الإعدام رميا بالرصاص.. حكم حوثي وتساؤلات حول مصير عمال إغاثة

Loading

أعلنت محكمة خاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء إصدار أحكام بالإعدام بحق 17 شخصا بتهمة التجسس لصالح دول أجنبية، في خطوة تعمّق المخاوف من تحوّل أي ارتباط بالعالم الخارجي إلى تهمة جاهزة بالعقاب القاسي.

المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، قالت وبحسب وكالة “سبأ” التي تسيطر عليها الجماعة، إنها أدانت 17 شخصا بالانتماء إلى “خلايا تجسس” مرتبطة بأجهزة استخبارات أميركية وسعودية وبريطانية، إضافة إلى جهاز الموساد الإسرائيلي.

وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء “سبأ”، قررت المحكمة تنفيذ أحكام الإعدام “رميا بالرصاص في مكان عام”، فيما حُكم على رجل وامرأة بالسجن عشر سنوات، وتم تبرئة متهم آخر.

وفي أول رد حكومي، أدانت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا هذه الأحكام، واعتبرتها امتدادا لـ”قضاء غير شرعي” يستخدمه الحوثيون لتصفية الخصوم وابتزاز العاملين في الحقل الإنساني وأضاف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أن “تسريع جلسات المحاكمة، يمثل محاولة بائسة لإظهار انتصارات إعلامية وهمية”.

اتهامات ثقيلة وملف غامض

وفق رواية السلطات الحوثية، قدّم المتهمون معلومات “حساسة” عن تحركات قيادات في سلطة الحوثيين، ومواقع عسكرية وصاروخية، زُعم أنها استُخدمت في توجيه ضربات أدت إلى مقتل العشرات وإلحاق دمار واسع بالبنية التحتية.

لكن، وكما في قضايا سابقة، لا تُعلن السلطات أسماء المدانين أو أماكن عملهم ولا تُنشر الأدلة المفصلة أمام الرأي العام، ما يجعل التحقق من طبيعة عملهم أو حقيقة ارتباطهم بأطراف دولية أمرا شبه مستحيل، ويترك الباب مفتوحا أمام فرضية أن يكون بعضهم من العاملين المحليين مع منظمات أممية أو إغاثية.

ومنذ اندلاع الحرب وسيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، اتسعت دائرة الاعتقالات والمحاكمات في مناطقهم لتشمل معارضين سياسيين وصحفيين ونشطاء، لكن المسار أخذ منحًى أكثر حساسية خلال العامين الماضيين مع احتجاز عشرات اليمنيين الذين يعملون لصالح الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية وسفارات أجنبية.

الجماعة تتهم بعض هؤلاء بأنهم جزء من “شبكات تجسس”، بينما تؤكد الأمم المتحدة أن التهم “باطلة ولا أساس لها من الصحة”، وتطالب بالإفراج غير المشروط عن موظفيها.

وكانت الأمم المتحدة  قد أعلنت في أكتوبر الماضي أن عدد موظفيها المعتقلين لدى الحوثيين بلغ 55 منذ عام 2021.

وبالنسبة للعاملين المحليين مع المنظمات الدولية، تبدو هذه الإشارات كافية لخلق مناخ من الخوف، حيث يمكن أن يتحوّل عقد عمل مع منظمة أممية أو وكالة إغاثة إلى ملف أمني مفتوح في أي لحظة.

أحكام الإعدام الجديدة تعيد إلى الأذهان حادثة سبتمبر 2021، حين أعدم الحوثيون تسعة يمنيين في صنعاء بعد إدانتهم بالتورط في عملية قادت إلى مقتل صالح الصماد، أحد أبرز قادة الجماعة، في غارة نفذها التحالف الذي تقوده السعودية عام 2018. يومها أثارت مشاهد الإعدام العلني استنكارا واسعا من منظمات حقوقية، لكن ذلك لم ينعكس على سياسة الجماعة في استخدام القضاء كأداة ردع.

حرب مفتوحة وسردية العدو الخارجي

يأتي هذا التصعيد القضائي في سياق حرب ممتدة، لم تعد مقتصرة على الجبهة الداخلية. فمنذ أواخر 2023، بدأ الحوثيون إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل وعلى سفن في البحر الأحمر، قائلين إنهم يتحركون “نصرة لغزة”. وردّت الولايات المتحدة وإسرائيل بسلسلة ضربات جوية وبحرية ضد أهداف حوثية داخل اليمن، شملت غارات أودت في وقت سابق من هذا العام بحياة رئيس وزراء حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي وعدد من أعضاء حكومته.

ويُعد الرهوي أعلى مسؤول سياسي يقتل ضمن تداعيات المواجهة اليمنية الإسرائيلية المرتبطة بالحرب في قطاع غزة.

في هذه الأجواء، تصبح ملفات “التجسس” جزءا من معركة السردية التي يخوضها الحوثيون: من جهة تُعرض كدليل على “اختراقات” استخباراتية تقودها دول معادية، ومن جهة أخرى تُستخدم داخليا لتشديد القبضة الأمنية على المجتمع، خصوصا على من يتعاملون بحكم وظائفهم مع مؤسسات دولية.

بالنسبة لعائلات المحكومين بالإعدام، لا يتعلق الأمر بسرديات كبرى بقدر ما هو خوف مباشر من تنفيذ الأحكام في أي لحظة. أما بالنسبة للموظفين اليمنيين في الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، فإن الرسالة غير المعلنة لهذه القضايا تبدو واضحة: أي صلة بمؤسسة خارجية قد تُقرأ في لحظة توتر سياسي على أنها “تجسس”، وأي ملف قضائي من هذا النوع يمكن أن يفتح الباب لأقسى العقوبات.