لبنان يكسر الـ”تابو”

Loading

بعد أسابيع من الترقب والخشية من تصعيد إسرائيلي محتمل في لبنان، استيقظ اللبنانيون، اليوم الأربعاء، على مفاجأة سياسية غير متوقعة، تمثلت في إعلان رئاسة الجمهورية تكليف السفير السابق سيمون كرم برئاسة الوفد اللبناني في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل (الميكانيزم).

القرار، الذي صدر بتوافق الرئاسات الثلاث، شكّل خطوة مفصلية في ملف ظلّ لفترة طويلة خارج قدرة المؤسسات اللبنانية على مقاربته، لكونه يتعلق بمفاوضات مباشرة وحساسة مع إسرائيل، ما يفتح آفاقاً جديدة لإدارة هذا الملف الدقيق.

وفي السياق، أعلنت السفارة الأميركية في بيروت، أن كبار المسؤولين عقدوا الاجتماع الرابع عشر للجنة في الثالث من ديسمبر في الناقورة، “لتقييم الجهود الجارية للتوصل إلى ترتيب دائم لوقف الأعمال العدائية في لبنان”.

وأوضح البيان أن كرم، ومعه المدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوري رسنيك، انضما إلى المستشارة الأميركية مورغان أورتاغوس كمشاركين مدنيين في الاجتماع، في خطوة قالت السفارة إنها تعكس “التزام الميكانيزم بتسهيل المناقشات السياسية والعسكرية بهدف تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الدائم للمجتمعات المتضررة من النزاع”.

تحوّل لا بدّ منه

تتقاطع خطوة التفاوض المباشر مع إسرائيل مع رسائل دولية واضحة مفادها أن لبنان قد يواجه تبعات خطرة إذا استمر مسار نزع سلاح حزب الله بوتيرة بطيئة.

وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور مكرم رباح أن الخطوة تمثل “تحوّلاً مهماً بعد التخاذل السابق الذي حال دون تحويل المواجهة مع إسرائيل إلى مواجهة سياسية”. يضيف: “حتى في حال لم تثمر المفاوضات عن نتائج مباشرة، فإن الانخراط الدبلوماسي والمفاوضات مع إسرائيل يمثل الاتجاه الصحيح”.

ويؤكد رباح لـ”الحرة” أن “كرم يتمتع بمصداقية عالية، وهو شخصية ملتزمة بمصلحة لبنان، ما يجعل وجوده ضمن الوفد اللبناني خطوة مهمة لتعزيز موقف الدولة في المفاوضات”.

كذلك يعتبر الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب أن دخول لبنان في مفاوضات سياسية مع إسرائيل يشكل “تحوّلاً مهماً في السياسة اللبنانية وكسراً للتابو الذي كان يمنع أيّ نقاش مع إسرائيل، سواء كان مباشراً أو غير مباشر”.

ويشير دياب في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “هذه الخطوة جاءت نتيجة عاملين رئيسيين. الأول، الضغط الأميركي الكبير على لبنان لإظهار جديته في عملية التفاوض مع إسرائيل، وإن كانت تقتصر على ترتيبات أمنية وليس عملية سلام. والثاني، محاولة تجنيب لبنان عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة لا تزال مطروحة على الطاولة بقوة”.

من جانبه يعتبر المحلل السياسي والمحامي أمين بشير في حديث لموقع “الحرة” أن “دخول لبنان في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل يأتي في سياق السياسة الأميركية القائمة على الضغوط المتدرّجة والمهل الزمنية لدفع لبنان نحو خطوات ملموسة، في وقت يحاول حزب الله كسب المزيد من الوقت، كما أنه يأتي في سياق المحاولات الخارجية لاختبار ما إذا كانت الدولة اللبنانية قد أمسكت فعلاً بزمام القرار الأمني وأنها قادرة على الذهاب بهذا المسار إلى نهايته”.

وبينما يضع مراقبون قرار لبنان بالتفاوض المباشر مع إسرائيل في إطار محاولة تجنّب حرب جديدة، يعلّق بشير بالقول إن “التهديد الإسرائيلي بالحرب يستخدم كأداة ضغط سياسية لدفع الدولة اللبنانية إلى تسريع التزاماتها والضغط على حزب الله باتجاه تطبيق القرار 1701، في حين تبدو الحرب نفسها خياراً غير مرجّح ولا مصلحة لأيّ من الأطراف فيها، خصوصاً وأن إسرائيل تحقق ما تريده عبر الضربات المركّزة”.

بين الاقتصاد والأمن

أيّ تفاوض، سواء قبلته إسرائيل أو لم تقبله، سيكون عنوانه الأساسي، كما يقول دياب، “نزع سلاح حزب الله وكلّ الأسلحة غير الشرعية، بالتوازي مع الحديث عن انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة في الجنوب، وترسيم الحدود، وإطلاق سراح الموقوفين اللبنانيين، ووقف الاستهدافات الجوية والبحرية والبرية الإسرائيلية”.

وفي تطور لافت، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن خطوة التفاوض هذه تعتبر “محاولة أوليّة لإرساء أساس للعلاقة والتعاون الاقتصادي مع لبنان”.

لكن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام سارع إلى التأكيد بأن “نتنياهو ذهب بعيداً في توصيف خطوة انضمام دبلوماسي لبناني سابق إلى اللجنة”، موضحاً أن لبنان “ليس بصدد مفاوضات سلام مع إسرائيل”، وأن أيّ حديث عن التطبيع مرتبط “بعملية السلام”.

كما أشار إلى أن لبنان مستعد لما سماها “مفاوضات فوق عسكرية مع إسرائيل”، مشيراً إلى أن بيروت تلقت رسائل من إسرائيل تتعلق بتصعيد محتمل، لكنه غير مرتبط بمهلة زمنية محددة.

وفيما يتصل بالمسار الاقتصادي الذي أشار إليه نتنياهو، يرى بشير أن الملف الاقتصادي “قد يشكّل مدخلاً لمقاربة دبلوماسية أسهل من الخوض مباشرة في الملفات الأمنية المعقّدة”.

أما بشأن موقف سلام، فيرى بشير أن “الأخير يسعى إلى تقليص وقع خطوة التفاوض المباشر مع إسرائيل كي لا تُحمَّل الدولة أعباء إضافية بعد كسر التابو اللبناني في التواصل المدني مع إسرائيل، وإن كانت الخطوة تأتي ضمن مقاربة دبلوماسية واقعية”.

القرار الإيراني

يعود الاعتراض الداخلي من قبل البعض في لبنان على الخطوة “إلى موقف حزب الله الرافض لأيّ مفاوضات مع إسرائيل، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة”، كما يوضح دياب، مشيراً إلى أن ذلك “يعني عملياً سحب ورقة المقاومة من يده، وهو ما يزعج الحزب الذي هدّد مناصروه باللجوء إلى قطع الطرقات والتظاهرات للردّ على أيّ خطوة في هذا الاتجاه”.

إلا أن القرار النهائي في هذا الملف ليس لبنانياً ولا يعود لحزب الله، وفق ما يؤكد دياب، “بل هو قرار إيراني بالكامل”. يضيف: “طهران ستعمل على نسف أيّ مفاوضات لبنانية-إسرائيلية إذا رأت أنها لا تخدم مصالحها، والحزب سيترجم هذا الموقف عمليّا على الأرض في لبنان”.

من جهته، يعتبر رباح أن “حزب الله، بطبيعته، لا يعترف بأيّ مقاربات سلمية، وموقفه الرافض للتفاوض يظهر أنه خارج المدار والمصلحة اللبنانية”.

أما بشير فيؤكد أن نجاح أيّ مسار تفاوضي يحتاج أولاً “إلى إرادة سياسية، ليس من قبل الدولة اللبنانية فحسب، بل من جانب حزب الله أيضاً، الذي يرى في تعزيز حضور الدولة داخل مناطقه مسّاً بنفوذه”.

ويشدد على أن القرار المتصل بسلاح حزب الله “يبقى إيرانياً بالكامل، إذ لا يمكن تثبيت أيّ تفاهم لبناني–لبناني يتعلق بالحزب من دون موافقة إيرانية واضحة”.