الاتفاق السعودي-الباكستاني.. خطوط حمراء ومظلة نووية

Loading

في الـ9 من سبتمبر، استهدفت إسرائيل قادة حماس قطر، أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

بعد نحو أسبوع واحد فقط من الهجوم، السعودية، الحليف الخليجي الآخر لواشنطن يتوجه شرقا ويوقع اتفاق “دفاع مشترك” مع الدولة المسلمة الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا، باكستان.

“التحالف السعودي – الباكستاني أُنشئ منذ ما يقارب ثمانية عقود من خلال العلاقات النامية بشكل مضطرد بين البلدين، إلا أن التطورات غير المسبوقة في المنطقة عجّلت بتوقيع هذا الاتفاق وإعلانه” يقول المحلل السياسي السعودي مبارك العاتي لـ”الحرة”.

ويذهب محمد صالح الحربي، وهو باحث وكاتب في الدراسات الاستراتيجية و العلوم السياسية و العسكرية ولواء أركان حرب سعودي متقاعد، أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن الاتفاق “هو رسالة ردع موجهه لكل من يعبث بأمن الخليج وبالخصصوص لمن تجاوز الخطوط الحمراء”.

في الـ17 من سبتمبر، أعلنت المملكة العربية السعودية وباكستان عن اتفاق دفاعي تاريخي يلتزم فيه البلدان بالتعاون الأمني المتبادل، ويتضمن، وللمرة الأولى، بندا للدفاع المشترك.

تكمن أهمية الاتفاق في أنه الأوّل من نوعه للسعودية مع قوة غير غربية خارج إطار الشراكة الأمنية التقليدية مع الولايات المتحدة.

كذلك يُلزم الاتفاق الدفاعي الطرفين بالتعامل مع أيّ عدوان على أحدهما على أنه عدوان على الآخر.

وتُعد الاتفاقية أيضا خطوة استراتيجية حاسمة لأنها تربط بين قوة اقتصادية نفطية ضخمة (السعودية) وقوة نووية إسلامية (باكستان)، وهو ما من شأنه أن يؤثر على التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

قواعد دائمة أم انتشار دوري؟

تتمتع باكستان والسعودية بعلاقات عسكرية قوية تعود إلى عقود. وقد تطوّرت هذه العلاقات من مجرد تعاون إلى شراكة استراتيجية.

منذ ستينيات القرن الماضي، قامت باكستان بتدريب الآلاف من العسكريين السعوديين. كما شارك خبراء باكستانيون في تطوير القوات المسلحة السعودية.

وفي فترات مختلفة، تم نشر الآلاف من الجنود والضبّاط الباكستانيين في المملكة لتقديم الدعم التدريبي والاستشاري، وحماية حدودها في أوقات التوتر الإقليمي، كما حصل في حرب الخليج الأولى عام 1991.

كذلك يجري البلدان مناورات عسكرية مشتركة بشكل منتظم، بهدف تعزيز التنسيق القتالي.

لم تُكشف تفاصيل كثيرة عن الاتفاقية الجديدة، إلا أن البيانات الرسمية من الرياض وإسلام آباد أوضحت إطارها العام، ومنها:

بند الدفاع المشترك، التزامات بالتدريب المشترك وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتسهيلات لوجستية في حال التعرّض لعدوان خارجي.

لكن لم يجر الإعلان عن أيّ تفاصيل تتعلق بأعداد القوات، أو ترتيبات القواعد، أو هياكل القيادة.

“الاتفاقية ليست وليدة اللحظة، فبحسب مصادر عدة، تم البدء بالعمل على هذه الاتفاقية منذ أكثر من عامين، وتحديدا بعد تولي المشير عاصم منير قيادة الجيش الباكستاني، وهو الذي يحظى بعلاقة وطيدة جداً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان” يقول حذيفة فريد المحلل السياسي والاستراتيجي الباكستاني لـ”الحرة”.

أما فيما يتعلق بالحديث عن إنشاء قواعد عسكرية باكستانية في السعودية فيرى فريد أن “الأمر سابق لأوانه الآن”، مبينا أن “المرحلة المقبلة ستحدد حاجة البلدين لهذه القواعد من عدمها، وكذلك مواقع هذه القواعد، بما يضمن مصالح الطرفين.”

صحيح أن الاتفاق لم يذكر الكثير من التفاصيل، ولكنه قد يكون “واضحاً” وهو مندرج ضمن التعاون والتعامل العسكري في كافة المجالات.

“الاتفاق أبقى الباب مفتوحاً لكلّ السيناريوهات المتوقعة، خاصة أن هناك العديد من المستشارين الباكستانيين موجودون على الأراضي السعودية، وأيضًا هناك مستشارون سعوديون من قادة وعسكريين موجودون على الأراضي الباكستانية” يقول العاتي.

“أما قضية التوسع في الحضور العسكري الباكستاني على الأراضي السعودية فليست بالقضية الكبيرة، ومن الممكن أن يتم التوسع طالما دعت الحاجة لذلك” يضيف.

خطوط حمراء

يبقى السؤال الأهم: متى يتم تفعيل بند الدفاع المشترك؟

لدى باكستان بالفعل جنود في السعودية منذ فترة طويلة يقدر عددهم حالياً بين 1500 و2000 جندي يقدمون تدريباً فنياً وميدانياً للجيش السعودي. ويتضمن ذلك مساعدة القوات الجوية والبرية السعودية.

ووفقا للحربي فإن الاتفاقية تتضمن عناصر عسكرية متقدّمة، أبرزها:

‏• الردع التقليدي: يشمل التنسيق في العمليات البرية والبحرية والجوية، وتبادل الخبرات في مجالات الدفاع الصاروخي، الحرب الإلكترونية، والمناورات المشتركة.

‏• الردع غير التقليدي: على الرغم من عدم التصريح بذلك، فإن الاتفاقية تفتح المجال أمام تغطية السعودية بمظلة الردع النوويّ الباكستاني، وهو تطور استراتيجي غير مسبوق في العلاقات الإسلامية–الإسلامية.

‏• الردع السيبراني والاستخباراتي: الاتفاقية تمهد لتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومواجهة التهديدات السيبرانية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية في كلا البلدين.

‏يقول الحربي إن “ما يميز هذه الاتفاقية عن سابقاتها هو انتقالها من التنسيق العسكري إلى التكامل الدفاعي، عبر إنشاء غرف عمليات مشتركة وتطوير منظومات قيادة وسيطرة موحّدة و توحيد قواعد الاشتباك في حال وقوع تهديد واعتماد آليات استجابة سريعة تشمل القوات الخاصة والطيران التكتيكي”.

ويرى أن “هذا التكامل لا يهدف فقط إلى الرد على التهديدات، بل إلى منعها عبر بناء قدرة ردع استباقية”.

‏أشارت اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك إلى ما يمكن اعتباره “خطا أحمر” لا يمكن تجاوزه إذ قالت نصاً “إن أيّ اعتداء على أيّ من البلدين هو اعتداء على كليهما”.

“الخطوط الحمراء المحددة لبنود هذا الاتفاق برأيي هي الخطوط الوجودية، حين تتعرّض أيّ دولة من الدولتين لتهديد وجودي يهدد أمنها واستقرارها، عندها سيحين وقت تنفيذ اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك” يقول العاتي.

معادلة واشنطن ونيودلهي

وقعت الاتفاقية بعد أسبوع واحد فقط من الضربة الجوية الإسرائيلية على الدوحة في سبتمبر، والتي استهدفت قادة في حماس أثناء إجراء محادثات هدنة في قطاع غزة، مما أثار غضباً عربياً واسعاً.

كذلك أثارت الضربة مخاوف من ضعف الضمانات الأميركية لدول خليجية.

لم يصدر حتى اللحظة أيّ تعليق رسميّ من الولايات المتحدة على الاتفاق.

بالتالي، هل يمكن اعتبار ما جرى بين الرياض وإسلام أباد بداية لنهاية اعتماد السعودية على المظلة الأمنية الأميركية؟

“ينبغي قراءة هذا الاتفاق على أنه جزء من استراتيجية التحوّط الواسعة التي تنتهجها الرياض أكثر من كونه قطيعة مع واشنطن” تقول رابعة أختر، الزميلة الزائرة في مشروع إدارة الذرة في مركز بلفر التابع لكلية كينيدي بجامعة هارفارد.

“بفعل تصاعد الشكوك حول موثوقية الولايات المتحدة، تسعى السعودية إلى توسيع محفظة شركائها الأمنيين، من الصين إلى باكستان، لتعزيز الردع ورفع قدرتها التفاوضية، خاصة في ظل امتلاك باكستان سلاحاً نووياً وجيشاً ذا خبرة طويلة” تضيف لـ”الحرة”.

لم يأت التحرك السعودي من فراغ، فقد تسببت الأحداث والتطورات الأخيرة في المنطقة والصراع في غزة، في تعزيز هذه الخطوة.

“ما يجري الآن هو في الأساس استعراض ومناورة من دول قلقة منذ فترة من إسرائيل. ليس فقط بسبب غزة، بل بسبب الضربات الإسرائيلية في سوريا على وجه الخصوص، ثم وبشكل أكثر دراماتيكية، الضربة التي استهدفت قطر” يقول الدبلوماسي الأميركي السابق جيمس جيفري.

“إنهم يوجّهون رسالة، ليس إلى إسرائيل بقدر ما هي إلى واشنطن مفادها: نحن قلقون، وأنتم لا تلتزمون بواجباتكم” يضيف جيفري لـ”الحرة”.

ومع ذلك، من غير المرجح أن تتجه الأمور بين الرياض وواشنطن نحو القطيعة، فالعلاقات السياسية والعسكرية بين البلدين أعمق بكثير وهما يرتبطان باتفاقيات تعاون مشترك على جميع الأصعدة.

“لا تزال المملكة تعتمد على التكنولوجيا الدفاعية الأميركية، وبرامج التدريب، والضمانات الأمنية المتقدّمة التي لا يمكن لهذا الاتفاق أن يحلّ محلها” تقول أختر.

ويتفق العاتي مع هذا الطرح ويؤكّد أن “الولايات المتحدة إن لم تبارك هذا الاتفاق فهي لن تعارض الخطوة، لكونها تقيم علاقات تعاون مع الجانبين، ولذلك ستدعم أيّ تقارب بين الدولتين، خصوصًا أن كلتا الدولتين تتمتعان بوزن وثقل سياسيّ في المنطقة”.

البعد الآخر المهم في هذه المعادلة هو موقف الهند، التي تمتلك علاقات وثيقة مع السعودية ومتوترة للغاية مع باكستان.

في أول تعليق لنيودلهي على الاتفاق، عبرت عن أملها في أن تراعي السعودية المصالح والحساسيات المتبادلة بين البلدين.

وتعد السعودية واحدة من أكبر مصدري النفط إلى الهند. وقد اتفق البلدان هذا العام على تعزيز التعاون في إمدادات النفط الخام والغاز المسال.

وخاضت باكستان والهند ثلاثة حروب كبرى وتبادلتا الاشتباكات مراراً. وفي مايو الماضي، اندلعت بينهما جولة جديدة من الاشتباكات، استمرّت أربعة أيام وكانت الأعنف من عقود.

“الهند ستزيد من يقظتها بهدوء وتراقب ما إذا كانت الموارد السعودية ستتيح لباكستان تحرير قدرات إضافية لتحديث قواتها، لكنها على الأرجح لن تعتبر أن الرياض تخلّت عن حيادها في أيّ أزمة مستقبلية بين الهند وباكستان” تقول أختر. وتضيف: “باختصار، يعزز الاتفاق موقف باكستان على مستوى الإشارات السياسية، لكنه لا يغيّر مادياً موازين القوى الإقليمية، إذ لدى السعودية دوافع قوية لفصل علاقاتها مع جنوب آسيا عن حساباتها الأمنية في الخليج”.

من هنا يبدو أن السعودية أرادت توجيه رسائل عدة عبر توقيع الاتفاق وتوقيته يعددها الحربي قائلا:

الأولى للداخل السعودي والباكستاني تتضمن التأكيد على أن أمن البلدين لم يعد يُدار بمنطق ردّ الفعل، بل بمنطق التحصين الاستباقي.

‏والثانية للخصوم الإقليميين ومفادها أن أيّ محاولة لزعزعة استقرار أحد الطرفين ستُقابل بردّ جماعي، ما يعيد حسابات الخصوم في المنطقة.

‏والثالثة للقوى الكبرى وهي أن العالم الإسلامي قادر على بناء تحالفاته الدفاعية المستقلة، دون انتظار ضمانات خارجية قد تتأخر أو تتراجع.