الخوف من التفكير ومتابعة الحَكَّامِين والحَكَّامَات

Loading

بقلم: محمد يوسف محمد
mohamedyousif1@yahoo.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الكثير من العوام يعتقدون أن مهمة هذا العقل الذي يحمله تنحصر في التفكير في وجبة الفول (المصلح) والكباب الفخم وشراء البصل الجيد والفواكه وغيرها من الأمور التي تدور في إطار الممارسات الخاصة بالأكل والشرب والجنس فقط ولكن ما يتعلق بشؤون الحياة العامة وخاصة السياسية فهم يعتقدون أن التفكير فيها لا يعنيهم ويتجنبون وسائل المعرفة في الشؤون الدينية والسياسية ويبتعدون عن قرأة أي كتاب أو مقال يحمل طابع ديني يمكن أن يعلمهم شؤون دينهم أو سياسي ينورهم عن سبب تأخر دولتهم عن دول العالم ويكتفون فقط بمتابعة المزاج العام فإن سقط الكيزان تجدهم قحاطة درجة أولى يحدثونك عن عبقرية حمدوك وإنجازاته ويشتمون الكيزان ويعدد جرائمهم.. وإن تغير الحال ودارت الدائرة على القحاطة ستجد نفس الأشخاص يحدثونك عن جرائم القحاطة وذكاء الكيزان وعبقريتهم.. هذه النوعية من الناس تعتقد أن التفكير عمل متعب وشاق لهذا فهم يكتفون بمتابعة المزاج العام يتجهون معه دون وعي أو تفكير في مصداقية ما يردده العوام. وتجد هؤلاء يركزون تفكيرهم في نوعية البصل والطمام قبل شرائها لكن لا يركزون تفكيرهم فيما يمكن أن يجعل هذا البصل والطماطم من أجود الأنواع وبأرخص الأسعار في بلادهم لو إتبعت حكومات بلادهم سياسات زراعية وإقتصادية رشيدة.

نعمة حرية التفكير السياسي نعمة محروم منها عدد كبير من الشعوب وعلى سبيل المثال شعوب الخليج فهي محكومة بأنظمة وراثية أبدية لايجوز نقدها أو الحديث في سياساتها وكذلك الدول المحكومة بأنظمة عسكرية دكتاتورية لا تكتفي فقط بنهب البلاد التي تحكمها وإطلاق يد الأقرباء والمحاسيب لنهب الثروات وتوظيف الأمكانيات لمصالحهم الشخصية ولكن هذه الأنظمة تستعبد الشعوب وتصادر حق الشعوب في التفكير في مستقبل أوطانهم وشؤون بلادهم وشؤون حياتهم التي يعيشونها.
بينما الدول الديمقراطية تتعامل مع المواطن كإنسان عاقل رشيد له الحق في تقرير شؤونه وأمور حياته وإختيار من يحكمه وتكفل له حرية التعبير عن رأيه.
لهذا تجد أن هذا التمييز بين مواطني الدول الديمقراطية والدول الدكتاتورية ينعكس على الوعي العام والسلوك العام فتجد أن هناك شعوب منضبطة في سلوكها ومصداقيتها في التعامل بينما تجد شعوب أخرى تميل للفوضى والفساد.
دولة مثل مصر ظلت تحكم بأنظمة عسكرية لكن تجد أن المواطن المصري الذي نشأ وسط وسائل الإعلام والكتب وتحيط به الثقافة من كل جانب لا يستسلم ويصر على الحديث والنقد رغم القيود التي تفرضها الأنظمة العسكرية. وبالمقابل دولة مثل السودان بالرغم من وجود مساحة للرأي السياسي كانت موجودة حتى في زمن حكم الإنقاذ العسكري لكن لا تجد عامة الناس يرغبون في الإستفادة من هذه المساحة والتفكير في الشؤون العامة بحرية وإستقلالية ويفضلون القوالب الجاهزة للتفكير التي يقدمها لهم الحَكَّامِين والحَكَّامَات والتصنيفات المسبقة لأي رأي أو عبارة تصنف مباشرة تحت قوالب جاهزة (قحاطة.. كيزان).. وتجد حظها من الشتائم (خونه.. عملاء.. فاسدين) ولا يخرج التفكير من هذا الإطار، وفي الأنظمة العسكرية عادة ما تفتح الدولة أجهزة أعلامها الرسمية للمغنين وكرة القدم لتمتص طاقة الشباب في هذه المجالات بعيداً عن السياسة وتصبح هذه المجالات هي حدود تفكيرهم ومايشغلهم ريال مدريد وبرشلونه!! وكذلك تجد عدد لا يحصى من المغنين والقونات صعد نجمهم في آواخر عهد الإنقاذ وجميع الشباب يضعون سماعات في أذنيهم وتضج مكبرات الصوت في الأسواق والركشات بالطرب وكأننا قد أنجزنا كل ما علينا ولا نحمل هم في هذه الحياة. فالأنظمة الفاسدة تشجع هذا وذلك بدلاً من نشر العلم والوعي العام وإستيعاب طاقات الشباب في مجالات الإنتاج والإبداع ومع الأسف عادة ما تتسبب هذه الطريقة التي تخاطب الغرائز الحيوانية في إنحطاط الفكر العام وإنتشار الجهل وضعف الوعي وتردي السلوك العام في كل مجالات الحياة وينعدم الوازع الأخلاقي وينتشر الفساد في أجهزة الحكم حتى في أجهزة حفظ النظام وتطبيق القانون وتتردى الخدمات وتنتشر مدمرات العقول مثل الخمور والمخدرات.
ولمواجهة الغضب والتزمر الذي يحدث بسبب التردي العام في الأحوال المعيشية كنتيجة طبيعية للفساد والقرارات الخاطئة تلتجئي الأنظمة الى نظرية المؤامرة الخارجية كي تبرر فشلها في إدارة شؤون المواطن ولكي توجه الغضب العام المتولد نتيجة المعاناة الى عدو آخر يصب عليه العوام غضبهم.
وهنا يبرز دور الحَكَّامِين والحَكَّامَات وهم الذين يتولون قيادة الرأي العام بالأكاذيب والعنتريات عبر الظهور كخبراء في القنوات الفضائية ووسائل التواصل وهؤلاء عادة ما يتميزون بالسطحية وتقلب المواقف بحسب الأجواء وذلك حتى يتجنبون الإصطدام بالأنظمة وحتى يحققون أكبر قدر من النجومية تشبع حاجتهم النفسية وربما المناصب التي تشبع جيوبهم.

The post الخوف من التفكير ومتابعة الحَكَّامِين والحَكَّامَات appeared first on سودانايل.