![]()
بينما تبقى الولايات المتحدة أكبر مورّد للأسلحة وأهم لاعب عسكري خارجي في المنطقة بفارق واسع، شهدت حصة الصين من سوق السلاح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضاعفاً ثلاث مرات خلال السنوات الأربع الأولى من هذا العقد، بالتزامن مع انخراط مباشر أكبر مع عدد من اللاعبين الاستراتيجيين، وفقاً لمرصد النفوذ الصيني الصادر من MBN.
يجمع “مرصد النفوذ الصيني” بيانات من مصادر صينية مفتوحة وغيرها لتقديم صورة أوضح لتغيّر ميزان النفوذ الخارجي في المنطقة. الإصدار الصادر اليوم يعتمد على بيانات تتعلق بعمليات نقل السلاح، والتدريبات العسكرية المشتركة، والزيارات العسكرية رفيعة المستوى.
تشير نتائج “مرصد النفوذ الصيني” إلى ملامح مشهد أمني أكثر تعقيداً. فالولايات المتحدة ما زالت المزود الأمني الذي لا غنى عنه، لكن الصين توسّع حضورها عبر مبيعات أسلحة موجّهة، ومناورات عسكرية، وتحركات دبلوماسية نشطة.
الصورة التي تقدّمها أرقام مبيعات السلاح واضحة: من 2020 إلى 2024، وفّرت الولايات المتحدة نحو نصف الأسلحة الرئيسية التي استوردتها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقاً لبيانات نقل الأسلحة العالمية التي حللتها MBN. وتشكل إيطاليا وفرنسا وألمانيا حصة كبيرة أخرى من السوق. أما الصين وروسيا فتأتيان خلف هذا الترتيب، رغم اختلاف اتجاهيهما: حصة روسيا تراجعت بشكل حاد في السنوات الأخيرة، بينما ارتفعت حصة الصين وإن بقيت صغيرة.
كانت حصة الصين أقل من 1% مطلع العقد، لكنها ارتفعت إلى 3.1% في السنوات الأخيرة. وساعدتها الأسعار التنافسية وقلة الشروط السياسية المرافقة للمبيعات. ويتماشى ذلك مع نمط واضح: الصين تملأ الفراغات التي يتركها المورّدون الغربيون – خاصة في مجال الطائرات المسيّرة المسلحة وأنظمة أخرى أحجمت واشنطن طويلاً عن بيعها.
ثنائية النفوذ بين القوتين العظميين
منذ 2020، بقيت السعودية وقطر والكويت وإسرائيل والإمارات أكبر زبائن الولايات المتحدة – شركاء تقليديون ضمن المنظومة الأمنية الأميركية.
في المقابل، تظهر بيانات “مرصد النفوذ الصيني” أن بكين تركّز مبيعاتها على مجموعة أضيق من دول المنطقة مثل الجزائر ومصر وموريتانيا والسعودية. غالباً ما تكون هذه دولاً تبحث عن منصّات أرخص، أو شروط سياسية أقل، أو بدائل حين يقيّد الموردون الغربيون صادراتهم بسبب العقوبات أو قواعد التصدير. وتدعم تقارير مفتوحة المصدر هذا النمط، مثل شراء الجزائر طائرات مسيّرة صينية واقتناء موريتانيا لمنظومات دفاع جوي وطائرات UAV صينية.
لكن تأثير الصين لا يقتصر على مبيعات الأسلحة: فـ”مرصد النفوذ الصيني” يرصد قفزة حادة في أنشطة بكين العسكرية مع شركائها الإقليميين.
تشير قاعدة البيانات إلى أن الصين أجرت تدريباً عسكرياً رئيسياً واحداً فقط مع دول المنطقة طوال العقد الماضي، لكنها نفذت 18 تدريباً ثنائياً منذ 2020. تشمل هذه التدريبات أول مناورة جوية على الإطلاق بين الصين ومصر، “نسور الحضارة 2025”، في الأجواء المصرية هذا الربيع، والتي وصفتها وزارة الدفاع الصينية بأنها خطوة نحو “تعميق التعاون الفعلي بين الجيشين”.
أما الولايات المتحدة فتعمل على مستوى مختلف تماماً: إذ أجرت قواتها حوالى 55 مناورة مع خمسة شركاء فقط في الشرق الأوسط بين 2020 و2025، وفقاً لبيانات البنتاغون والمصادر المفتوحة التي جمعها “متتبّع الصين”: البحرين، السعودية، الإمارات، عُمان، والأردن.
وترتفع وتيرة “الدبلوماسية العسكرية” أيضاً. فاستناداً إلى “قاعدة بيانات الدبلوماسية العسكرية الصينية” التابعة لجامعة الدفاع الوطني الأميركية، زارت وفود عسكرية صينية رفيعة دول المنطقة 26 مرة بين 2015 و2024، ارتفاعاً من 16 زيارة في العقد السابق – ضمن توسع عالمي أوسع لجيش التحرير الشعبي.
لاعب إقليمي جديد
جذب النشاط الصيني الأخير اهتمام واشنطن. فخلال قمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الشهر الماضي، وعدت الولايات المتحدة ببيع مقاتلات F-35 متقدمة للسعودية. ورُبط هذا القرار جزئياً بمسعى لاحتواء تنامي نفوذ الصين، رغم المخاوف من تسرب محتمل للمعلومات التشغيلية والتقنية إلى بكين.
وكانت صفقة سابقة لبيع F-35 للإمارات قد انهارت للأسباب نفسها، بما في ذلك قوانين أميركية تلزم بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
ويرى الخبراء أن إحجام بكين عن تقديم ضمانات أمنية رسمية ما زال يقيّد نفوذها. لكن الاتجاه العام للبيانات – خاصة نشاط الصين مع السعودية والجزائر ومصر وموريتانيا ودول أخرى – يوحي بأن بكين تتبنى تموضعاً طويل الأمد في المنطقة.
لا يدور الحديث الآن حول انقلاب جذري في ميزان القوى، بل حول توسيع تدريجي لشبكة الشراكات الأمنية، حيث باتت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تميل أكثر إلى “الموازنة” بين القوتين الأكبر في العالم.