![]()
بعد مشاركته في “قمة شرم الشيخ”، التي عقدت في 13 أكتوبر، وتوقيعه اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة؛ زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكويت وقطر وسلطنة عمان، حيث التقى قادتها، ووقّع العديد من اتفاقات التعاون الاقتصادي.
ولم تشمل جولة أردوغان الخليجية السعودية والإمارات والبحرين، في وقت تحدثت تقارير صحفية عن “عدم رضا” الدول الثلاث، عن الدور التركي المتنامي في قطاع غزة والشرق الأوسط عموماً.
وتحدّثت تقارير عن مخاوف إماراتية وسعودية بشأن مشاركة تركيا في القوة الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة وعملية إعادة إعماره، وهي مخاوف ربما تتقاطع مع خشية إسرائيلية من أن يدعم أيّ دور تركي محتمل في القطاع حركة “حماس” بدلاً من تفكيكها، كما ذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
يقول الكاتب والباحث العماني في الشؤون السياسية محمد العريمي لـ”الحرة” إن “دول الخليج تنظر إلى الدور التركي الجديد بواقعية حذرة، وترى في أنقرة قوة إقليمية مهمة يمكن أن تساهم في تحقيق التوازن في المنطقة في ظل التصعيد الإسرائيلي، خاصة بعد قصف الدوحة أخيراً، إضافة إلى الفرص الاقتصادية الواعدة التي تتيحها الشراكة مع تركيا”.
وتراجع الحديث عن مشاركة أنقرة في القوة الدولية خلال الأيام الماضية بسبب رفض إسرائيل، لكن ذلك لم يخفف من سعي تركيا إلى لعب دور في الترتيبات الأمنية والسياسية والاقتصادية الجارية بشأن القطاع.
وتبدو “اندفاعة تركيا” نحو غزة، جزءاً من مسعى أكبر، يتمثّل بإعادة تموضعها في الساحة الشرق أوسطية، ومدّ نفوذها إلى غزة بعد سوريا.
غزة في جولة أردوغان
جاءت جولة أردوغان التي شملت الكويت وقطر وسلطنة عمان بدعوة من قادتها، وحملت العديد من العناوين الاقتصادية.
وفق بيان رسمي للرئاسة التركية، تم خلال الجولة بحث العلاقات الثنائية وتوقيع عدد من الاتفاقيات الاستراتيجية، التي تؤكد رغبة أنقرة في توسيع شراكاتها الاقتصادية والسياسية مع الدول الخليجية، خاصة في مجالات الطاقة والدفاع والاستثمار والبنية التحتية.
ورغم ذلك، لم تغب غزة و”اتفاق وقف إطلاق النار”عن محادثات وتصريحات أردوغان في الدول الثلاث، إذ أكّد أهمية تطبيقه، ودعا إلى تنفيذ حلّ الدولتيْن.
ورغم الاعتراض الإسرائيلي، جددت تركيا، وهي إحدى الدول الضامنة للاتفاق، تمسكها بالمشاركة في القوة الدولية وإعادة إعمار القطاع.
يقول الأكاديمي السعودي خالد باطرفي لـ”الحرة” إن “جولة أردوغان شهدت توافقاً حول إطلاق مبادرات مشتركة لإعادة إعمار غزة وتنسيق الجهود الدبلوماسية للضغط لوقف الانتهاكات الإسرائيلية وضمان تدفق المساعدات الإنسانية. كما أبدت أنقرة استعدادها للتعاون مع دول الخليج في برامج تنموية داخل القطاع”.
ولم يتضح رسميّاً بعد موقف السعودية والإمارات والبحرين بشأن انخراط تركيا في الترتيبات الجارية بشأن الأوضاع في قطاع غزة، ولم تكن هذه الدول ضمن جولة أردوغان، لكن “ذلك لا يعني وجود خلاف سياسي أو فتور في علاقاتها مع أنقرة”، كما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو لـ”الحرة”.
ويلفت أوغلو إلى أن “اللجان العليا المشتركة، سواء التركية – السعودية أو التركية – الإماراتية ما زالت تعمل بشكل نشط، وهو ما يؤكد استمرار التعاون”.
وكانت تركيا قد سعت خلال السنوات القليلة الماضية إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، لكن “حصار قطر”، ألقى بظلال كثيفة على هذا المسعى، كما شكّل الموقف من “جماعة الإخوان المسلمين” عقبة أخرى أمامه.
وتأمل تركيا أن تكون قد نجحت في إعادة بناء علاقاتها مع كلّ الدول الخليجية، من دون التخليّ عن سياساتها التقليدية حيال المسائل الخلافية مع بعضها.
يعتبر العريمي أن جولة الرئيس التركي تشكّل بداية لشراكة استراتيجية تدريجية بين تركيا والدول الخليجية. وقد لفت نظره “اللغة الإيجابية والتركيز على المصالح المشتركة خلال هذه الجولة، ما يعكس إرادة سياسية لفتح صفحة جديدة قوامها التعاون الاقتصادي والأمني والاستراتيجي، دون أن يعني ذلك تطابقًا كاملاً في المواقف أو الرؤى”، كما يؤكد.
تحفظات خليجية
منذ اندلاع القتال في قطاع غزة في أكتوبر 2023، تبنّت أنقرة خطاباً سياسيًّا مؤيّداً للفلسطينيين، وانتقد أردوغان مراراً، وبشكل لاذع، إسرائيل، بشأن عملياتها العسكرية هناك.
ومع توقيع “اتفاق وقف إطلاق النار” سعت أنقرة للمشاركة في القوة الدولية المزمع نشرها في القطاع، لكنها اصطدمت برفض إسرائيلي، وربما بتحفّظ دول خليجية على مجمل الدور التركي بشأنه.
تقول أصلي أيدن طاشباش الباحثة في “معهد بروكينغز” لـ”الحرة” أنه “ليس من الواضح أن مصر أو الإمارات أو السعودية ترحّب بمشاركة تركيا المباشرة في محادثات غزة. موقف هذه الدول من حركة حماس يختلف كثيراً عن موقف أنقرة”.
لكن تمدد النفوذ التركي إلى غزة لا يزعج الإمارات والسعودية، برأي المحلل السياسي والباحث الإماراتي محمد خلفان الصوافي،الذي يعتبر أن “من مصلحة دول الخليج ألّا تنفرد إسرائيل بالمشهد الإقليمي، لأن بروز الدور التركي يخلق توازناً ضروريّاً مع إسرائيل”.
ولطالما طالبت الإمارات والسعودية وتركيا بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، ودعت إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سكانه. كما دأبت الدول الثلاث على المطالبة بتنفيذ “حلّ الدولتين”، وهو ما يتجاوز كثيراً التمايز في مواقفها بشأن “حماس”.
“تحجيم دور حماس يبدو أمراً محسوماً إلى حد ما، لكنه، في المقابل، لا يمكن أن يتمّ من دون مقابل سياسيّ واضح يتمثل في إنشاء دولة فلسطينية، وهو ما يبدو أنه يحظى بتوافق مبدئي بين السعودية والإمارات وقطر وتركيا ومصر” يقول أوغلو.
ولا يمكن لإيران أن تغيب عن هذا المشهد. فقد أطاح سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد بنفوذها في سوريا، وهو أمر لا يزعج دولاً خليجية، لكن احتمال استبداله بنفوذ تركي ربما يثير حفيظة دول أخرى، مثل السعودية والإمارات.
وعمّا إذا كانت أنقرة تحاول بناء محور جديد في المنطقة، تقول طاشباش إن “تركيا هي بالفعل محور بحد ذاتها”.
ويواجه توسيع النفوذ التركي في غزة والمنطقة عقبات عدة، بينها الانقسام الفلسطيني وتفاوت مواقف الدول الخليجية من إسرائيل، وتعارض المصالح في سوريا، فيما يبقى موقف الولايات المتحدة حاسماً في هذا الإطار.
ويفتح هذا التداخل والتفاوت بين مواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين بشأن خارطة النفوذ في المنطقة، الباب أمام احتمال حدوث مساومات وتوافقات بينها، وهو ما سيترك أثراً كبيراً على أوضاع القطاع في المستقبل.
يعتقد الصوفي أن “هناك شروطاً خليجية، وربما مصرية أيضاً، تتصل بعلاقة تركيا مع حركة حماس وتنظيم الإخوان المسلمين. فإذا أبدت أنقرة مرونة في هذه الملفات، فقد نشهد تعاوناً أوسع في إعادة إعمار غزة. أما إذا تمسّكت بموقفها، فستتراجع الحماسة الخليجية للمشاركة، خاصة أن إسرائيل – حكومةً ومعارضة – لن تكون مرتاحة لوجود تركيّ مؤثّر في الإعمار، لما يمثله ذلك من منافسة مباشرة على النفوذ الإقليمي”.