الانتخابات العراقية.. معركة “البيت الشيعي”

الانتخابات العراقية.. معركة “البيت الشيعي”

Loading

يواجه النظام السياسي الشيعي في العراق أصعب اختبار منذ عقدين، مع استعداد الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع في الحادي عشر من نوفمبر لاختيار برلمان جديد.

وبغياب مقتدى الصدر، الذي أعلن مقاطعته للانتخابات، تتزاحم قوى متعددة، بعضها موال لإيران وأخرى تسعى إلى استقلال القرار الوطني، على ملء موقع الزعامة داخل ما يُعرف بـ”البيت الشيعي”.

نتائج هذا الاقتراع ستحدد إلى أي مدى يمكن أن تمتد نفوذ إيران في العراق، وكيف ستعيد الولايات المتحدة ضبط حضورها في بغداد، وما إذا كان العراق سيتمكن من الحفاظ على حياده الهش وسط الحرب في غزة والتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر.

في انتخابات 2021، تحول فوز التيار الصدري، بالحصة الأكبر من مقاعد البرلمان، إلى أزمة سياسية استمرّت أحد عشر شهرا، قبل أن تنتهي بنزاع مسلح، بين التيار وقوى شيعية أخرى متحالفة مع إيران.

وبعد انسحاب الصدريين الفائزين، آنذاك، بـ 73 مقعدا من العملية السياسية، كلّف محمد شياع السوداني، بدعم من الإطار التنسيقي الشيعي المقرّب من إيران، بتشكيل الحكومة.

أدى انسحاب التيار الصدري، وإعلان مقاطعته للانتخابات – المقبلة كذلك – إلى إعادة رسم الخريطة السياسية الشيعية، وفتح الباب أمام تحالفات جديدة يُتوقع أن تتنافس بشراسة في الحادي عشر من نوفمبر.

ويرى مراقبون أن الانتخابات المقبلة ستكون الأكثر أهمية منذ عقدين، إذ لا يتوقف الرهان فيها على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة فحسب، بل على تحديد مستقبل الزعامة داخل “البيت الشيعي” نفسه.

بين رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الساعي إلى ولاية ثانية عبر “ائتلاف الإعمار والتنمية”، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي يحشد لاستعادة نفوذه من بوابة “ائتلاف دولة القانون”، تتزاحم عشرات القوى المنضوية داخل الإطار التنسيقي أو خارجه. بعضها يضم وطنيين براغماتيين يسعون لإبقاء العراق بعيدا عن نيران النزاعات الإقليمية، وليبراليين يسعون إلى القضاء على نظام المحاصصة الذي مكّن القوى التقليدية من احتكار السلطة على مدى السنوات الماضية.

تتوزع القوى الشيعية في العراق بين معتدلين ومتشدّدين؛ بين من يدورون في فلك إيران ومن يعارضون تدخلها في الشأن العراقي؛ وبين من يركّزون على الهوية الدينية والطائفية ومن يرفعون شعار الدولة المدنية ومكافحة الفساد وتحسين الخدمات.

أبرز القوى السياسية الشيعية الإطار التنسيقي، الذي تشكل بعد انتخابات 2021 ويضم قوى متحالفة مع إيران.

لكن أطراف الإطار ليست متوافقة في أجنداتها السياسية. “السائد على سبيل المثال أن جميع أطراف الإطار التنسيقي تتبع إيران، لكن ذلك ليس صحيحا،” يقول مدير قسم الدراسات السياسية في مركز البيان للدراسات والتخطيط مصطفى السراي.

“من المعروف أن السوداني لا يميل لصالح إيران، ويحاول الموازنة في علاقاته مع طهران وواشنطن. كذلك المالكي وعمار الحكيم هم يلعبان على عملية التوازن بين الروحية الشيعية، لكنهما في الوقت ذاته لا يتفقان مع إيران بشكل تام ويحاولان الموازنة بين الهوية الداخلية والارتباط الخارجي،” يضيف السراي لـ”الحرة”.

“الأطراف الوحيدة التي يمكن القول أن لديها خطا إيرانيا واضحا هي الفصائل المسلحة داخل الإطار التنسيقي والتي تمتلك علاقات متينة مع طهران”.

على الطرف الآخر هناك الائتلافات المدنية والعلمانية وتلك القريبة من قوى انبثقت عن احتجاجات تشرين 2019، والتي يمكن القول إنها تمثل الضد النوعي للإطار التنسيقي.

وفي مقدمة التحالفات الكبرى، يأتي “إئتلاف الإعمار والتنمية” الذي شكله، هذا العام، رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، وائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

الانتخابات العراقية.. معركة “البيت الشيعي”

من المتوقع، وفق مراقبين، تنافس تحالف “الإعمار والتنمية” و”دولة القانون” بقوة لنيل حق تشكيل الحكومة.

“التوقعات ترجح حصول قائمة السوداني على 43 إلى 50 مقعدا، ودولة القانون ثانيا بواقع 34 إلى 40 مقعدا،” يقول السراي.

ويرجح أن تحصل حركة “صادقون”، الجناح السياسي لميليشيا “عصائب أهل الحق” على المرتبة الثالثة شيعيا بأكثر من 20 مقعدا، ورابعا “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم بمقاعد تتراوح بين 15 إلى 22 مقعدا.

تشير التقديرات إلى أن مجموع مقاعد المكون الشيعي ستتراوح بين 180 إلى 190 – من أصل 329 مقعدا – في انتخابات 11 نوفمبر، مع الأخذ بنظر الاعتبار غياب التيار الصدري المؤثر.

“يعيش البيت الشيعي اليوم حالة من القلق بسبب غياب الصدر، إذ بدأت جميع الأطراف تشعر بأن بعض أصوات البيت الشيعي قد تتآكل لصالح قوى منافسة: السنة أو الأكراد،” يقول الباحث والمحلل السياسي عصام الفيلي.

يضاف إلى ذلك، أن سقوف “الصراعات” داخل الإطار التنسيقي عالية جدا.

يقول الفيلي لـMBN إن “الخلافات واضحة بين المالكي والسوداني، وكل منهما ينافس للحصول على أعلى الأصوات من أجل الترشح لرئاسة الوزراء”.

من هنا، الواضح أن “المعركة” الحقيقية ستكون بعد الانتخابات وليس قبلها.

حدد الدستور العراقي مسارا معقدا لتشكيل الحكومة.

لنيل الحق دستوريا بترشيح رئيس للوزراء، يتوجب أولا تحديد الكتلة الأكبر، وهي ليست بالضرورة القائمة الفائرة بأكثر المقاعد في البرلمان، إنما تلك التي تتشكل داخل قبة البرلماىن بعد انعقاد أول جلسة للبرلمان الجديد.

في انتخابات عام 2021، لم يتمكن التيار الصدري من تشكيل الحكومة ، رغم فوزه بمقاعد أكثر من مقاعد أي من منافسيه، لأنه فشل في تشكيل “الكتلة الأكبر” داخل قبة البرلمان، فانسحب من العملية السياسية. وتمكنت القوى الشيعية المنافسة من تشكيل ما عُرف لاحقا بـ”الإطار التنسيقي”، الذي ضم قوى بلغ مجموع مقاعدها في البرلمان، آنذاك نحو 130 مقعدا.

لكن “الإطار التنسيقي” يعاني حاليا من تناقضات وخلافات داخلية.

“المشكلة تكمن في ما بعد الانتخابات، المالكي والعديد من قوى الإطار التنسيقي يسعون لمنع السوداني من الترشح لولاية ثانية،” يقول الفيلي.

ويرى السراي “أن السوداني إذا لم يتمكن من المرور عبر الإطار التنسيقي، فبالتأكيد سيحاول تفكيكه، وربما يجد تسوية مع مكونات أخرى لتشكيل الكتلة الأكبر كما حصل مع الصدر،” في البداية.

“هنا ستبدأ المعركة الكبرى،” ويمكن أن تشهد البلاد ثلاثة سيناريوهات، يفصلها السراي:

الأول: أن يتوصل السوداني لتفاهم مع قوى رئيسة من مكونات أخرى للترشح لرئاسة الوزراء، والأقرب لذلك هما الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني وتحالف “تقدم” السني، بزعامة محمد الحلبوسي، في استساخ لتجربة الصدر في 2021.

الثاني: أن يتمكن دولة القانون من الوصول لتفاهمات مشابهة مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني وتحالف “عزم” السني، بزعامة مثنى السامرائي ويشكلون الكتلة الأكبر ويرشحون رئيس وزراء.

السيناريو الثالث سيكون ضبابيا وينفتح على كل الاحتمالات، على اعتبار أن زعيمي تحالف “السيادة”، خميس الخنجر وتحالف “حسم” ثابت العيساوي، من المكون السني، غير واضحي التوجه، في هذا الجانب، وبالتالي يمكن ان يشكلا بيضة القبان في اختيار رئيس الحكومة المقبل.

شيعيا، ليس من المستبعد أن تتغير خريطة التحالفات بعد الانتخابات، لترجيح هذه الكتلة أو تلك.

توجهات الناخب الشيعي؟

يشكل المكون الشيعي الأغلبية المطلقة في محافظات الوسط والجنوب، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من بغداد.

ومع ذلك، فإن التوجهات الشعبية تغيرت مقارنة بأول انتخابات برلمانية جرت في 2005.

في السابق كان التوجه الطائفي هو السائد، لكن اليوم الوضع مختلف بعض الشيء، وفقا للفيلي.

“الناخب الشيعي بات من الواضح أنه بدأ ينأى بنفسه شيئا فشيئا عن الطائفة، ويفكر في البحث عن الأفعال والمنجزات،” يقول.

هناك أيضا اختلاف في توجهات سكان المدن الكبيرة مقارنة بالقرى والأرياف أو سكان المناطق الفقيرة، يضيف الفيلي “سكان الحواضر أكثر تحررا فكريا في هذا الإطار”.

لكن رغم المؤشرات على تغير توجهات الناخب الشيعي، هناك من يرى أن المزاج الانتخابي في مناطق الوسط والجنوب لا يزال محكوما بمعادلات راسخة يصعب تجاوزها.

يقول الباحث والأكاديمي العراقي عقيل عباس إن “التصويت الشيعي يميل عموماً إلى الاستقرار، فهناك قوى تفوز بشكل تقليدي في الانتخابات، وهذا يعود إلى إرث طويل من المعارضة لنظام صدام حسين صاغت مظالمها على أساس مكوّناتي”.

ويضيف عباس في حديثه لـ”الحرة” أن “النتائج تعتمد بدرجة كبيرة على المطالب المكوناتية، ما يجعل التنبؤ بالجهات التي ستحصد الأصوات أمرا ممكنا نسبيا، بفعل رسوخ سلطة الأحزاب الشيعية في مناطق نفوذها، خصوصا في محافظات الوسط والجنوب”.