بأيدينا ننتقص من قدرنا ثم نلوم الآخرين.. حادثة المصباح كنموذج

Loading

بقلم: محمد يوسف محمد
mohamedyousif1@yahoo.com

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد ظللنا نكتب ونكرر أن سبب تراجع هذه الدولة صاحبةَ الأرض الغنية الكريمة هو سبب سوء إدارة أبنائها لشؤون حياتهم وليس بسبب تآمر احد عليهم، فما الذي يجعل دولة مثل الأمارات تتقدم بشكل كبير وتدير شؤونها ومواردها بافضل الطرق وتتربع في المقاعد العالمية ثم تفكر في التدخل في شؤون دول أخري والتحكم فيها؟ الإجابة: إنه حسن الإدارة والتخطيط والتدبير.
وما الذي يجعل دولة غنية بالثروات مثل السودان كانت من أوائل الدول إستقلالأً وتأسيساً للحكم وكانت من الدول المتفوقة في التعليم وترفد ماحولها بالخبرات العلمية وتمتلك مساحات شاسعة للإنتاج ثم بدلاً من أن تصبح دولة عظمى تغرق في مستنقع الحروب والتقسيم و التراجع في كل المجالات؟ إنه سوء الإدارة وإنعدام التخطيط.

وحتى نقيم موقفنا بعقلانية بعيد عن الشعارات والإنفعالات ونعرف هل نحن ننتقدم أم نتأخر دعنا نقارن أنفسنا بدولة مجاورة في محيطنا وليس دولة أوروبية دعنا نقارن أنفسنا بمصر هي دولة شبه صحراء شحيحة الموارد ليس بها بترول ولا معادن وتعاني من العطش وشح الأراضي الزراعية.
عندما وصل الرئيس السيسي لحكم مصر كان الجنيه المصري يعادل 50 قرشاً سودانياً فقط وبسبب خلاف السيسي مع الإخوان في مصر تعرض السيسي لحملات تشويه وشيطنة كبيرة في السودان والآن بعد 15 عام من هذه الحملات والشيطنة وإتهامه بالفشل شهدت مصر طفرة إقتصادية كبرة وأصبح الجنيه المصري يعادل 60 جنيهاً سودانياً!! اي تضاعفت قيمة الجنيه المصري مائة مرة وبالمقابل شهد السودان إنهياراً إقتصادياً وهبطت قيمة الجنيه مائة مرة.. فمن تراه الفاشل فينا؟ وماهو السبب في هذه القفزة الإقتصادية لهم والإنهيار لنا؟ إنه حسن الإدارة والتخطيط هناك وسوء الإدارة هنا. فلا الشيطنة قدمتنا ولا الشيطنة اخرت مصر.

وننظر بنظرة سريعة لحادثة إعتقال المصباح فهي تجسد الأخطاء وسوء الإدارة التي يمارسها العوام والقيادات بشكل يومي متكرر فعندما يتطوع شخص مثل المصباح ليمثل المقاومة الشعبية فعليه أن يعرف انه قد أصبح شخصية عامة تمثل الشعب السوداني والدولة السودانية وهذا الثوب الجديد الذي إرتداه يفرض عليه قيود كثيرة في التحرك والسفر فهو لم يعد مواطن عادي ولكن يمثل الشعب ويمثل أحد طرفي الحرب في وقت تستعر فيه الحرب على أشدها.. لهذا أي خطوة يقوم بها يجب ان تكون مدروسة ومحسوبة بدقة داخل البلاد وخارجها وسفره هذا لدولة دخلت قيادتها في صراع مع الإخوان أمر غير منطقي وفيه مخاطرة ليست شخصية ولكن مخاطرة بالثوب الرسمي والشعبي والأمني الذي يرتديه. وكنت أتوقع قبل سفره أن تقدم له الجهات الأمنية النصح بعدم السفر وأن تنصحه بنقل أسرته لأي بلد آخر غير مصر تحت إشراف سفارة السودان في القاهرة، وإذا كان السفر لابد منه ولأمر هام لا يتوفر إلا في مصر كان يجب أن يمنح جواز سفر دبلوماسي وأن ينصح بأن يقلل حركته بقدر الإمكان ويقلل مدة إقامته فيها الى أقل مايمكن. وكما هو واضح فإن شيء من هذا لم يحدث ولكن حدث العكس.

وحتى بعد الإعتقال لم نحسن نحن التصرف فقد كنت أتوقع أن يلغي رئيس الوزراء سفره فوراً كنوع من الإحتجاج العملي المبطن على إعتقال شخصية عامة تمثل شعب السودان وكنت أتوقع أن ترسل القيادة العسكرية مبعوث خاص لمقابلة القيادة المصرية لمعرفة سبب الإعتقال وخاصة أنه يمثل جسم عسكري يخوض الحرب وذلك لإعطاء الامر القدر الذي يستحقه من الأهمية وحسم الأمر مع الحكومة المصرية بإطلاق سراحه فوراً وذلك حتي يتم حفظ هيبة من يمثلون السودان وشعبه عسكرياً ومدنياً حتي وإن كان الشخص المعتقل سياسي معارض للحكومة السودانية على الحكومة أن تعلى من قيمة جوازها ومواطنها ولا تقبل أن يهان في أي مكان.
ودولة مثل أمريكا أشعلت حروب وأسقطت أنظمة مثل نظام صدام حسين بسبب إعدامه مواطن أمريكي عادي ليس دبلوماسياً ولا عسكرياً، أتهم بالتجسس في العراق.
الشخصيات العامة التي تمثل الشعوب دبلوماسياً أو عسكرياً او سياسياً أو شعبياً يتم التعامل معها بشكل مختلف حتى وإن خالفت قوانين الإقامة أو قامت بأنشطة مشبوهة يتم إعلانها بإنها شخصية غير مرغوب فيها وعليه مغادرة الدولة خلال ساعات وإن لم يغادر يتم ترحيله قسرياً ولكن لايعتقل.

ولكن الطريقة التي تعامل بها الجميع بداية من المصباح نفسه وسفره وتحركه وكانه مواطن عادي وكذلك عدم نصح القيادة السودانية له كل ذلك يعكس أخطاء جوهرية إرتكبها السودانيون قبل الإعتقال وكذلك عدم إلغاء زيارة رئيس الوزراء السوداني لمصر وعدم إيفاد القيادة العسكرية مبعوث لمصر والإكتفاء بالإتصالات فقط كل هذا يكشف حجم الأخطاء والتقصير الذي نقوم به في إدارة شؤوننا داخلياً وخارجياً وهو مايتسبب لنا في الإحراج والتقليل من هيبة الدولة ويغوص بنا في بئر التراجع اليومي في كل المجالات.

The post بأيدينا ننتقص من قدرنا ثم نلوم الآخرين.. حادثة المصباح كنموذج appeared first on سودانايل.