بعد قرار ترامب.. ما مصير الإخوان في الخليج؟

Loading

تصدّر ملف جماعة الإخوان المسلمين مجددا النقاشات السياسية في الخليج، منذ إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أواخر نوفمبر، أمرا تنفيذيا لبدء إجراءات تصنيف فروع من الجماعة كـ”منظمات إرهابية أجنبية”. ورغم أن القرار لا يمنح التصنيف طابعا فوريا، فإنه يشير إلى توجه داخل البيت الأبيض لإعادة النظر في تعامل واشنطن مع الإخوان بوصفهم شبكة ممتدة في دول عربية متعددة، مع تركيز خاص على فروع مصر والأردن ولبنان.

وتعزز هذا الاتجاه مع مصادقة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، اليوم الأربعاء، على مشروع قانون يوسع نطاق التصنيف ليشمل كيانات وفروعا في دول عدة، في خطوة تضيف بعدا تشريعيا إلى التحرك التنفيذي. ورغم أن المشروع لا يزال في بدايته، فإنه يعكس رغبة أوسع في واشنطن نحو تشديد التعامل مع الجماعة.

هذا التحول يضع العواصم الخليجية، خصوصا التي لم “تجرّم” الجماعة، أمام سؤال جديد: كيف ستتعامل مع خطوة أميركية بهذا الوزن؟

يستبعد الدكتور محمد الوهيب، أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة الكويت، أن يمر القرار الأميركي من دون أثر في الخليج.

يقول إن “واشنطن، بوزنها السياسي والأمني، صنعت واقعا جديدا يفرض على دول الخليج مراجعة موقفها، ليس لأنها مضطرة إلى اتباع السياسة الأميركية، بل لأن اللحظة الدولية تمنحها فرصة لتنفيذ ما كانت تفكر فيه منذ سنوات، وهو ضبط الحركات الدينية ذات الطابع الحركي والسياسي”.

ويشير الوهيب إلى أن أسباب التجريم تراكمت عبر سنوات، فالجماعة، بحسب رأيه، اعتمدت على خلايا سرية وقدّمت ولاءها التنظيمي على الانتماء الوطني، وامتلكت امتدادا داخل مؤسسات حساسة كالتعليم والجمعيات والنقابات والعمل البرلماني.

ويشير “الوهيب” إلى أن تأخر بعض دول الخليج في اتخاذ قرار “التجريم” يعود لتعقيدات اجتماعية ودينية وقبلية حساسة، وليس لغياب المعلومات، فالإخوان يمتلكون امتدادا اجتماعيا قديما نشأ داخل الجمعيات الخيرية والروابط الطلابية والأنشطة الدينية.

وفي بيئة مثل الكويت، يضيف، لعب الإخوان دورا سياسيا مؤثرا داخل البرلمان، ودعموا مرشحين وشكلوا كتلا سياسية، ما جعل أي خطوة ضدهم تُقرأ كصِدام مع المجتمع نفسه.

ويضيف أن الخطاب الذي اعتمدته وظّف المشاعر الدينية لبناء نفوذ سياسي، ما أفسح المجال لتيارات أكثر تطرفا، فيما ظلت علاقاتها الخارجية تؤثر على قراراتها بطريقة تتعارض مع سيادة الدولة.

بدأ حضور الإخوان” في الخليج في الأربعينيات، حين وصلت أفكار الجماعة إلى الدول الخليجية مع معلمين وطلبة وموظفين حملوا معهم خطابا دينيا جديدا إلى منطقة كانت قد بدأت توسيع مدارسها وجامعاتها. ووجدت أفكار الإخوان طريقا إلى داخل المجتمعات الخليجية التي كانت تبحث آنذاك عن خطاب ديني حديث يواكب التحولات السريعة في محيطها.

وانحسر وجود الإخوان المسلمين في الخليج إلى حد كبير عقب أحداث الربيع العربي في 2011، إذ أثبت وصول الإخوان إلى  الحكم في مصر على قدرة الجماعة على استثمار لحظات الاضطراب في بنية الدولة. وبعد إعلان دول خليجية عن “شبكات داخلية” كما في الإمارات، و”نشاط دعوي” كما حصل في البحرين، بدأت مرحلة تفكيك “الجماعة” عبر محاكمات وصولا إلى قرارات “تجريم” نشاطها.

ورغم تلك الإجراءات، لم يختفِ النفوذ الإخواني بالكامل من الخليج، بحسب الدكتور محمد الوهيب، ولا تزال الجماعة تحتفظ بحضور “ضعيف نسبيا” في بعض الدول التي لم تتخذ قرار التجريم بعد. لكنه حضور ليس سياسيا بل يتسرب عبر الأفراد أكثر من المؤسسات، ويظهر في بقايا خطاب ديني قديم أو أثر فكري راسخ داخل التعليم والأنشطة الخيرية، وفق رأيه.

في عمان، يختلف المشهد تماما، وفق توصيف الكاتب والمحلل السياسي، أحمد الشيزاوي، ” فعمان التي عرفت مبكرا الاحتكاك بالآيديولوجيات المختلفة الإخوانية والاباضية واليسارية والشيعية والليبرالية طورت مقاربة خاصة بها قائمة على الحياد والتوازن لا على المواجهة أو الاستقطاب. الدولة هناك لا تحاسب الناس على أفكارهم، يقول الشيزاوي، ولا تفرق بين تيار وآخر بل تمنح مساحة للتعبير والحوار والاختلاف ما دام النشاط لا يمس استقرار المجتمع أو وحدته الوطنية … ولهذا يبدو الحضور الإخواني في عمان جزءا من فسيفساء فكرية أوسع وليس مشروعا سياسيا كامنا كما هو الحال في دول خليجية أخرى.

ويرى الشيزاوي أن القرار الأميركي “لا يعني بالضرورة أن كل من ينتمي فكريا أو تاريخيا للإخوان في العالم أصبح ‘إرهابيا’ ، فالولايات المتحدة ركزت في قرارها على فروع محددة في مصر ولبنان والأردن، أي الفروع المتصلة مباشرة بحماس، العدو الأول لإسرائيل”.

ويعتقد الشيزاوي أن توقيت القرار يشير إلى أنه “مرتبط بحسابات إقليمية حساسة أكثر من كونه تحولا جذريا في الموقف الأميركي من الجماعة”.

ولا يرى أحمد الشيزاوي أن القرار الأميركي يحمل “أمرا عمليا مباشرا” لدول الخليج، التي تعتمد سياسات مستقلة تجاه الجماعة، لكنه يتوقع أن يفرض تحديات خارجية، أبرزها ضغوط من الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية لا تتبنى التصنيف نفسه. ويحذر من أن التجريم المفاجئ قد يدفع بعض الشباب المحافظ أو المتعاطف مع الإخوان نحو التشدد أو النشاط السري، أو حتى الهجرة لتشكيل معارضات خارجية، في مشهد يذكّر بتحولات شهدتها المنطقة في الستينيات.

وبين حسابات واشنطن وحسابات الخليج، يبدو مستقبل الإخوان في المنطقة مفتوحا على كل الاحتمالات، مع قرار ترامب الذي دشن، على ما يبدو، لحظة سياسية جديدة قد تتوضح ملامحها في قادم الأيام.