![]()
لم تعد الرحلة من دمشق إلى السويداء كما كانت قبل أشهر، إذا تقطّعت المسافة التي لا تزيد على 100 كيلومتر بنحو 20 حاجزاً ومعبرين اثنين.
الحواجز رغم كثرتها لا تشكل هاجساً للمسافر، غير أن الوصول إلى المعبرين واجتيازهما يعدّ رحلة طويلة شاقة، تبدأ بنزول المسافر من الحافلة ولا تنتهي بتصوير البطاقات الشخصية. فحقائب المسافر وأشياؤه الشخصية تخضع لتفتيش دقيق، يترافق مع أسئلة عديدة عن الشؤون العامة والشخصية، على حد سواء.
كانت إجراءات التفتيش تستغرق، وفق مسافرين، نحو ساعتين، ما يجعل الرحلة من دمشق إلى السويداء تستغرق أكثر من أربع ساعات.
عند معبر المتونة الذي افتتح بعد نحو شهر من اشتباكات يوليو الماضي بين مقاتلين دروز ومسلحين تابعين للعشائر والسلطة في دمشق، أولا لعبور المساعدات الإنسانية، احتُجز عدد من الأشخاص على أساس أنهم مطلوبون لسلطات دمشق.
أما معبر أم الزيتون، الذي يديره الحرس الوطني، فلا يمكن عبوره من دون موافقة مسبقة من غرفة العمليات، ولا بد أن يكون لدى الراغب بالسفر إلى دمشق سبب وجيه: مراجعة طبيب أو للسفر من مطار دمشق أو برا إلى لبنان.
ويتبع الحرس الوطني وغرفة العمليات التي شكلها لمحافظة السويداء.
يتساءل بعض الأهالي عن إصرار الجانين، دمشق والسويداء، على إطلاق تسمية “المعبر” على هاتين المحطتين، خصوصا أن موقعي “المعبرين” يجعلان منطقة اللوا خارج الحدود الإدارية للسويداء، إذا ما تعلق الأمر بأيّ هيكلية جديدة للسويداء في المستقبل القريب أو البعيد.
يتساءل (م.ن) عن السبب الذي يمنع عودة أبناء اللوا إلى قراهم، خاصة أنه قد مضى على نهاية الهجوم على السويداء، في الثالث عشر من يوليو الماضي، أكثر من ثلاثة أشهر، ويبدي غرابة كبيرة عن سبب وجود المعبرين في هاتين النقطتين اللتين تحيدا قرى اللوا، في رأيه، عن أيّ تسوية مقبلة لقضية السويداء.
لكن هناك من يرى أن المعبرين لا يمثلان حدوداً دائمة تفصل بين دمشق وسويداء، وأن قرى اللوا كانت من ضمن القرى التي استهدفها عناصر وزارتي الدفاع والداخلية السورية، والعشائر في الثالث عشر من يوليو، وبالتالي، فإن عناصر الأمن العام لازالوا يتمركزون فيها منذ ذلك الوقت وأن أيّ تسوية مستقبلية لن تستثني قرى اللوا التي عانت السلب والنهب والحرق.
وقتل العديد من الأشخاص خلال اشتباكات يوليو، وأصيب واختطف آخرون من قرى اللواء ولا يزال كثيرون مشردين أو في عداد المفقودين.
تردد إلى مسامعي خلال رحلتي، وهي الأولى إلى السويداء بعد الثالث عشر من يوليو، بأن بعض طلاب الجامعات يلجؤون إلى بعض عيادات الأطباء للحصول على تقارير طبية تفيد بضرورة مراجعتهم لعيادات مختصة في العاصمة، ليتمكنوا من عبور حاجز أم الزيتون والوصول إلى دمشق لمتابعة تحصيلهم العلمي.
طبعا هناك مئات من الطلاب الدروز الذين عادوا من جامعاتهم ومعاهدهم في دمشق وحلب واللاذقية وحمص إلى منازلهم مرغمين بعد أحداث جرمانا وصحنايا في الثلاثين من أبريل الماضي، ولم يعودوا لاستكمال دراستهم حتى اليوم.
يخشى هولاء تعرضهم لاعتداءات مثلما حصل مع طلاب دروز في جامعات سورية عديدة.
لا حديث بين الاهالي هنا في السويداء عن أي شيء سوى عن توقيت عودة المهجّرين، ومستقبل السويداء في ما يتعلق بالعلاقة مع دمشق.
الجميع هنا كالغريق الذي يتعلق بقشة كما يقال؛ هم دائمو السؤال عن المستقبل الذي ينتظر المحافظة.
ينتظرون برهة ولا يجدون إجابة، لكنهم يحاولون التأقلم مع الوضع الراهن، وسرعان ما يتذكرون قدوم الشتاء وصعوبة العيش في منطقة جبلية كهذه، خاصة وأن البعض لا زال يفترش باحات المدارس.
الشكوى من قلة الدقيق الخاص بصناعة الخبز والمواد البترولية دائمة هنا. أسعار هذه المواد وغيرها مرتفعة مقارنة بأسعار العاصمة، ما يضفي صعوبة إضافية على حياة الناس.
زيارتي الأخيرة هذه إلى السويداء لم تكن لتكتمل من دون زيارة الرئيس الروحي للموحّدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، الذي اعتذر عن اعطائنا مقابلة مسجلة، لكننا تحدثنا في الأمور التي تهم المحافظة اليوم.
بدا الشيخ الهجري مرتاحا حيال المستقبل الذي ينتظر السويداء، أو جبل باشان، حسب تعبيره، لكن التعب كان بادياً عليه وهو بمثابة رأس حربة الحراك المناهض لسلطة دمشق.
أبدى الشيخ الهجري غرابةً واستهجاناً لمؤتمر السلام الذي كان مقرراً عقده السبت، في 25 أكتوبر الجاري، من التسمية إلى الشخصيات المشاركة.
بدا الرجل وكأنه راغب بوجود شخصيات متخصصة في كلّ مناحي الوضع الجديد للمحافظة من سياسة وإعلام، وغير ذلك.
تنتظر الغالبية هنا من الهجري حلولاً تبدو سحرية في وضع المحافظة الراهن، رغم معرفة البعض الآخر أن ملف السويداء اليوم ليس سوريا – سوريا وإنما بأيادي دول إقليمية ودولية فاعلة.
تقول دمشق إن حركة السير على أوتوستراد دمشق السويداء عادية وإن المساعدات بدأت الدخول إلى المحافظة بعد أحداث يوليو بشكل طبيعي، وإن حركة المسافرين أصبحت شبه عادية وآمنة.
لكن، عند وقت كتابة هذه السطور، استهدف “مجهولون” حافلة لنقل الركاب عند منطقة كازية مرجانة، وأسفر الهجوم عن مقتل شخصين على الفور وإصابة أكثر من عشرة آخرين، حالة اثنين منهم حرجة.
ويعتبر موضوع تأمين الأوتستراد قضية مصيرية بين دمشق والسويداء، كونه الشريان الرئيس الذي يصل دمشق بالسويداء.
وتنتشر قرى البدو على جانبي الاوتستراد من خربة الورد شمالا إلى قرية براق جنوبا بمسافة تبلغ 30 كيلومترا.
وكانت هذه المناطق قد شهدت أحداث عنف تم خلالها استهداف سيارات متجهة إلى السويداء أو إلى دمشق.
غادرت السويداء باتجاه دمشق، ترافق ذاكرتي صور بعض المحال والمباني التي طالها الحرق في المدينة، وتتردد على مسامعي أحاديث وقصص عن الانتهاكات التي طالت كثيرين، ويبدو أن هذه المخاوف لا تزال ترافق كثيرين هنا، إلى أن يجد ملف السويداء حلاً مناسباً.