![]()
صادق الكنيست الإسرائيلي الأربعاء بالقراءة التمهيدية على مشروعَي قانون ينصّان على فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، في خطوة تعيد إلى الواجهة جدلا قديما وتثير حرجا سياسيا لحكومة بنيامين نتانياهو.
هذه ثلاث حقائق مركزية عن مشروع القانون الإسرائيلي:
أولا- أي خطوة لضم الضفة الغربية تواجه معارضة أميركية صارمة.
ثانيا- خطوة الكنيست حزبية ذات بعد رمزي وبلا أثر قانوني تقريبا.
ثالثا- قد تكون الخطوة مؤشرا على تصدع في صفوف اليمين الإسرائيلي.
رفض قاطع
قال نائب الرئيس الأميركي، جيه.دي فانس، إن الرئيس دونالد ترامب سيعارض ضم إسرائيل للضفة الغربية وإن ذلك لن يحدث، مشبها تحرك الكنيست لتحقيق هذه الغاية بأنه عمل سياسي يتسم بالغباء.
وعندما سأله صحفيون عن هذه الخطوة، قال فانس “إذا كان ذلك تحركا سياسيا، فهو غبي جدا، وأنا شخصيا أعتبره إهانة“.
وجاء تعليق فانس بعد أن حذر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن الإجراءات داخل الكنيست نحو ضم الضفة الغربية قد تهدد خطة ترامب لإنهاء الصراع في غزة والتي أفضت إلى وقف إطلاق نار، وإن كان لا يزال هشا حتى الآن. وكان الاثنان ضمن عدد من كبار المسؤولين الأميركيين الذين زاروا إسرائيل هذا الأسبوع.
وقال فانس في ختام زيارة إلى إسرائيل استمرت يومين “لن تضم إسرائيل الضفة الغربية. سياسة الرئيس ترامب هي عدم ضم الضفة الغربية. وستظل هذه سياستنا دائما“.
خطوة رمزية
القراءة التمهيدية هي الخطوة الأولى في مسار تشريع أي قانون خاص يُقدمه عضو كنيست. ويليها نقاش داخل اللجان البرلمانية، ثم القراءة الأولى والثانية والثالثة. ولا يصبح القانون نافذًا إلا بعد المصادقة عليه بالقراءة الثالثة ونشره في الجريدة الرسمية. لذلك، فإن التصويت الحالي لا يترتب عليه أي تغيير قانوني على الأرض، لكنه يحمل دلالات سياسية واضحة، أهمها أن فكرة “الضم” عادت لتتصدر جدول أعمال اليمين الإسرائيلي بعد سنوات من التجميد.
رغم الضجة التي أثارتها نتيجة التصويت، إلا أن المراقبين يرونها خطوة رمزية أكثر منها عملية. فالقانون ما زال في بدايته، والائتلاف نفسه منقسم بشأن المضي فيه. لكن تمريره بالقراءة التمهيدية يكشف المزاج المتغير داخل الكنيست، ويعكس استعداد بعض الأحزاب لمجاراة المزاج الشعبي اليميني حتى على حساب العلاقة الحساسة مع واشنطن.
محاولات ضم الضفة الغربية ليست جديدة. فقد وعد نتانياهو خلال حملاته الانتخابية السابقة بفرض السيادة الإسرائيلية على مناطق واسعة، خصوصًا في غور الأردن، لكنه تراجع تحت ضغوط دولية وأميركية.
عام 2020 أُرجئ المشروع نهائيًا بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع الإمارات. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أعاد وزراء من اليمين المتدين، بينهم بتسلئيل سموتريتش، طرح الملف كـ“أولوية وطنية“، معتبرين أن الفرصة السياسية مواتية لإعادة رسم حدود إسرائيل.
شرخ اليمين
مرّ مشروع القانون الذي قدمه النائب أفي معوز، زعيم حزب “نوعام” اليميني المتشدد، بأغلبية ضئيلة بلغت 25 صوتًا مقابل 24 معارضًا. وساهم في تمريره عضو الكنيست يولي إدلشتاين من حزب الليكود، الذي خالف تعليمات حزبه ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بالامتناع عن التصويت، ما جعله الصوت الحاسم في النتيجة النهائية. وردّ الليكود بإقالته من عضوية لجنة الخارجية والأمن، بينما قال إدلشتاين إنه “فخور بالتصويت إلى جانب أرض إسرائيل“، مضيفًا أن أي محاولة لمعاقبته “لن تردعه عن الدفاع عن قناعاته“.
في الوقت نفسه، أقرّ الكنيست مشروع قانون آخر تقدم به أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” المعارض، لفرض السيادة على “معلية أدوميم“، قرب القدس، بأغلبية 32 نائبًا مقابل 9 معارضين، رغم تعليمات نتانياهو أيضًا بالامتناع عن التصويت. وانضمّ إلى مؤيدي القانون نواب من المعارضة ومن أحزاب اليمين الديني، في مقدمتهم حزب “العظمة اليهودية” بزعامة إيتمار بن غفير، الذي وصف اليوم بأنه “تاريخي“، مؤكدًا أن “الحكومة اليمينية الحقيقية هي التي تنفذ ما هو صائب لمواطني إسرائيل – السيادة الآن“.
امتناع حزب الليكود برئاسة بنيامين نتانياهو عن التصويت لم يكن صدفة؛ إذ جاء في وقت حساس تحاول فيه الحكومة الحفاظ على توازن دقيق بين ضغوط حلفائها في اليمين القومي وبين الاعتراض الأميركي الصريح على أي خطوات ضم. وقال الحزب في بيان إن مشاريع القوانين “استفزاز من المعارضة يهدف إلى الإضرار بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة“، مشيرًا إلى أن “السيادة الحقيقية تُبنى بالأفعال لا بالشعارات“.
إلا أن توجيهات نتانياهو والليكود لم تمنع بعض أعضاء الائتلاف من كسر الانضباط الحزبي، وهو ما يعكس الشرخ المتزايد داخل اليمين حول حدود التعاون مع واشنطن ومستقبل الصراع في الضفة الغربية.