تركيا تواجه إيران و”الكردستاني”.. في العراق

Loading

بينما كانت أنظار العراقيين تتجه شمالاً لمتابعة انسحاب مرتقب للجيش التركي من بلادهم، بعد إعلان حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح، فإذ هو يحدث العكس.

فقد صادق البرلمان التركي، في 21 أكتوبر الماضي، على مذكّرة رئاسية تقضي بتمديد إرسال القوات العسكرية لإجراء عمليات خارج تركيا لثلاث سنوات إضافية.

الهدف المعلن للخطوة من قبل تركيا هو مواجهة الهجمات المحتملة للمقاتلين الأكراد المناوئين لها في العراق وسوريا.

لكن التوقيت بدا لافتاً، إذ تزامنت الخطوة مع استمرار عملية السلام بين أنقرة و”الكردستاني” عقب النداء الذي وجهه زعيمه عبد الله أوجلان، في 27 فبراير الماضي، من معتقله في جزيرة إيمرالي التركية، ودعا فيه الحزب إلى حلّ نفسه والتخلّي عن السلاح.

واستجابة لهذا النداء، أعلن الحزب، في 12 مايو الماضي، حلّ بنيته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، وطالب تركيا بمنح أوجلان “حق إدارة المرحلة المقبلة، والاعتراف بحقه في العمل السياسي”.

ويتمتع حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة منذ 40 عاماً بوجود قويّ في العراق، ويشنّ هجمات انطلاقاً من إقليم كردستان، يقابلها توغّل للجيش التركي داخل أراضي الإقليم بعمق يصل إلى نحو 40 كيلومترا.

وإذا ما كان التصدي للمقاتلين الأكراد أحد أهم أسباب بقاء الجيش التركي في العراق، فإن إيران لا تبدو خارج المشهد.

صراع النفوذ مع إيران

منذ مطلع التسعينيات، توغّل الجيش التركي في الأراضي العراقية، بحجة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وفي عام 2014، زاد الجيش التركي رقعة انتشاره في شمال وشرق مدينة الموصل، بهدف مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي وتدريب المتطوّعين العراقيين لمحاربته.

ورغم ما انتهى إليه “داعش” في سوريا والعراق والتغيير الجذري في خطاب ونشاط حزب العمال الكردستاني، بدت تركيا عازمة على الاحتفاظ بوجود عسكري في شمال العراق، قوامه آلاف الجنود وأكثر من 200 قاعدة وموقع عسكريّ.

ويوضح الباحث السياسي التركي إسلام أوزجان لـ”الحرة” أن قرار البرلمان التركي استمرار للغطاء القانوني الداخلي للعمليات عبر الحدود، التي تشمل الملاحقات الجوية والمدفعية والعمليات الخاصة ضد مقاتلي العمال الكردستاني (PKK) في العراق، ووحدات حماية الشعب السورية (YPG). يضيف: “الهدف الأساسي من التمديد للقوات التركية هو بناء حزام أمني أعمق شمالي العراق وسوريا”.

وإلى جانب أهداف أنقرة الخاصة بالتصدي للمقاتلين الأكراد، هناك الحسابات الخاصة بطهران، كما يقول المحلل السياسي في مركز “رامان” للبحوث والاستشارات، شاهو قره داغي.

“تمديد الوجود العسكري التركي في العراق خطوة استراتيجية مباشرة لملء الفراغ الذي خلّفه تراجع إيران في سوريا ولبنان، وفي وقت ذاته قطع الطريق أمام طهران لاستغلال الأوضاع في العراق وجعله ساحة لمواجهة المصالح التركية”، يؤكد قره داغي.

ورغم سياساتهما المختلفة ودعمهما عدداُ من الأطراف المتصارعة، نجحت الدولتان، تركيا وإيران، في تفادي أيّ صدام عسكري بينهما في سوريا، وبقيت المصالح الاستراتيجية والاقتصادية تقلّل احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بينهما.

يؤكد أوزجان أن “تركيا تريد منع ترسيخ كيان كردي مسلّح متاخم لحدودها، بينما إيران تركّز على ممرات برية وموطئ قدم عسكري–سياسي في وسط وجنوب العراق”.

موقف العراق

على هامش وضع حجر الأساس للحيّ الدبلوماسي في بغداد، في 24 أكتوبر الماضي، وصف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين العلاقات بين بغداد وأنقرة بالجيدة، وأشار إلى أن الحكومة العراقية تجري مناقشات مع تركيا بخصوص قرار تمديد فترة بقاء قواتها في العراق.

وإلى أن تأتي هذه المناقشات بنتائج حاسمة، يبقى الوجود العسكري التركي في شمال العراق مرشّحاً للاستمرار إلى أجل غير مسمى.

يعتقد الباحث السياسي العراقي، علي زغير جبر، في حديثه مع “الحرة” أن “عمر الوجود العسكري التركي” يرتبط بثلاثة ملفات أساسية، هي إنهاء تهديد حزب العمال الكردستاني بالكامل، وضمان عدم عودته في المستقبل، وتقويض جهود قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من أجل إقامة حكم فيدرالي في سوريا.

ويوضح جبر أن “تداخل هذه الملفات بشكل جيوسياسي وعدم وجود أفق زمني محدد لحلها وفقا للتصور الاستراتيجي التركي، يدفع أنقرة إلى الإبقاء على قواعدها وتواجدها العسكري في العراق، وهي لن تفكر بالتخلي عن هذا الوجود العسكري أو تستجيب لأيّ مطالبة من قبل العراق، مالم تصل إلى حلّ نهائي لهذه الملفات.”

وكان قرار حزب العمل الكردستاني قد أحيا آمال العراق بأن يشكّل مدخلاً لانسحاب الجيش التركي من أراضيه، لكن الوصول إلى مصالحة داخلية كاملة بين أنقرة والحزب، تسهم في نجاح “المناقشات العراقية – التركية” ما يزال أمراً متعذّراً.

يلفت قره داغي إلى أهمية “قرار الكردستاني” بشأن التوصّل إلى تفاهمات بين البلدين، ويوضح أن المفاوضات بين البلدين ستركز على الوصول إلى نتائج مرضية لهما.

وكان البرلمان التركي قد أقرّ، مطلع أغسطس الماضي، تشكيل لجنة برلمانية خاصة، للإشراف على عملية السلام في البلاد عبر صياغة تعديلات تشريعية تواكب مرحلة ما بعد الصراع المسلّح مع حزب العمال الكردستاني، وإعداد الإطار القانوني لانتقال الحزب ومقاتليه إلى العمل السياسي.

وحدد البرلمان تاريخ 31 ديسمبر المقبل موعداً لانتهاء عمل اللجنة المكونة من 48 نائباً، مع جواز تمديد هذه المدة بقرار منها.

وإذا قدّر لهذه الجهود البرلمانية والمفاوضات التركية – العراقية، بأن تفضي إلى نتيجة وتسهم في حسم مصير الوجود العسكري التركي في العراق، فإن قرار البرلمان التركي نفسه بتمديد هذا الوجود العسكري، يعطي إشارة معاكسة، ويصعّب مهمة التكهّن بمآلات الأمور.