شبكة إيران الخفية: شركات واجهة وعمليات تطهير نووي

Loading

سرعان ما تلاشى الدخان من فوق المجمّع النووي الإيراني الواسع في صحراء أصفهان، لكن أنقاض “حرب الاثني عشر يوماً” ما زالت شاهدة على معركة لم تُحسم بالكامل، على ما يبدو، للقضاء على طموحات طهران الذرية.

تحقيق جديد نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” هذا الأسبوع، كشف أن الذراع السرّية للمشتريات الإيرانية “Imen Gostar Raman Kish” ما تزال تعمل بنشاط، بل وتتجرأ على إدخال مكوّنات أميركية وبريطانية في أجهزة مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. يأتي ذلك بالتوازي مع مؤشرات رصدتها الأقمار الاصطناعية لعمليات “تطهير” في منشآت مرتبطة بالتسليح.

بحسب التحقيق، تعمل “Imen Gostar Raman Kish” كواجهة تجارية لـ”منظمة الابتكار والبحث الدفاعي”، المعروفة باختصارها الفارسي SPND. وقد حدّدت أجهزة الاستخبارات الغربية منذ زمن طويل SPND، التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، بوصفها الجهة المشرفة على “برنامج الأسلحة النووية” الإيراني قبل عام 2003.

كما ذكر التحقيق أن SPND تزعم امتلاك تكنولوجيا لكشف الإشعاع مصدرها شركات مصنّعة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ويسلّط التقرير، المدعوم بتقييمات من معهد دراسة الحرب (ISW)، الضوء على استمرار عمل شبكات التوريد غير الشرعية الإيرانية، رغم تضرر البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني.

وترافق ذلك مع تحليل جديد لصور الأقمار الاصطناعية أصدره معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS)، يشير إلى أن إيران، رغم أنها لم تحقق إلا “تقدما طفيفا” في إصلاح منشآت التخصيب المُعلنة، إلا أنها بدأت عمليات تنظيف “واسعة” في مواقع سرية لطالما ارتبطت تاريخيا بمشاريع تسليح نووي.

وبحسب تقرير الـ”فايننشال تايمز”، فقد روّجت الشركة الإيرانية لمنتجات تحتوي على أنابيب كشف الإشعاع من الشركة البريطانية Centronic ومكوّنات من الشركة الأميركية Elijen Technology ضمن أجهزة كشف الإشعاع الخاصة بها. ولا يوجد أي دليل على أن أيّاً من المصنعَين الغربيَّين كان على علم بتحويل منتجاته إلى إيران، وهي نتيجة تُبرز مدى تعقيد سلاسل التوريد العالمية وتطور الوسطاء الإيرانيين.

“على مدار العقد الماضي، برعت طهران في شراء مكونات تقنية وتجارية ثنائية الاستخدام من شركات غربية، ويمتد هذا إلى المجال العسكري أيضاَ”، يقول كبير الباحثين في معهد الدفاع عن الديمقراطيات بهنام بن طالبلو.

التطهير مقابل إعادة الإعمار

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قيادة Imen Gostar في أكتوبر 2025، مشيرةً إلى مساهمتها في انتشار أسلحة الدمار الشامل. ومع ذلك، يبدو أن نشاطات الشبكة تتجاوز الجانب المتعلق بالمعدات. فبحسب التقارير، سافرت وفود إيرانية إلى روسيا في أغسطس ونوفمبر 2024. وتشير مصادر استخباراتية إلى أن هذه الزيارات كانت تهدف إلى الحصول على تكنولوجيا ليزر قد تسمح لإيران بـ”التحقق من تصميم سلاح نووي من دون إجراء اختبار نووي تفجيري”، وهي عتبة حاسمة لدولة تسعى إلى امتلاك قدرة ردع دون إشعال صراع عالمي.

“تستخدم طهران شركات واجهة في دول ذات سلطة مركزية ضعيفة، حيث لا ترقى اجراءات التدقيق للمستوى المطلوب من أجل الحصول على التكنولوجيا النووية”، يضيف بن طالبلو.

ويرى أن “على الشركات الغربية تعزيز إجراءات التدقيق الذاتية من أجل ضمان عدم حصول طهران على أيّ مواد يمكن أن تستغل من قبلها لتعزيز البرنامج النووي”.

في الوقت الذي تنشط فيه شبكات التوريد بشكل لافت، يعرض المشهد المادي لبرنامج إيران النووي صورة أكثر قتامة وغموضاً.

خلال تبادل إطلاق النار مع إسرائيل في وقت سابق من هذا العام، تعرّضت منشآت التخصيب الأساسية في نطنز وفوردو، المدفونة عميقاً تحت الأرض لأضرار كبيرة. وتشير صور الأقمار الصناعية التي حلّلها معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS) إلى أن أعمال إعادة الإعمار في هذه المواقع الرئيسية كانت محدودة للغاية.

ومع ذلك، تم رصد أنشطة في أماكن أخرى. ففي مقر SPND في طهران، وفي مركز أبحاث الشهيد ميسامي في محافظة البرز، تعمل فرق على ما يصفه محللون بأنه “تطهير منهجي”. ففي هذه المنشآت المرتبطة بعمليات التسليح، تظهر صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة في أواخر أكتوبر عمليات هدم للطوابق العلوية، وإزالة للركام، وتنظيف عام. ويقيّم معهد (ISIS) هذه الجهود على أنها “قد تكون مقدمة لإعادة البناء أو مرتبطة بأنشطة تطهير”، ويوضح أن الاحتمال الأخير يوحي بمحاولة لمحو الأدلة الجنائية قبل أن يتمكن المفتشون الدوليون من تقييم الحجم الكامل لأنشطة إيران.

انقسامات داخلية وتهديدات إقليمية

يعكس الوضع غير المؤكد للبرنامج النووي حالة من عدم الاستقرار السياسي داخل طهران. فقد انتشرت، هذا الأسبوع، شائعات في الإعلام الإيراني حول استقالة النائب الأول للرئيس محمد رضا عارف، في إشارة إلى احتمال وجود انقسامات عميقة داخل إدارة الرئيس مسعود پزشكيان. وتشير التقارير إلى أن التيارات المتشددة تتنافس على النفوذ في الفراغ الذي خلّفته الحرب، مما يعقّد أيّ مسار دبلوماسي محتمل.

إقليمياً، يبقى الوضع على حافة الانفجار. فقد حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس يوم الأربعاء من أن إسرائيل ستكون “بلا خيار” سوى توسيع عملياتها في لبنان، إذا لم يتم نزع سلاح حزب الله بالكامل بحلول نهاية العام. ومع وجود تقارير إسرائيلية تشير إلى أن وتيرة إعادة بناء حزب الله تفوق الإجراءات الإسرائيلية المضادة، يبقى احتمال فتح جبهة ثانية قائماً بقوة.

بالنسبة للغرب، يمثّل المساران المتوازيان لتعافي إيران، الجمود في المواقع المعلنة والتوريد غير الشرعي والتطهير السري، تحدياً سياسيّا معقداً. فربما تكون “حرب الأيام الاثني عشر” قد دمّرت البنية المادية للبرنامج النووي الإيراني، لكن البرمجيات، أي الشبكات، والمعرفة التقنية، والنية، ربما تكون نجت من ألسنة اللهب.