من يشعل حرائق الغابات في غرب إيران؟

Loading

من حين لآخر، تشتعل النار في غابات إيران. تأكل كلّ ما في طريقها: الأشجار والنباتات، المنازل والممتلكات الخاصة، البنية التحتية، وحتى رجال الإطفاء والسكان الذين يحاولون إخمادها.

اللافت في الأمر هو تكرارها. ما إن يُخمد حريق حتى يندلع آخر.

تندلع هذه الحرائق عادة في الصيف، وتأتي على عشرات آلاف الهكتارات في مختلف محافظات غرب إيران، ولاسيما في كرمانشاه وكردستان وإيلام.

تلقي السلطات الإيرانية باللائمة على مجهولين بإشعال بعض الحرائق، وتتحدث عن عوامل طبيعية وبشرية أخرى تقف وراء البعض الآخر. تضع السلطات في قائمة الأسباب: التغيّر المناخي والجفاف وانخفاض رطوبة التربة وارتفاع درجات الحرارة وإلقاء أعقاب السجائر المشتعلة والأنشطة الزراعية غير المنظّمة وغيرها.

لكن عدداً كبيراً من الناشطين والمنظّمات المدافعة عن البيئة يضيف إلى القائمة سببيْن مهمّيْن: الإهمال والفساد.

تجربة “شكور”

يروى “شكور”، وهو اسم مستعار لشاب ثلاثيني، تجربته مع إطفاء حريق اندلع في غابات زاغروس في كرمانشاه، عندما تلقّى في أغسطس الماضي اتصالا من أحد زملائه الناشطين البيئيين أبلغه فيه أن ثمة حريقاً كبيراً نشب في مرتفعات دالاهو، وأن دائرة الإطفاء تقول إنها لا تستطيع ارسال سياراتها لموقع الحريق نظراً لعدم وجود طريق سالك، وإنها طلبت من إدارة المحافظة مساعدتها وإرسال مروحيات لإطفاء الحريق.

يشير “شكور” إلى أنه توجّه فوراً بدراجته النارية إلى المنطقة القريبة من سفح الجبل ليتلقى بمجموعة من زملائه الناشطين، ويباشروا على الفور مهمتهم بالصعود إلى منطقة الحريق عبر طريق جبلي وعر.

“عند وصولنا توزعنا. كلّ واحد منا راح يعمل على إطفاء مساحة من الحريق الذي كان يتمدد بشكل سريع. رغم ذلك، لم نتوقع أن اطفاءه سيحتاج إلى وقت، خاصة أن السلطات أبلغتنا أنها ستجلب طائرات وستؤازرنا بفرقها” يقول شكور لـ”الحرة”.

لكن السلطات لم تقدّم المساعدة إلى “شكور” ورفاقه، كما يؤكد، ويستكمل حديثه قائلاً: “سرعان ما وصلت إليّ النيران وتعرّضت لحروق كدت أفقد معها الوعي بالكامل، لولا انقاذي من قبل عدد من شباب دالاهو”

ويشير إلى أن أكثر من 5 من زملائه في الفريق التطوعي تعرّضوا لإصابات بالغة بسبب الحريق، جميعهم من سكان دالاهو.

رغم مرور شهر على إصابته، ما زال “شكور” يعاني من الحروق التي تعرّض لها في أجزاء مختلفة من جسمه، خاصة في الصدر وجزء من الوجه ويديه وقدميه، ويتلقى العلاج وسط ظروف معيشية صعبة.

يعمل “شكور” في محل لبيع الآلات الموسيقية بأجر يوميّ داخل سوق كرمانشاه، التي تبعد نحو ساعة عن مسقط رأسه، ويعيش أوضاعا صعبة.

قصة “شكور” من إصابته إلى ظروفه المعيشية الراهنة توضح تأثير الحرائق على حياة السكان في غرب إيران.

الناس أم الحكومة؟

في أغسطس 2025 وحده، اندلع أكثر من 40 حريقاً كبيراً في غابات ومراعي في غرب وشمال البلاد، بحسب احصائيات رسمية نشرتها وكالات ومواقع إخبارية رسمية، من ضمنها وكالتي الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” و”مهر”.

السلطات المحلّية تتحدّث عن أن السبب الرئيس لكثير من هذه الحرائق هو الإنسان، لكنها غالباً ما تحجم عن تقديم المزيد من المعلومات أو إعلان نتائج التحقيقات، وتكتفي بدعوة السيّاح وسكان المنطقة المعنية إلى الامتناع عن إشعال الحرائق في الطبيعة، واتخاذ احتياطات السلامة اللازمة.

يقول فرزين كرباسي، الخبير السياسي الإيراني، المقيم خارج إيران، إن عدداً من “الحرائق التي اندلعت هذا الصيف في غابات زاغروس تسبب به الناس سواء من خلال عمليات صناعة الفحم أو الاستيلاء على الأراضي، وذلك لأغراض سكنية أو صناعية وتجارية، كما أن هناك معلومات عن لجوء تجار المخدرات إلى زراعة المناطق الجبلية بالنباتات المخدرة كونها مناطق بعيدة عن الأعين، لذلك يحرقون مساحات من هذه الغابات تمهيداً لزراعتها بالمخدرات”.

ويحمّل ناشطون في مجال الدفاع عن البيئة الإهمال الحكومي المسؤولية عن معظم الحرائق، ويقولون إن السلطات المحلّية لا توفّر التجهيزات اللازمة لفرق الإطفاء من أجل القيام بمهامها في إخماد الحرائق، وسمحت بإنشاء سدود على أنهار الزاب وسيروان والكارون ساهمت في تجفيفها أو انخفاض دائم في منسوبها. كما أنها، بحسب هؤلاء الناشطين، أعطت تراخيص لإقامة مشاريع في مساحات مغمورة بالمياه يتم تجفيفها، وتساهلت في تطبيق شروط السلامة العامة.

وغالباً، ما يُهرع الناشطون البيئيون والسكان المحليون، بمبادرات فردية غالباً، لإطفاء حرائق الغابات في شمال غربي إيران عند اندلاعها، وهو ما تسبب في عشرات الوفيات بينهم في السنوات القليلة الماضية.

ويذهب آخرون إلى اتهام السلطات الإيرانية بمضايقة الناشطين البيئيين، ما يحول دون قيامهم بدورهم في رفع الصوت بشأن المشاكل البيئية والتحذير من المخاطر المحتملة.

“هناك شأن يجب الحديث عنه والاهتمام به، وهو فرض السلطات الإيرانية لقيود أمنية على النشاطات البيئية”، يقول لـ”الحرة” كوسار لدار جوانرو، وهو ناشط بيئي إيراني.

في السنتيْن الأخيرتيْن، أرسلت السلطات الإيرانية سيارات الإطفاء والإسعاف إلى مناطق الغابات التي شهدت حرائق، وشاركت مروحيات وطائرات في محاولات إخمادها، فيما أعاقت الألغام من مخلّفات الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي، وصول رجال الإطفاء إليها، كما ذكرت مراراً.

ولا تساعد التضاريس الجغرافية والمسالك الجبلية الوعرة رجال الإطفاء في أداء مهامهم، فيما لعبت الرياح دوراً سلبيّاً في العديد من الأحيان.

الفساد والصواريخ والشرارة الأولى

يتحدث ناشطون إيرانيون في مجال البيئة عن دور للفساد في حرائق الغابات في إيران.

ويشير الناشط البيئي الإيراني هلكورد بوكاني إلى أن “النظام الإيراني منح المناجم ومواقع الموارد الطبيعية في محافظة كردستان لشركات تابعة للسلطة، وتذهب كلّ واردات هذه المواقع إلى طهران”.

محمد مامند، الناشط البيئي الإيراني من محافظة سردشت غرب إيران يؤكد بدوره لـ”الحرة” أن الفساد الممنهج في المؤسسات التنفيذية، والإدارة غير الكفؤة، والمناورات العسكرية المتكررة تتسبب هي الأخرى بنشوب حرائق وتدمير واسع النطاق للغابات والبيئة في غرب إيران.

ونفّذ الحرس الثوري الإيراني منذ مطلع العام 2025 عدداً من المناورات العسكرية في شمال وغرب إيران، منها مناورات “اقتدار 1403” التي أجرتها قوات الدفاع الجوي الإيراني في يناير الماضي، وشملت مساحات واسعة من شمال وغرب إيران واستخدمت فيها أسلحة ثقيلة ومسيّرات ومنظومات الدفاع الجوي المحلية الصنع، بحسب وكالة “إرنا” للأنباء، التي أشارت أيضاً إلى تنفيذ مناورة أخرى في أغسطس باسم مناورات “النبي الأعظم 19” في محافظة كرمانشاه.

“النشاطات العسكرية للنظام كانت هي الأخرى سبباً رئيساً لغالبية الحرائق المندلعة في غابات مدن وبلدات كردستان إيران خلال السنوات الماضية، وهذه النشاطات تشمل كافة العمليات العسكرية والأمنية أو تدريبات تنفّذها الأجهزة العسكرية والأمنية الإيرانية في هذه المناطق”، يؤكد الناشط والمدافع عن البيئة الكردي الإيراني، جبار دسباز، لـ”الحرة”.

ومن المعلوم أن المنطقة تشهد نشاطاً عسكريّاً لمقاتلي البيشمركة المناوئين للحكومة، والذين يتخذون من غاباتها غطاء لهذا النشاط.

وإلى أن يتم التعامل مع ما أمكن من أسباب اندلاعها، فإن لحرائق الغابات في غرب إيران نتائج كارثية، ليس على التوازن البيئي والغطاء النباتي والموارد الطبيعية فقط، وإنما على السكان، الذين وإن نجوا منها، فإنها قد تحوّل الحياة الكريمة لكثيرين منهم إلى رماد.