![]()
تتواصل في القاهرة فصول واحدة من أكثر القضايا إثارة للغضب في الشارع المصري خلال السنوات الأخيرة، حيث تتكشف تفاصيل صادمة لاعتداءات جنسية تعرض لها خمسة أطفال (منهم ثلاث فتيات) في مدرسة دولية بمنطقة السلام شرق القاهرة.
لم تثر هذه الواقعة أسئلة حادة حول معايير الأمان فحسب، بل حول انهيار منظومة الرقابة في المؤسسات التعليمية الخاصة التي تتقاضى رسوماً باهظة.
عام من الاستغلال: كيف بدأت الواقعة؟
انطلقت خيوط الأزمة من ملاحظة تغيّر حاد في سلوك طفل في مرحلة الحضانة، ورفضه الشديد ارتداء ملابسه الداخلية. بعد محاولات مضنية، أفصح الطفل عن تعرضه لاعتداء جنسي داخل المدرسة. وقد اكتُشف الأمر صدفة عندما نقل الطفل لوالدته تعرض زميلته لاعتداء من موظف إداري. تواصلت الأم مع والدة الطفلة التي تبين أنها تعاني من نزيف، لتتحول الشهادة الفردية إلى مأساة جماعية تعرّض لها أطفال على مدار عام كامل تقريباً.
وبعد الفحص الذي قام به أولياء الأمور اشتبهوا في أربعة موظفين داخل المدرسة، تتراوح أعمارهم بين 28 و60 عاماً.
استغل المشتبه بهم ما يُعرف بـ “المخزن” أو الغرفة المعزولة، وهي مناطق غير مغطاة بكاميرات المراقبة، واغتنموا لحظات انفراد الأطفال بهم قبل صعودهم إلى حافلات المدرسة. وقد تحدث أحد الصغار عن شخص كان يسميه “العم المرعب” يستدرجه مع زميل آخر إلى غرفة قريبة من منطقة الألعاب حيث وقعت الاعتداءات بشكل متكرر. ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الموظفين الأربعة عقب تلقي ستة بلاغات من أولياء الأمور، وأكدت مصادر التحقيق أن الأفعال لم تكن عابرة بل “مستمرة ومنهجية” في استغلال “المناطق العمياء” داخل مبنى المدرسة.
أين وزارة التربية والتعليم؟
على إثر ما جرى، أعلنت وزارة التربية والتعليم وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري الكامل، وإحالة كافة المسؤولين الذين يشتبه في تورطهم في الإهمال أو التستر إلى الشؤون القانونية. وقد جاء هذا الإعلان في بيان رسمي عبر صفحتها على فيسبوك.
وهدد الوزير محمد عبد اللطيف بإغلاق المدارس التي تشهد هذا النوع من الوقائع، مؤكداً أن حماية الطلاب واجب لا يقبل التهاون.
لكن هذا التهديد لم يتطرق للأوضاع الناتجة عن غياب التدقيق في اختيار العاملين في المدارس الخاصة والدولية التي تتقاضى رسوماً مرتفعة قد تتجاوز 50 ألف جنيه مصري سنوياً. ويرى خبراء أن الوزارة تتحمل جزءاً من المسؤولية، لعدم اتخاذها عقوبة رادعة ضد المخالفين سابقاً، وهذا التقصير في إلزام المدارس بتغطية كامل المرافق بالكاميرات هو السبب الجذري لتكرار الحوادث.
وهذه ليست واقعة معزولة فقد صُدم الرأي العام في أواخر عام 2024 بإقدام مدرس على التحرش بمجموعة من التلميذات بمدرسة أحمد زويل الابتدائية في العمرانية بمحافظة الجيزة.
ولا تزال أصداء واقعة الاعتداء على الطفل “ياسين” في مدرسة بالبحيرة تتردد، خاصة بعدما قضت المحكمة بتخفيف الحكم على المتهم إلى 10 سنوات سجناً قبل أيام قليلة.
هذا التكرار يكشف عن تقصير في إلزام المدارس بتعيين مشرفين مؤهلين لحماية الطلاب، والبحث عن عمالة رخيصة دون النظر إلى أمان الأطفال.
ماذا عن صدمة الأطفال؟
في خضم التحقيقات، يظل الأطفال الذين تعرضوا لصدمة التحرش هم الجانب الأكثر أهمية. هذا النوع من الصدمات يعبر مرحلة الطفولة ويستمر معهم مدى الحياة إذا لم يتعافوا، وقد يحوّل الطفل إلى شخصية عنيفة أو منطوية.
وبسؤال الطبيب النفسي ياسين عمر، أكد على خطورة المرحلة، قائلاً: “إن الأساس النفسي للطفل يتعرض لاهتزاز عنيف في هذه السن، والدعم الفوري والمهني هو خط الدفاع الوحيد لمنع ظهور اضطرابات طويلة الأمد مثل العدوانية أو الانطواء الاجتماعي الحاد”. لذا، يجب أن يتوفر لهؤلاء الأطفال دعم نفسي في أقرب وقت وصولاً إلى التعافي الكامل لترميم الأساس النفسي الذي تحطم. هذه مهمة يجب أن تشارك فيها الوزارة والأهل والمجتمع الأوسع، مع حمايتهم بشكل تام من أي وصمة أو مُعايرة، لضمان أن مستقبل المجتمع لا يتلوث أمام أعيننا.
وكانت نيابة شمال القاهرة أعادت يوم الجمعة الموافق 21 نوفمبر، الاستماع إلى أقوال خمسة من الأطفال الضحايا في المدرسة الدولية، وذلك بشأن الاعتداء الذي تعرضوا له من قِبل الأشخاص الأربعة موضع الاشتباه، بينهم ثلاثة عمال وفرد أمن.
وتأتي هذه الإجراءات وسط غضب شعبي عارم يسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة تكرار هذا النمط من الحوادث داخل المؤسسات التعليمية.
ويبقى المجتمع في انتظار ما ستفسر عنه الإجراءات والتحقيقات الجارية، على أمل وضع حد نهائي لهذا التقصير الكارثي في “حماية أطفالنا” وفق تعبير العديد من أولياء الأمور علي وسائل التواصل الاجتماعي.