![]()
في تطور مثير للجدل داخل المؤسسة التشريعية في إسرائيل، فجّر مشروع قانون عقوبة الإعدام لمن تصفهم إسرائيل بـ”الإرهابيين”، عاصفة من الرفض داخل أوساط الأطباء والمنظمات الطبية، بعد أن تضمن نص المشروع بندا يلزم بتنفيذ الإعدام عن طريق حقن مواد سامة، ما يستدعي مشاركة طواقم طبية في العملية.
النقاش تفجّر عقب الكشف عن تعديل جديد في مشروع القانون المطروح أمام اللجنة البرلمانية للأمن القومي، ينص على تنفيذ الإعدام بوساطة “حقنة قاتلة” تُحقن في جسد المحكوم عليه، بدلًا من الأساليب القديمة كالرمي بالرصاص أو الشنق المعمول بها قانونيًا منذ الانتداب البريطاني.
التعديل الجديد يعني – بحكم الواقع – إشراك الطواقم الطبية في العملية، سواء من خلال اختيار نوع السمّ، تحديد جرعاته حسب وزن الشخص، تنفيذ الحقنة القاتلة، أو حتى مراقبة العلامات الحيوية خلال التنفيذ وتوثيق الوفاة رسميا.
القانون، بصيغته الحالية، يضع الجهاز الطبي في إسرائيل في قلب معضلة تنفيذية: إذ لا يمكن تنفيذ الإعدام بالحقن دون مشاركة طواقم طبية مدربة، وفي الوقت نفسه يرفض هؤلاء الأطباء بشكل قاطع أن يكونوا طرفا في مثل هذه العمليات. كما أن القانون لم يتطرق إلى احتمال الاستعانة بطواقم غير طبية ما يزيد من تعقيد التنفيذ.
ممثل نقابة الأطباء الإسرائيلية د. ألبرتو أولتشوفسكي الذي شارك في الجلسة قال ان “مشاركتنا في تنفيذ الإعدامات – سواء كانت فاعلة أو استشارية – مرفوضة أخلاقيًا، ومخالفة للمواثيق الدولية التي التزمت بها إسرائيل”. وأضاف: “من غير المقبول استخدام معرفتنا الطبية في ما لا يخدم الصحة أو الحياة”.
النقابة الطبية لم تكتفِ بتصريح مبدئي، بل نشرت وثيقة أخلاقية مفصّلة تستند إلى مواثيق دولية – في مقدمتها موقف “الرابطة الطبية العالمية” (WMA) – التي تحظر تمامًا على الأطباء المشاركة في أي شكل من أشكال تنفيذ عقوبة الإعدام.
في رسالة رسمية وجهتها نقابة الأطباء الإسرائيلية إلى رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست، شددت اللجنة الأخلاقية في النقابة على رفضها القاطع لأي مشاركة طبية – فعالة أو استشارية – في تنفيذ عقوبة الإعدام، مؤكدة أن وظيفة الطبيب هي إنقاذ الحياة لا إنهاؤها، وأن استخدام المعرفة الطبية في إجراءات لا تهدف إلى تعزيز الصحة أو تخفيف المعاناة يُعد خرقًا لأخلاقيات المهنة.
وأشارت إلى التزام النقابة الكامل بميثاق “الرابطة الطبية العالمية”، التي تحظر تمامًا مشاركة الأطباء في التخطيط أو التنفيذ أو الإشراف على الإعدامات، واعتبرت أن أي مشاركة من هذا النوع تُقوّض أسس الطب وتشوّه دوره الإنساني.
ورغم أن فكرة تطبيق الإعدام بحق منفذي الهجمات ليست جديدة في إسرائيل، إذ طُرحت عدة مرات في السابق، إلا أن معظم مشاريع القوانين السابقة سقطت بفعل معارضة قوية من الأجهزة الأمنية والقضائية، وعلى رأسها جهاز الأمن العام (الشاباك).
وقد تبنى الشاباك تاريخيا موقفًا معارضا لعقوبة الإعدام، مستندا إلى تقدير استخباري يرى أن الإعدام لا يُشكّل رادعا لمنفذي العمليات الانتحارية، بل قد يُحوّلهم إلى رموز قومية داخل مجتمعاتهم، ويؤدي إلى أزمات جديدة مثل المطالبة بجثامينهم أو إطلاق حملات خطف بهدف المساومة.
لكن اللافت وبعد تعيين دافيد زيني رئيسا للشاباك بصورة مثيرة للجدل، تحول موقف الجهاز الأمني وبحسب تسريبات إعلامية ومداولات مغلقة، بدأ يُبدي انفتاحا على إعادة النظر في موقفه، بل نُقل عن مسؤولين في الجهاز أن تطبيق عقوبة الإعدام، ولو في حالات استثنائية، قد يخلق “أثرا رادعًا” في أوساط منفذين محتملين، خصوصًا أولئك الذين لا ينوون الموت في العملية، بل يتوقعون قضاء سنوات في السجن ثم الخروج في صفقات تبادل.
في نهاية المطاف، يبدو أن مشروع قانون الإعدام في إسرائيل لا يصطدم فقط بالمعايير القانونية، بل بمصدر أكثر عمقًا: الضمير المهني للأطباء. هؤلاء، بمعاطفهم البيضاء، يرفعون راية الاعتراض بوجه مشروع قانون يطالبهم بأن يتحوّلوا إلى أدوات لإنفاذ القانون – بالقوة، وبالسمّ.
وبهذا الرفض العلني والواضح، يبدو ان الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدمتها وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ستواجه معضلة في تنفيذ ما تعتبره “عدالة رادعة”، في وقت تتزايد فيه الأسئلة الأخلاقية والعملية حول معنى العدالة التي يتحدث عنها الوزير الإسرائيلي.