![]()
هيمنت مواضيع الأمن والسياسة على عناوين الأخبار التي تناولت أهداف زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المرتقبة إلى واشنطن، واللقاء الذي سيعقده مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثامن عشر من نوفمبر الجاري.
لكن ذلك لا يقلل من أهمية الملفات الاقتصادية التي ستُطرح على طاولة البحث خلال القمة في البيت الأبيض، والتي ستعقبها “قمة استثمارية سعودية – أميركية” تعقد الأربعاء في واشنطن، ويحضرها عدد كبير من رجال الأعمال في البلدين.
وتكتسب هذه الملفات أهمية مضاعفة في ظل الانعطافة الكبرى في مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
اليوم، أصبحت السعودية أكبر شريك اقتصاديّ للولايات المتحدة في المنطقة، كما أعلن بن سلمان في 13 مايو 2025، موضحاً أن البلدين تجمعهما علاقات اقتصادية عميقة، تشكّل الاستثمارات إحدى أهم ركائزها.
ولم تعد هذه العلاقات محصورة في حقول النفط وصناعة مشتقاته، بل امتدت في السنوات الأخيرة إلى مجالات أخرى كثيرة، مثل الصناعات المتقدّمة والاقتصاد الرقمي والتطوير العقاري، وهو ما “حرّرها من أحادية المحور المتمثّل بالطاقة”، كما يؤكد المحلل الاقتصادي السعودي جمال بنون.
وإذا ما كان التعاون الاقتصادي الواسع بين البلدين يشكّل أرضية مناسبة لنجاح زيارة بن سلمان لواشنطن، إلا أنه لا يلغي التساؤلات بشأن قدرة المملكة على تحقيق أهدافها من ورائه، وفي مقدمتها الاستفادة منه في تنفيذ “رؤية السعودية 2030”.
تحولات اقتصادية سعودية
بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة عام 2024 نحو 32 مليار دولار.
ووصلت قيمة الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة إلى نحو 13 مليار دولار بنهاية 2024، شملت مواد أولية ومنتجات بتروكيماوية، في حين بلغت قيمة الواردات السعودية من السلع الأمريكية 19 مليار دولار، وتنوعت بين معدات صناعية ومنتجات تقنية وسلع استهلاكية، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
وعلى المستوى الاستثماري، بلغت الاستثمارات الأميركية المباشرة في السعودية نحو 54 مليار دولار حتى عام 2023، أي ما يعادل 23 في المئة من اجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة، بحسب وزارة الاستثمار السعودية.
وتتوزّع الاستثمارات الأميركية في المملكة على قطاعات عدة، بينها النقل والخدمات اللوجستية بما يقارب25.3 مليار دولار، والتصنيع بنحو13 مليار دولار، والتجزئة بحوالي 2.4 مليار دولار.
وبدورها، غدت السعودية لاعباً أساسيّا في السوق الأميركية باستثمارات ضخمة في سندات الخزينة ومجالات النقل والعقارات والاتصالات وغيرها.
وكان بن سلمان قد أعلن، خلال زيارة ترامب إلى الرياض في مايو 2025، عن زيادة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، من 600 مليار دولار المعلن عنها سابقاً.
ويوجّه صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) نحو40% من استثماراته العالمية إلى السوق الأميركية، وهو ما يرى بنون أنه “يشكّل تحوّلاً نوعيّا جعل من السعودية شريكاً تمويلياً وتكنولوجياً كبيراً للولايات المتحدة”.
كذلك، يرى الخبير الاقتصادي السعودي إبراهيم المالك، في حديثه لموقع “الحرة” أن “التمويل السيادي والاقتصاد الرياضي والإبداعي والطاقة النظيفة، باتت تمثّل روافع جديدة في معادلة العلاقة مع واشنطن”. يضيف: “القصة لم تعد تُقاس ببرميل النفط، بل بـ(بايت التقنية)، فالمملكة اليوم تستثمر في مراكز البيانات والخدمات السحابية، والذكاء الاصطناعي، والقطاع المالي الرقمي، وهو ما يجعلها مصدراً للفرص وسوقاً للابتكار، لا مجرّد مورّد للطاقة”.
“رؤية السعودية 2030”
تسعى الرياض إلى الاستفادة من الشركات والتكنولوجيا الأميركيتيْن في سعيها لتنفيذ “رؤية السعودية 2030″، التي تقوم على “عصرنة الاقتصاد”، وتنويع مصادره، وتحويل البلاد إلى “قاعدة إنتاجية تقوم على المعرفة والتقنية والطاقة النظيفة”.
وتشكّل مشاريع كبرى، مثل “مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر”، الذي تبلغ تكلفته 8.4 مليار دولار، وتشارك فيه شركة إير برودكتس (Air Products) الأميركية مثالاً لهذا التحول. ويهدف المشروع، وهو الأكبر من نوعه عالميّا، إلى إنتاج نحو600 طن يومياً من الهيدروجين النظيف بحلول 2026.
وتتولى شركة جاكوبس(Jacobs) الأميركية تطوير مشروع المدينة الذكية (ذا لاين)، وهي مدينة خطّية زجاجية سعودية ضخمة، في مشهد يعكس تحوّلاً كبيراً في الاقتصاد والتخطيط العمراني المستدام في المملكة.
ويرى المالك أن “واشنطن تنظر إلى هذا التحوّل الاقتصاديّ السعودي من زاويتْن متباينتيْن. أولاً، ترى فيه فرصة ضخمة للشركات الأميركية في مجالات الطاقة النظيفة والتصنيع المشترك والتقنيات المتقدمة، وثانياً، تعتبر أنه مؤشر على استقلال اقتصادي متنام يمنح الرياض قدرة أكبر على رسم شروط الشراكة معها”.
ويخلص المالك إلى أن “البراغماتية الأميركية وحدها القادرة على جعل هذه التحوّلات رافعة لنفوذ اقتصادي بدل أن تُقرأ على أنها ابتعاد تدريجيّ”.
وفي السياق نفسه، يشدد بنون على أن “التحوّل السعودي لا يلغي الاعتماد المتبادل، بل يعيد تعريفه؛ إذ لم تعد المملكة مورّد طاقة، بل مهندس فرص واستثمار طويل الأجل، بينما تصبح واشنطن شريكاً تكنولوجيّا وتمويليّا”.
من هنا، تكتسب العناوين الاقتصادية لزيارة بن سلمان إلى واشنطن أهمية مضاعفة، باعتبار أنها قد تدعم التوجّهات الاقتصادية السعودية الجديدة، وتوسّع الطريق نحو تنفيذ “رؤية 2030”.