![]()
يقف الرئيس اللبناني جوزف عون أمام مفترق صعب.
بين ضغطٍ أميركي متزايد يدعوه إلى كبح سلاح “حزب الله” جنوب الليطاني، وضغطٍ داخلي يحذّره من إشعال حرب أهلية جديدة، يرسل عون إشارات متناقضة: يطمئن واشنطن والرياض بأن نفوذ الحزب سيُحَدّ، ويؤكد لقيادات الحزب أن سلاحه “لن يُمسّ“.
هل هي ازدواجية في الموقف أم محاولة يائسة لإبقاء التوازن داخل بلد يتفكك؟
في حوار ضمن برنامج “ذي ديبلومات” توضح الباحثة دانيا العريسي، الخبيرة والمحللة في الشأن اللبناني في معهد “نيو لاينز” في واشنطن، صورة هذا المشهد المركّب في بلد لا يعيش حرباً مفتوحة، لكنه ينهار ببطء تحت وطأة الانقسام، والضغوط الخارجية، والإرهاق الشعبي.
إليكم الحوار كاملا:
كيف تصفين موقف الرئيس جوزيف عون من سلاح حزب الله؟ هل هو تلاعب سياسي أم براغماتية مفروضة؟
أعتقد أن عون يحاول فهم التحديات المرتبطة بوجود “حزب الله” المسلح، ويتعامل معها بميزان دقيق. من جهة، يسعى لتلبية المطالب الأميركية في نزع سلاح الحزب، ومن جهة أخرى يحاول تفادي حربٍ أهلية. نزع سلاح “حزب الله” ليس عملية بسيطة. هي معادلة سكانية وطائفية معقّدة. عون يحاول التوازن. الأميركيون غاضبون بشدة لأن تقاريرهم تشير إلى أن الحزب يعيد تسليح نفسه ويُعزز قدراته. الحكومة اللبنانية تعرف ذلك، وكذلك الجيش. لكن السؤال هو: ماذا يستطيعون فعلا أن يفعلوا؟
كثيرون يرون أن عون يلعب على الحبلين. هل هذا صحيح؟
النظام اللبناني نفسه مفكك. لا أراه يلعب على الحبلين بقدر ما يحاول البقاء وسط عاصفة. تعلم الحكومة أن أي خطوة متسرعة لنزع سلاح الحزب ستشعل الشارع. الحزب يملك السلاح، القوة، والقدرة العسكرية التي تفوق الجيش اللبناني. لذلك لا يمكن التعامل مع هذا الملف بقرارات فوقية. ما يزيد التعقيد أن إسرائيل ما زالت تقصف الأراضي اللبنانية رغم وقف إطلاق النار. بعضها يستهدف مواقع للحزب، وبعضها يطال مدنيين. في ظل هذا القصف، من الطبيعي أن يقول الحزب: كيف نُسلّم سلاحنا فيما العدو ما زال يهاجمنا؟
عون تحدّث عن خطة لدمج الحزب داخل الجيش اللبناني. هل هذا ممكن؟
برأيي لا. لدينا تجارب فاشلة في دول أخرى حاولت دمج ميليشيات مسلّحة داخل الجيش الرسمي. الفكرة قد تؤدي إلى تفكك المؤسسة العسكرية نفسها. دمج كيان أيديولوجي مثل “حزب الله” داخل الجيش يعني خلق جيشين في مؤسسة واحدة.
هل استراتيجية عون تمنح لبنان فرصة لالتقاط الأنفاس، أم أنها مجرد تأجيل لانفجار أكبر؟
لا تمنح لبنان أي هدنة. بل تزيد غضب الأميركيين. الإسرائيليون يلوّحون بعملية عسكرية جديدة. هناك خياران أمامهم: إما توسيع الحرب، أو – وهو ما ألمح إليه عون – الانخراط في مفاوضات مباشرة مع الحكومة اللبنانية. القصف لم يغيّر شيئاً. ربما حان الوقت للحوار. الحرب لم تنزع سلاح الحزب، ولن تنزعه الآن.
تتحدث الولايات المتحدة علنا عن لبنان كـ”دولة فاشلة”. هل هذا توصيف سياسي أم تمهيد لشيء أكبر؟
الاثنان معاً. لبنان فشل اقتصادياً ومؤسساتياً، لكن الخطاب الأميركي يحمل أيضاً رسالة ضغط. هو تهديد مبطن: إمّا تتحركون لنزع سلاح الحزب، أو الحرب المقبلة قادمة. لكن الأميركيين يتجاهلون الحقيقة الأساسية: الحكومة اللبنانية لا تملك القدرة على تنفيذ هذا الطلب. عندما طُرح القرار سابقاً، شهدنا اضطرابات في الشارع وظهوراً علنياً للمسلحين. هناك حدود لما يمكن للحكومة أن تفعله.
إذاًَ تقولين إن الحزب يستخدم القصف الإسرائيلي لتبرير احتفاظه بالسلاح؟
نعم. هو يقول: “من سيحمينا إذا سلّمنا سلاحنا؟ الجيش لا يستطيع”. وبالتالي يستخدم استمرار القصف لتثبيت شرعية سلاحه. لهذا السبب دَعا عون إلى مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين. يريد أن يسحب هذه الورقة من يد الحزب. يريد أن يقول: إذا توقفت الهجمات، لا مبرر لبقاء السلاح.
دعوة رئيس لبناني لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل سابقة في تاريخ الجمهورية. كيف استُقبلت؟
في واشنطن، الموقف الإسرائيلي منقسم. هناك من يرحّب بالحوار مع حكومة إصلاحية ومنفتحة، وهناك من يرفضه بحجة أن الدولة اللبنانية لا تملك قرارها. في الداخل، أثار كلام عون غضباً واسعاً لأن الناس خلطوا بين “مفاوضات مباشرة” و”تطبيع“. يجب التوضيح: التفاوض ليس تطبيعاً. نحن نتحدث عن حوار لتجنّب الحرب، لا عن اعتراف سياسي. التطبيع في هذه المرحلة ليس خياراً واقعياً، لكن الحوار ضرورة لوقف الانهيار.
هذه التصريحات الأميركية عن “الدولة الفاشلة”، هل غيّرت فعلاً شيئاً داخل لبنان؟
خلقت حالة استنفار مؤقتة. الناس شعروا بالإهانة والغضب، لكن سرعان ما عاد كل شيء إلى الجمود. لم تتحول تلك الصدمة إلى سياسات أو إصلاحات. ما زلنا من دون اتفاق فعلي مع صندوق النقد أو البنك الدولي. النظام المالي متوقف، والثقة معدومة، والاستثمارات الأجنبية غائبة. الخطاب الأميركي يوقظ الأزمة ولا يحلها.
مصطلح “السيادة” يتكرر كثيراً في الخطاب اللبناني. لكن ماذا يعني فعلياً اليوم؟
الأميركيون يريدون أن تُعرّف بيروت السيادة بمعناها الأمني الكامل: دولة واحدة وجيش واحد. القرارات الأخيرة توحي بذلك، خصوصاً مع استعداد قوات “اليونيفيل” لمغادرة الجنوب خلال السنوات المقبلة. الدعم الأميركي للجيش اللبناني، بقيمة 230 مليون دولار، هو إشارة واضحة: واشنطن تريد أن يكون الجيش القوة الوحيدة على الأرض.