ما بعد الفاشر

Loading

بعد حصار استمر أكثر من 500 يوم، سقطت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور السوادنية، بيد “قوات الدعم السريع”.

ويعتبر هذا الحدث نقطة تحوّل في مسار المعارك الدائرة بين هذه القوات والجيش السوادني، الذي فقد بذلك آخر معاقله في دارفور.

وتعتبر المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو مليون و500 ألف شخص، مركزاً سياسيًّا وثقافيًّا مهمّا في غرب البلاد، وموقعاً استراتيجيّا بين شمال السودان وكل من تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى.

وشكّلت المدينة محوراً في الصراع العسكري الدائر بين الجيش و”قوات الدعم السريع” منذ أبريل عام 2023، وذلك قبل أن تسيطر عليها الأخيرة قبل أيام.

وترافقت هذه التطورات مع حدوث موجات من القتل والتنكيل والانتهاكات المروّعة بحق المدنيين، شملت عمليات إعدام ميدانية واغتصاب جماعي للنساء ونهب للمستشفيات واستهداف للأحياء السكنية المكتظّة، كما ذكرت منظّمات حقوقية وإنسانية دولية وسودانية.

وقد أثارت هذه الانتهاكات ردود فعل دولية واسعة، فيما دعا جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إلى تصنيف “قوات الدعم السريع” رسمياً منظّمة إرهابية أجنبية.

وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قد تحدّث، بدوره، عن تدمير وقتل ممنهج للمدنيين في الفاشر، لكنه قال: “إننا نستطيع أن نقلب الطاولة في كلّ مرة”، مشدداً على استعادة الأراضي من يد من وصفهم بالخونة.

ويطرح فقدان الجيش سيطرته على مدينة الفاشر أسئلة مهمة حول أسباب هذا التطوّر العسكريّ وتأثيره على مجريات القتال والتفاوض بشأن تسوية سياسية في البلاد.

سقوط الفاشر ووحدة السودان

منذ سيطرة “قوات الدعم السريع” على الفاشر، انقسمت آراء السودانيين بين من تحدّث عن مؤامرة ومن اعتبر أن ما جرى حدث عسكريّ محض.

في هذا الإطار، يؤكد د. أمين مجذوب، الخبير الاستراتيجي والعسكري السوداني، أن ما حدث هو “عملية عسكرية في المقام الأول”، نافياً، بشكل قاطع، صحة أيّ حديث عن صفقة سياسية أو تنازل من قبل الحكومة السودانية.

وكانت “قوات الدعم السريع” قد حاصرت القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش في الفاشر لمدة منذ 18 شهراً، ومنعت الإمدادات العسكرية من الوصول إليها، وشنّت أكثر من عشرين هجوماً واسعاً على المدينة، فضلاً عن استهدافها المتكرر بالطائرات المسيّرة.

ويصف د. مجذوب الأحاديث عن صفقة سياسية بأنها “حرب نفسية وشائعات تهدف إلى زعزعة الثقة بين الشعب السوداني والحكومة السودانية”.

وتذهب أريج الحاج، الباحثة في الشأن السوداني، في الاتجاه نفسه، إذا ترى أن “الهزيمة العسكرية هي الأقرب للتفسير، بعد استنزاف الفرقة السادسة والقوات المتحالفة مع الجيش”.

وتحدّث الحاج عن عدة سيناريوهات حول مستقبل هذه القوات في دارفور، أهمها تحالفها مع “قوات الدعم السريع” أو حصول انقسام جديد في صفوفها.

ومن شأن مثل هذا الانقسام، في حال حدوثه، أن يعقّد الصراع أكثر في السودان، ويفتح الباب أمام “معارك جانبية” يدفع المدنيون معها المزيد من الأثمان الباهضة.

شبح السيناريو الليبي

تثير التطورات في السودان قلق دول الجوار، ويتخوّف بعضها من تحوّل إقليم دارفور إلى معقل أو معبر للمنظّمات الإرهابية.

لكن الخوف الأكبر لديها ينبع من احتمال تكرار السيناريو الليبي، إذا تنقسم ليبيا بين حكومتين، وتشهد جولات من الاقتتال الداخلي بين الأطراف والمجموعات المسلّحة.

وتؤكد الباحثة أريج الحاج أن “استمرار التحالف بين الحركة الشعبية، بقيادة عبد العزيز الحلو، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يمكن أن يؤدي إلى انقسام السودان إلى دولتيْن. أما إذا قررت الحركات المسلّحة أن يكون لديها دولة؛ فمن الممكن، حينها، أن تنقسم البلاد إلى 4 دول”.

لكن د. مجذوب يستبعد تماماً حدوث انفصال في السودان، ويوضح أن ما يعرف بـ”حكومة تأسيس” لا يتوافر لها أيّ تأييد محلي أو إقليمي أو دولي. كما أنها تفتقر إلى المقوّمات الجغرافية والبشرية والاقتصادية اللازمة لتكوين دولة، على ما يؤكد.

وكان تحالف تأسيس، الذي يترأسه حميدتي،  قد أعلن، في السادس من يونيو الماضي، تشكيل حكومة موازية للحكومة السودانية، أطلق عليها اسم “حكومة السلام”.

ونظراً لما تمثّله سيطرة “قوات الدعم السريع” من خسارة عسكرية للجيش، يتوقّع أن تتحوّل إلى ورقة تفاوضية في يد “حكومة تأسيس”.

ترى الحاج أن “قوات الدعم السريع”ستستخدم ورقة الفاشر من أجل تحقيق مكاسب في أيّ مفاوضات سياسية”.