![]()
عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسن. “فرقة الغرباء”. المقاتلون الأجانب.
في سوريا، التي دشنت فصلا جديدا من تاريخها، بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، يجري تداول هذه الأسماء على نطاق واسع منذ نهاية الأسبوع الماضي، إثر وقوع اشتباكات مسلحة في شمال إدلب، بين “فرقة الغرباء” بقيادة الجهادي الفرنسي عمر ديابي من جهة، وقوات تابعة للحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع من الجهة الأخرى.
“تمثل هذه المواجهة محاولة جادة من حكومة الشرع لترسيخ سلطتها وتعزيز الأمن، لكنها في الوقت نفسه تكشف مدى هشاشة المشهد الأمني في سوريا ما بعد الأسد،” تقول لـ”الحرة”، دانيا العريسي، الباحثة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة، في واشنطن.
يثير ظهور المقاتلين الأجانب في واجهة المشهد السوري، بين فترة وأخرى، تساؤلات حول مصير آلاف المسلحين الذين شاركوا في القتال إلى جانب فصائل المعارضة ضد نظام الأسد، ودورهم المحتمل في مستقبل سوريا، فضلً عن المخاطر الأمنية الناجمة عن استمرار وجودهم في سوريا بالنسبة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
اشتباكات إدلب هي أول مواجهة بين أطراف حاربت جنبا لجنب خلال سنوات الثورة السورية، لكنه تعطي لمحة عن الصراعات المحتملة بين “الحلفاء” ما بعد نظام الأسد.
“تأتي الاشتباكات في لحظة حرجة، إذ تحاول الحكومة السورية المؤقتة الحالية تحديد مصير الآلاف من المقاتلين الأجانب،” تقول الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، آنا بورشفسكايا في حديث مع “الحرة”.
وتضيف: “كذلك تثير هذه المواجهات تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة المركزية قادرة على توفير الأمن، وإثبات قدرتها على الحكم بفعالية، وضمان إشراك وحماية الأقليات” في البلاد.
وقعت المواجهات، الأربعاء، الماضي، في مخيم “الفردان” على أطراف مدينة حارم التابعة لمحافظة إدلب. يضم المخيم مقاتلين من “فرقة الغرباء” وأفراد عائلاتهم، ومعظمهم فرنسيون أو ناطقون بالفرنسية.
وأعلنت وزارة الداخلية السورية في بيان أن قوى الأمن الداخلي حاصرت المخيم بعد شكاوى من السكان حول “انتهاكات جسيمة”، منها اختطاف فتاة من والدتها مؤخرا على يد جماعة مسلحة يقودها ديابي.
وأضاف البيان أن ديابي رفض تسليم نفسه “وتحصن داخل المخيم، ومنع المدنيين من المغادرة، وبدأ بإطلاق النار، مستفزا عناصر الأمن، ومروّعا السكان”.
بالتزامن مع ذلك ظهر جبريل، نجل عمر ديابي، في مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي وهو يستنجد بالسوريين، قائلا إن قوات الأمن تستعد لاقتحام المخيم، و”لدينا عائلات وأطفال وأيتام ونساء هنا، منهن نساء مسنات”.
واستجابت مجموعة أخرى من المقاتلين الأجانب، على ما يبدو، تُعرف باسم “فرقة الأوزبك” لنداء ديابي، وكانت على وشك الانضمام لجماعة “الغرباء”، عندما أعلنت السلطات توصل الجانبين إلى هدنة، وافق بموجبها ديابي على تسليم الأسلحة الثقيلة الموجودة في المخيم.
يشكك مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن برواية الحكومة السورية ويشير إلى أن القضية أكبر بذلك.
“رواية الحكومة لا يمكن الأخذ بها، لأنها إذا كانت صحيحة وأن الأمر يتعلق بمجرد فتاة، فلماذا تدخلت أطراف أخرى لحل الموضوع، ومن ضمنهم الأوزبك الذين وقفوا إلى جانب الفرنسيين،” يقول عبد الرحمن لـ”الحرة”.
“الدافع الحقيقي لهذه التحركات هو أن ديابي ومعه اثنين آخرين مطلوبون للسلطات الفرنسية بتهمة تهديد الأمن القومي الفرنسي، ويبدو أن السلطات حاولت اعتقالهما” يضيف عبد الرحمن.
وتشاطر بورشفسكايا الرأي مع عبدالرحمن، مشيرة إلى أن “السلطات الفرنسية، على وجه الخصوص، تشعر بقلق بالغ. ففي يوليو من هذا العام تم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين دمشق وباريس وواشنطن يحدد أطر التعاون في مكافحة الإرهاب، وينبغي النظر إلى الاشتباكات الجارية في سياق هذا الاتفاق”.
ديابي، هو مواطن فرنسي من أصول سنغالية، اشتهر بنشر مقاطع فيديو دعائية باللغة الفرنسية لتجنيد المقاتلين على موقع يوتيوب، للقتال في سوريا. وقد أصدرت فرنسا مذكرة توقيف دولية بحقه عام 2014.
في عام 2016، صنفت وزارة الخارجية الأميركية ديابي إرهابيا، وقالت إنه كان يقود مجموعة تضم نحو 50 مقاتلا فرنسيا انضموا إلى جبهة النصرة، الفرع التابع لتنظيم القاعدة آنذاك في سوريا، والتي تحولت فيما بعد إلى “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع الذي كان معروفا باسمه الجهادي “أبو محمد الجولاني”.
وتُقدّر الأمم المتحدة أن حوالي 30 ألف مقاتل أجنبي قاتلوا خلال فترة الصراع في سوريا منذ عام 2011.
وبينما قُتل كثيرون منهم أو أُعيدوا إلى أوطانهم، لا يزال ما يُقدّر بنحو 5000 مقاتل يعملون ضمن فصائل مسلحة منتشرة في أنحاء سوريا، وفقا لمركز “صوفان” للدراسات، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك ويُركز على القضايا الأمنية.
يتحدر معظم المقاتلين الأجانب من تركستان الشرقية (الإيغور) ويتبعون الحزب الإسلامي التُّركستاني، وتقدر أعدادهم بنحو 1500 و 3000 مقاتل، كما يورد مركز “جسور” السوري للدراسات.
وبالإضافة إلى الإيغور، يشير المركز إلى وجود مسلحين ينتمون لـ14 دولة على الأقل، هي فرنسا وألبانيا والشيشان والجبل الأسود وصربيا ومقدونيا الشمالية وكوسوفو والسعودية وتونس والجزائر والأردن والمغرب ومصر والسودان.
وبحسب مركز “صوفان” فإن “وجودهم ليس مجرد بقايا من مخلفات الحرب، بل إنهم يواصلون ممارسة نفوذٍ كبير، كما يتضح من دورهم النشط في عملية ردع العدوان ومشاركتهم في مجازر مارس بحق الطائفة العلوية في شمال غرب سوريا”.
“كذلك هم مُحنّكون في المعارك وذوو خبرة، ما يجعلهم ذوي قيمةٍ للشرع ويشكلون مصدر خطر على بلدانهم الأصلية” يضيف المركز.
وبالفعل عمدت الحكومة السورية الجديدة منذ توليها مقاليد الحكم في ديسمبر الماضي إلى دمج المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش ومنحت بعضهم مناصب قيادية، وشكلت كذلك فرقة قوامها نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور الصينيين ومواطنين من دول أخرى، ضمن فرقة جديدة أُسست تحت اسم “الفرقة 84” في الجيش السوري.
خلال اشتباكات الأسبوع الماضي، ساهم القادة الأجانب في تهدئة الأوضاع في إدلب، بعد لقائهم بعمر ديابي.
“حضر باللقاء شخصيات مهمة من الجيش العربي السوري ومن بينهم، ابو محمد تركستان قائد الفرقة 84 في الجيش السوري، والشيخ عبد العزيز أوزبك قائد لواء عبيدة بن الجراح، والشيخ سيف الدين أوزبك المسؤول العسكري في اللواء والشيخ ابو أنس طاجيك أمير جماعة طاجيك،” وفقا لعبد الرحمن.
“هؤلاء كانوا ممثلين عن الجيش العربي السوري، وهو ما يطرح أيضا تساؤلات حول الدور الذي يلعبه المقاتلون الأجانب في سوريا الجديدة،” يضيف عبد الرحمن.
تنظر إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا الى جانب الفصائل ضد النظام على أنهم جزء من “الهيكلية العسكرية وجزء من الثورة السورية”.
“الحكومة السورية تتعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، من منطلق مبدأ الاندماج والدمج ضمن المؤسسة العسكرية وضمن الحياة السورية كونهم يتواجدون في البلاد منذ عقد ونصف تقريبا،” يقول الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، حسام طالب.
ويضيف في حديث لـ”الحرة” أن “الدولة السورية تريد إدماجهم ضمن المجتمع السوري وعاداته وتقاليده وضمن الهيكلة العسكرية والأمنية السورية واحتواءهم. هناك جزء إلى الآن لم يلتزم بقرارات وزارة الدفاع السورية، وهؤلاء تريد السلطات احتواءهم، وإلا سيتم التعامل معهم كخارجين على القانون،” يضيف لـ”الحرة”.
ومع ذلك تثير خطوة ادماجهم في المؤسسة العسكرية السورية كثيرا من الانتقادات، نظرا للأفكار المتطرفة التي يحملونها، وكذلك لتورطهم في أعمال عنف طائفي.
خلال المجازر التي حصلت بحق المدنيين في الساحل السوري في مارس الماضي، وفي السويداء في يوليو الماضي، وجهت أصابع الاتهام لمقاتلين أجانب، وأيضا سوريين، يتبعون الحكومة السورية، بإعدام مدنيين بدم بارد.
“تورطت هذه الميليشيات المرتبطة بالحكومة في قتل أكثر من 1,600 مدني علوي، وما لا يقل عن 100 مدني درزي، ما يدل على استمرار دورهم النشط في العنف الطائفي،” تقول العريسي.
“يشكل المقاتلون الأجانب تهديدا خطيراً وطويل الأمد لاستقرار سوريا، لأنهم أصبحوا جزءاً مؤسسياً من الدولة بدلاً من تهميشهم. فستة من أصل 49 منصباً قيادياً رئيسياً في الجيش السوري الجديد يشغلها أجانب برتب تصل إلى عميد، وحوالي 30% من المجندين الجدد في الجيش هم مقاتلون أجانب سابقون تزوجوا من سوريات واستقروا في المجتمعات المحلية،” تضيف العريسي.
ليس هذا وحسب، فالخطر يكمن في امكانية أن يتحوّلوا إلى قنبلة موقوتة، ليس فقط لسوريا، بل للمنطقة بأسرها.
ترى العريسي أن حكومة الشرع تواجه معضلة حقيقية: “فهي لا تستطيع التخلص من هؤلاء المقاتلين بسهولة دون المخاطرة بحدوث انشقاقات عسكرية جماعية نحو الجماعات المتطرفة أو تجدد الصراع الأهلي”.
“تنظيم الدولة الإسلامية دعا بالفعل المقاتلين الساخطين داخل حكومة الشرع إلى الانشقاق والانضمام إليه، ما يخلق مسارا يسمح بانتقال المقاتلين المندمجين في الجيش إلى التنظيمات الإرهابية العالمية”.
بالتالي فإن التداعيات تتجاوز الحدود السورية، وفقا للعريسي، التي تحذر من أن “الخطر الجوهري يتمثل في أن العديد من هؤلاء المقاتلين يتبنون أيديولوجيات عابرة للحدود، ويرون في سوريا محطة مؤقتة ومنصة لانطلاق جهادهم نحو الشرق الأوسط وأوروبا وما بعدها”.