استثمار شركة DataVolt السعودية نحو 20 مليار دولار في مراكز بيانات متقدّمة للذكاء الاصطناعي وبنية للطاقة، بالتوازي مع استثمارات شركات أميركية كبرى مثل Google، Oracle،Salesforce ، AMD، Uberتتجاوز80 مليار دولار في التكنولوجيا التحويلية.
وعلى مستوى البنية التحتية تعمل شركات أميركية كبرى، مثلHill International، Jacobs، Parsons، وAECOM على تنفيذ مشاريع سعودية عملاقة تشمل مطار الملك سلمان الدولي وحديقة الملك سلمان ومدينة القدية ومجمع The Vault، ما يعكس ترابطاً استراتيجياً في بناء البنى الحديثة داخل المملكة.
وفي الجانب الدفاعي، تمثل صفقة الأسلحة الأميركية – السعودية البالغة 142 مليار دولار، أضخم صفقة دفاعية في التاريخ، وتشمل تحديث القدرات الجوية والصاروخية والبحرية وأنظمة الاتصالات السعودية، إضافة إلى برامج التدريب وبناء القدرات العسكرية للمملكة.
كما اتسعت أطر التعاون بين البلدين لتشمل الفضاء والطاقة والمعادن؛ إذ وقعت المملكة اتفاقيات مشتركة مع NASA لتطوير قمر صناعيّ ضمن مهمة Artemis II، إلى جانب تعاون واسع مع وزارة الطاقة الأميركية في مشاريع الطاقة النظيفة والبنى التحتية، وتفاهمات في مجال التعدين لتعزيز سلاسل التوريد الحيوية التي أصبحت مسرحاً رئيساً للتنافس الدولي.
ويقول الشهري إن “العلاقات الاقتصادية والاستثمارية السعودية – الأميركية ليست رهينة أرقام محددة، ولا تخضع لإملاءات سياسية بل تقوم على مصالح استراتيجية متبادلة، وينتقد “الحساسية الأميركية” تجاه الصين، في إشارة إلى مخاوف واشنطن بشأن تسرّب “أسرار التكنولوجيا الأميركية”.
وفي ملف الطاقة النووية، يوضح العاتي أن “المملكة ماضية في سعيها للحصول على برنامج نووي مدني، والولايات المتحدة تدرك موثوقية السعودية وعدم امتلاكها أيّ نوايا عسكرية في هذا الصدد”.
“السعودية، التي نجحت في تعديل سلّة تحالفاتها في لحظات حرجة، لن تفرّط في علاقاتها مع الصين أو روسيا، كما أن شراكاتها مع هذه القوى ليست بديلاً عن علاقتها التاريخية مع واشنطن” يؤكد العاتي.