![]()
في شقتها المتواضعة في مدينة طرابلس اللبنانية، جلست نجاح أحمد قرب النافذة، تنظر منها إلى البحر، وتحكي بحرقة فصولاً مأساوية من قصة ابنها محمود عطيه، الذي غادر عبره إلى أوروبا قبل 3 سنوات، لكن اخباره انقطعت منذ ذلك الوقت.
تقول أحمد لـ”الحرة”: “ابني مفقود. سافر عبر باخرة الموت، لكنها غرقت”.
تضيف، وهي تمسح دموعها، “أنا أم. ربيت ابني بدموع عيوني. عندما تسألني ابنته عنه أشعر بحزن شديد. أكذب عليها دائماً. أخبرها أنه سيعود غداً”.
ثم توجّه رسالة إلى كلّ من يفكّر بالهجرة بطريقة غير شرعية، وتقول: “لا تجرّبوا الهجرة عبر هذه المراكب”.
لكن لا يبدو أن هذه النصيحة تجد آذانا صاغية لدى هذه الفئة في لبنان، فهناك مئات المهاجرين غير الشرعيين، الذين غادروا عبر البحر الأبيض المتوسّط إلى أوروبا في السنوات القليلة الماضية، ثم ماتوا غرقاً أو انقطع الاتصال بهم.
“فقدنا أكثر من 400 ضحية على مدى ثلاث أو أربع سنوات، نتيجة متاجرة أشخاص بحياة الناس”، يقول الناشط الحقوقي محمد صبلوح لـ”الحرة”.
وإلى جانب اللبنانيين، هناك أعداد من السوريين والفلسطينيين وغيرهم، قرروا مغادرة لبنان عبر “قوارب الموت” إلى أوروبا، وذلك بعد أن قدموا إليه بسبب سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية في بلادهم أو الدول التي يقيمون فيها، ثم اختاروا المغادرة أو وجدوا أنفسهم مضطرين لذلك.
ضحايا التهريب والظروف المعيشية
عادة ما تنطلق المراكب الصغيرة من شواطئ منطقتي المنية وعكار في شمال لبنان، متوجّهة نحو قبرص، ومنها إلى أوروبا، لكنّ الرحلة الموعودة كثيراً ما تنتهي بالموت، بعد تحطّم القوارب بسبب أعطال في المحركات أو سوء الأحوال الجوية أو غيرهما، كما يقول زاهر الكسار، عضو بلدية ببنين – العبدة في شمال لبنان.
ويدفع من اختاروا الهجرة آلاف الدولارات لعصابات التهريب التي تنشط في لبنان وسوريا وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
“خسرنا أرواحاً بسبب الهجرة غير الشرعية. ثمة من تاجروا بأرواح الناس. هناك من المهاجرين من تعرّض للظلم، وهناك من توفي”، يقول الكسار.
ويوضح أن “هناك من يريد الهرب من سوء الأوضاع الاقتصادية. من الصعب ألّا تستطيع تأمين الطعام والتعليم لأطفالك، وليس لديك كهرباء. الجميع يعلم الأزمات التي عاشها لبنان منذ جائحة كورونا. كذلك الأزمة الاقتصادية وأزمة الدولار”، في إشارة إلى فقدان الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها.
وقد ازدادت الأوضاع المعيشية في لبنان سوءاً في السنوات الماضية مع رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية وانهيار الخدمات العامة.
وتشير تقديرات منظمة “الإسكوا” لعامي 2023 – 2024 إلى أن معدّل البطالة في لبنان بلغ حوالي 27%.
ووفق تقرير للبنك الدولي صدر عام 2024، يشهد لبنان “واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ تراجع الناتج المحلي بأكثر من 40% خلال أربع سنوات فقط”.
سياسات الاتحاد الأوروبي
على الجانب الآخر من “المتوسّط”، تشدد دول الاتحاد الأوروبي قوانين الهجرة، وتواصل “سياسة تقديم مساعدات مالية” للدول التي يتدفّق منها المهاجرون، على أمل أن المساعدة في الحد من ذلك.
وتقول رئيسة المفوضية الأوروبية، أوروسولا فون دير لاين، إن الاتحاد يعمل بشكل مكثّف مع الدول التي ينطلق منها المهاجرون بطريقة غير قانونية من أجل إبرام اتفاقات للحد من الظاهرة.
وتوضح أن هذه الاتفاقات، تُعرف باسم “التوسّع الخارجي للحدود”، إذ يمول الاتحاد الأوروبي دولاً مثل تونس ومصر ولبنان والمغرب بمليارات اليوروهات مقابل منع المهاجرين من الإبحار منها نحو أوروبا.
وكان الاتحاد قد خصص مساعدة مالية للبنان بقيمة مليار دولار عام 2024، لدعم الجيش وقوى الأمن الداخلي من أجل مكافحة التهريب ومراقبة الحدود.
ويقول الخبير في قضايا الهجرة، كيفن أبليبي، في حديث مع “الحرة” إن الاتحاد الأوروبي يوسّع حدوده جنوباً عبر صفقات مشروطة تهدف إلى وقف المهاجرين قبل أن يبحروا”.
“في الواقع، يمارس الاتحاد الأوروبي، ضغوطاً على دول مثل لبنان. كما أنه يدفع لهذه الدول مقابل إبقاء اللاجئين بعيدين عن شواطئ دوله” يضيف أبليبي.
وذكرت “وكالة حرس الحدود والسواحل الأوروبية” (فرونتكس) أن الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، انخفضت بنسبة 21% في أول ثمانية أشهر من 2025، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وبينما يأمل الاتحاد الأوروبي أن تسهم سياساته في الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر “المتوسّط”، فإن خبراء يشككون في جدواها، خصوصاً في ظل استمرار الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية في الدول الواقعة على الجانب الآخر منه.