![]()
مرحبًا مجددا إلى إيران بإيجاز من MBN.
نبدأ رحلتنا اليوم من طهران، لنرصد كارثة مصرفية وطنية، ومنها شمالا إلى جار مقرّب من إسرائيل يثير قلق الجمهورية الإسلامية على نحو متزايد، ثم نسافر إلى أميركا اللاتينية، حيث تُقدّم إيران دورات مجانية عبر الإنترنت – بالإسبانية – عبر “Instituto Salam”.
سنكتشف لماذا أُلغي – فجأة – مؤتمر يضم 500 حاخام، وكيف أثار مقطع مُسرّب صدمة داخل إيران، وسنزور معرضا فنيا في طهران.
للملاحظات أو الاقتراحات أو الأسئلة، راسلني على ailves@mbn-news.com.
إذا وصلتك هذه النشرة من صديق، فلم لا تشترك فيها مباشرة؟
اقرأني بالإنكليزية هنا.
“آينده”.. مستقبل بلا رصيد!
أكبر زلازل هذا الأسبوع في إيران – وإيران تسجّل مئات الهزات سنويا وهي من الأكثر عرضة للزلازل في العالم – جاءت من حلّ بنك “آينده“.
بعد سنوات من سوء الإدارة، وغموض الملكية، والخسائر المتراكمة في واحد من أكبر المصارف الخاصة في البلاد، نُقلت جميع أصول البنك وودائع عملائه إلى بنك ملي، أكبر بنك تجاري مملوك للدولة في إيران. البرلمان دعم القرار بقوة، واصفًا إياه بأنه “خطوة شجاعة وضرورية لإصلاح النظام المصرفي“.
لكن لم يتشارك الجميع هذا الحماس. فقد ركّزت الصحافة على ما وصفته بمخالفات قانونية محتملة لعائلة أنصاري، بتفاصيل دقيقة تكشف شبكة معقدة من الشركات الوهمية والمعاملات الملتوية.
تحقيق حمل عنوان “ما وراء كواليس خسارة بنك آينده البالغة 550 تريليون تومان | كيف بددت إمبراطورية عائلة أنصاري أموال الناس عبر شركات صورية؟” أشار إلى أن سبعة إخوة وأختهم حوّلوا أموال العملاء إلى مشاريع عائلية، وحاولوا إخفاء آثارهم لاحقًا.
وأضاف موقع رويداد24 أن “القرار ليس حلاً للأزمة بل نقلٌ لها“.
المبلغ المذكور – 550 تريليون تومان – يعادل أكثر من 5 مليارات دولار.
انهيار بنك بهذا الحجم أمر نادر في إيران، ويشكّل ضربة لهيبة السلطات قد تؤدي إلى أزمة ثقة عامة وتفتح الباب أمام اضطرابات أوسع في النظام المالي.
بالمناسبة، “آينده” تعني المستقبل بالفارسية.
باكو.. قلق على وتر الشمال
على بُعد نحو 140 ميلا من الحدود الإيرانية، كان من المقرّر أن يجتمع الأسبوع المقبل أكثر من 500 حاخام أوروبي في قلب مدينة ذات أغلبية مسلمة، إلى جانب ضيوف دوليين ومسؤولين إسرائيليين وشخصيات محلية.
لكن المؤتمر، الذي كان سيُعقد في باكو عاصمة أذربيجان، أُلغي فجأة بسبب مخاوف من هجوم ترعاه إيران.
قال خبير أمني إسرائيلي لموقع إخباري محلي إن “مجرد انعقاد مؤتمر ديني كهذا يثير غضبا هائلا في إيران؛ فبالنسبة للحرس الثوري، هو هدف مغرٍ ورمزي، خاصة بعد فشلهم في الحرب ضد إسرائيل“. تمتلك طهران أصلًا ذراعا أذرية موالية لها تُعرف بـ“الحسينيون“، استخدمتها في الماضي لتنفيذ عمليات مماثلة.
لكن ما الذي يحدث بالضبط؟ الصورة معقّدة وتحتاج إلى تفكيك.
لنبدأ بالخريطة: لإيران سبعة جيران (أفغانستان، العراق، باكستان… إلخ)، لكن أذربيجان تظلّ مصدر القلق الأبرز.
الأذريون هم أكبر أقلية قومية بعد الفرس، إذ تتراوح تقديرات نسبتهم بين 16 و35% من سكان إيران – وهي أرقام تقريبية لأن طهران لا تسأل عن الانتماء العِرقي في التعداد السكاني. حتى على الحد الأدنى، يعيش في إيران عدد من الأذريين يفوق سكان أذربيجان نفسها التي لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين. الحدود بين البلدين مصطنعة تاريخيا، وهذا وحده كافٍ لتغذية الشكوك المتبادلة.
ثم هناك التحولات الجديدة في القوقاز.
باكو تقترب أكثر من أنقرة، ما يُزعج طهران. وبالمقابل، انفتاحها على يريفان (أرمينيا) يفتح الباب أمام ممرات نقل إقليمية جديدة تدعمها تركيا والولايات المتحدة. تخشى إيران أن تؤدي هذه التطورات إلى عزلها عن القوقاز، وتعزيز النفوذ التركي والغربي على حدودها الشمالية، وإضعاف موقعها الاستراتيجي الذي حافظت عليه لعقود.
لكن الجديد هو بروز أذربيجان كمرشّح رئيسي للانضمام إلى مهمة دولية مدعومة أميركيا لاستقرار غزة، بأدوار محتملة تتراوح بين حفظ السلام ودعم إعادة الإعمار.
باكو أبدت استعدادًا للمشاركة، مستندة إلى علاقاتها المتينة مع إسرائيل وخبرتها في عمليات ما بعد الحرب في ناغورنو كاراباخ/أرتساخ، فيما لا تزال التفاصيل قيد التفاوض مع واشنطن وشركاء آخرين.
يقول جوزيف إبستاين، مدير “مركز توران للأبحاث“ وخبير العلاقات الإيرانية مع القوقاز وآسيا الوسطى، لصحيفة جيروزالِم بوست إن الدور الأذري في غزة “سيُعزّز موقع إسرائيل عبر شراكة طويلة الأمد ومصالح استراتيجية مشتركة في مواجهة إيران“.
وفي اتصال هاتفي معي الثلاثاء، أضاف إبستاين أن التعاون بين إسرائيل وأذربيجان مستمر منذ ثلاثة عقود: “أذربيجان تُزوّد إسرائيل بمعظم احتياجاتها من النفط، لكن التعاون يتجاوز الطاقة بكثير. فهي تمثل صوت إسرائيل في العالم الإسلامي، وتوسّطت بين إسرائيل وتركيا في أوقات التوتر، واستضافت اجتماعات بين مسؤولين إسرائيليين وخليجيين قبل توقيع اتفاقات أبراهام. في المقابل، ضغطت إسرائيل في واشنطن لدعم مصالح باكو، بما في ذلك التعاون الثلاثي مع الولايات المتحدة“.
في طهران، الغضب واضح.
الإثنين، نشرت وكالة مهر شبه الرسمية مقالا بعنوان “جمهورية أذربيجان ومعضلة الوجود العسكري في غزة“، خلص إلى أن مشاركة باكو “تحمل مخاطر” على إيران والدول العربية وإسرائيل وتركيا. المقال حذّر من أن انخراط أذربيجان قد يثير ردود فعل سلبية في المنطقة ويزيد التوترات اشتعالًا.
تابعونا، فالعلاقة بين إيران وأذربيجان ليست في طريقها إلى الهدوء… بل إلى مزيد من التعقيد.

خامنئي على ورقة الاقتراع؟
في رسالة مفتوحة من سجن إيفين سيّئ السمعة في طهران، نُشرت أمس، وجّه المعارض البارز أبوالفضل غادياني تحديا علنيا للمرشد الأعلى علي خامنئي، ودعاه إلى إجراء استفتاء وطني حول النظام السياسي في إيران.
الرسالة تحثّ خامنئي على أن “يتجرّأ ويخضع حكمه لاختبار إرادة الشعب“، وتؤكد أن الشرعية الحقيقية في إيران لا يمكن أن تأتي إلا من اختيار ديمقراطي حرّ.
وأضاف غادياني أن على خامنئي أن يتنحّى ويفتح الطريق أمام الشعب الإيراني لتأسيس النظام الذي يريده.
يُذكر أن غادياني مسجون بتهمتي “الدعاية ضد النظام” و“إهانة المرشد الأعلى” بموجب المادتين 500 و514 من قانون العقوبات الإسلامي الإيراني.
ثلاثي في مواجهة ثلاثي
يوم الجمعة الماضي، وجّهت إيران والصين وروسيا رسالة مشتركة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت فيها أن كل أشكال الرقابة الأممية الخاصة على البرنامج النووي الإيراني قد انتهت.
وفي الرسالة نفسها، وجّهت الدول الثلاث انتقادًا لما سمّته “الثلاثي الأوروبي” — بريطانيا وألمانيا وفرنسا — معتبرة أن قرارها بإعادة فرض العقوبات على إيران “باطل قانونيًا وإجرائيًا من الأساس“.
النتيجة: فصل جديد في علاقة طهران بالرقابة الدولية، ودليل آخر على تزايد اصطفافها مع موسكو وبكين.

وداعا، لاباز!
ضربة جديدة تلقّاها نفوذ إيران الخارجي، وهذه المرة في بوليفيا.
كما يشير كيان شريفي من راديو أوروبا الحرة/راديو ليبرتي، وهي مؤسسة شقيقة لـ MBN، فقد أنهى انتخاب الرئيس الجديد رودريغو باز، المنتمي إلى يمين الوسط، الأسبوع الماضي، عقدين من هيمنة حزب الحركة نحو الاشتراكية، الحزب الذي ربط بوليفيا سياسيا واقتصاديا وعسكريا بإيران.
من المتوقّع أن يفضّل الرئيس باز المعايير الغربية وإصلاحات السوق، قد تواجه طهران صعوبة أكبر في الاستفادة من احتياطات الليثيوم البوليفية.
تظنّ أن علاقة إيران بأميركا اللاتينية غير مهمة؟ فكّر مجددًا.
فبحسب بعض الإحصاءات، لدى إيران نحو 80 مركزًا ثقافيًا في القارة، بينها “Instituto Salam“، الذي يقدّم مجانًا دورات بالإسبانية — في مواضيع شتى منها مثلا: كيف تنجح على إنستغرام!
ورغم خسارة بوليفيا، ما زالت لإيران صداقات قديمة في كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا.
استشراف 2: إلى أين تتجه إيران؟
في عدد الأسبوع الماضي من إيران بإيجاز، تناولتُ ملامح المستقبل القريب بعد الضربات التي تلقّتها طهران في حرب الـ12 يوما، واستبعادها من مسار السلام في غزة.
هذا الأسبوع نبتعد قليلا عن اللحظة الراهنة لنفكّر في الأفق الأبعد: كيف قد تبدو السنة المقبلة لإيران — ولنا جميعا ممن نعيش تبعات أفعالها؟ أرى أمامنا أربعة مسارات محتملة بين الآن ونهاية عام 2026:
- السيناريو الأساسي: هشاشة تحت السيطرة
إيران تبقى مستبعدة من دبلوماسية غزة. تظل تشاغب بمستوى ضغط منخفض عبر أذرعها. تستمر في بيع النفط، لكن القنوات تزداد تعقيدا: وسطاء أكثر، تكاليف أعلى، وضخ أبطأ يقلل الأرباح. الداخل الإيراني متوتّر لكنه تحت السيطرة.
- سيناريو الضغط والمناورة
العقوبات تضرب بقوة أكبر من المتوقع. تردّ طهران بتقديم قدر محدود من “الشفافية النووية” أو تسعى لتهدئة إقليمية جزئية مقابل تخفيف اقتصادي محدود — بهدوء، بعيدًا عن أي “صفقة كبرى“.
- منعطف التصعيد
خطأ من أحد الوكلاء يجرّ ردّا مباشرا. تمتصّ طهران الضربة وتردّ بردّ غير تقليدي في البحر، ثم تبحث عن سلّم للنزول. المحصلة: كلفة مرتفعة وصورة نظام أضعف.
- المسار الداخلي (احتمال ضعيف)
إذا دعت دول عربية ضامنة إلى مشاركة إيرانية محدودة في إعادة إعمار غزة — في مجالات مثل الصحة أو إزالة الألغام أو تبادل الأسرى — قد تُبطئ طهران نشاط وكلائها لتبدو كأنها حققت انتصارًا دبلوماسيا محسوبا.
يستحق المتابعة
- تابع حركة الناقلات لا ضجيج الخطابات: الخطابات في طهران رخيصة، لكن شريان الحياة هو النفط. الأرقام الحقيقية للصادرات — لا التصريحات — تكشف مدى القوة المالية الحقيقية للنظام. انخفاض الصادرات يعني توتّرا داخليا سريعا؛ أما إذا استقرّت، فسيواصل النظام إظهار الثقة.
- اقرأ أرقام الطلبات الصينية: تبقى بكين الداعم الاقتصادي الأهم لطهران. الطلب الصيني يمنح إيران شريانا ماليا في وقت يتزايد فيه الضغط الغربي. أي مؤشّر إلى أن الصين تعيد تقييم مخاطرها سينعكس مباشرة على عائدات النفط والموازنة الإيرانية.
- انتبه لـ“ظلّ موسكو“، لا شعاراتها: تتحدث روسيا وإيران عن “شراكة استراتيجية“، لكنها منافسة فعلية في الأسواق الآسيوية، وغالبًا أمام المشترين أنفسهم. النفط الروسي المخفَّض الأسعار يضغط على الأسعار العالمية ويستنزف هامش الربح الإيراني. القصة الحقيقية ليست في تصريحات التعاون، بل في حركة الناقلات.
- تابع نشاط الوكلاء: راقب معدّل الهجمات الأسبوعية المنسوبة لإيران (في لبنان، على حدود العراق وسوريا، وفي البحر الأحمر)، وردود إسرائيل أو التحالف، وكيف تتعامل معها وسائل الإعلام الإيرانية — تضخيم أم تجاهل.
- لا تغفل عن حقائق الداخل: خبزٌ أغلى، وقودٌ أقل، مياهٌ شحيحة، كهرباء متقطعة؛ احتجاجات من الأطراف، ودعمٌ طارئ قبل البرد — كلها مؤشرات إنذار مبكر.
- شاهد دبلوماسية التفاصيل الصغيرة: إشارات صغيرة لكنها دالّة — كالمحادثات القنصلية، وتبادل الأسرى، وخطوات مرتبطة بتمويل الإرهاب— قد تسبق تحركات أكبر.
النفط مجددًا: وفي سياق الصين وروسيا، كشفت رويترز أن إيران قدّمت نفطها للصينيين بأسعار مخفَّضة غير مسبوقة. الضغط ناجم عن عقوبات جديدة ومنافسة متزايدة من الإمدادات الروسية. وهو أكبر انخفاض في الأسعار هذا العام، ما قلّص بشكل ملموس إيرادات إيران النفطية.
زفاف على الطريقة الطهرانية
الجميع في إيران يتحدث عن الفيديو المسرَّب من زفاف أسطوري لابنة مسؤول رفيع:علي شمخاني، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي والمقرّب من المرشد علي خامنئي.
في الفيديو، يظهر الضيوف — بمن فيهم العروس — من دون حجاب، يحتفلون على أنغام ورقصٍ يتجاوز تماما معايير الجمهورية الإسلامية. المشهد أثار عاصفة غضب وجدلا واسعا، ذكّر الإيرانيين بازدواجية المعايير بين نخبة السلطة وعموم الناس الذين يواجهون تطبيقًا صارما لقوانين الحجاب والقيود الاجتماعية.
يُقال إن كلفة الزفاف بلغت عشرات آلاف الدولارات، وأقيم في أحد أفخم القاعات في البلاد. وبحسب موقع إيرانواير، فإن “القانون الإيراني يُجرّم مثل هذا الاحتفال، ويعاقب عليه بما يصل إلى 99 جلدة“.
ويُذكر أن شمخاني اشتهر بدوره في قمع احتجاجات عام 2019 بعنف شديد. أما توقيت تسريب الفيديو فمحطّ جدل:
تقول بعض المصادر إن الزفاف جرى في 2022، وأخرى في 2024 — ما يثير شكوكا بأن نشره كان متعمّدا، خصوصا أنه تزامن مع موجة انتقادات حادّة للإصلاحيين، بينهم الرئيس الأسبق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، بسبب انفتاحهما على الغرب وقراراتهما المثيرة للجدل، مثل الاتفاق النووي.
فنّ بعد القنابل
لمن يتساءل: نعم، لا تزال صالات العرض تُفتح في طهران، حتى في ذروة الصيف، وبعد أسابيع فقط من انتهاء الحرب التي دامت 12 يوما مع إسرائيل والولايات المتحدة.
في قلب العاصمة، استضافت غاليري 8Cube معرضًا بعنوان «الترقّب»، جذب — بحسب صحيفة The Art Newspaper البريطانية — أكثر من 1500 زائر في ليلته الافتتاحية. المعرض ضمّ أعمال ٢٨ فنانًا إيرانيًا صاعدًا، تحت إشراف النحّاتة المعروفة بيتا فايّاضي.
قالت فايّاضي:
“بعد حرب الأيام الاثني عشر، ما زلنا معلقين في حالة انتظار.
إن استسلمنا، سنتراجع ونفقد روحنا.
علينا أن نتحرك. نحن مدينون للفن… لا بدّ أن نستمر“