![]()
تواصل تركيا مساعيها للمشاركة في القوة الدولية المزمع تشكيلها لمراقبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، تحاول إيجاد موطئ قدم لها في عملية إعادة إعماره.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بعد اجتماع كلّ من قطر والسعودية والإمارات والأردن وإندونيسيا وتركيا في إسطنبول، الإثنين، إن العمل لا يزال جاريا بشأن تشكيل هذه القوة.
لكن تحقيق أنقرة لهذين الهدفين معاً يتطلّب نجاحها في إحداث ثغرة في جدار “الفيتو الإسرائيلي” على مشاركتها في القوة الدولية.
وفي هذا السياق، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، رفضه مشاركة أنقرة في هذه القوة.
ولم يكن الرفض الإسرائيلي مفاجئاً بالنظر إلى مسار التوتر في العلاقة بين البلدين منذ السابع من أكتوبر 2023. فقد دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة بحق سكان القطاع، وأبدى دعمه الصريح لحركة “حماس”.
وتثير مساندة تركيا لـ”حماس” خشية إسرائيل من أن يدعم أيّ دور محتمل لأنقرة في القطاع الحركة بدلاً من تفكيكها، كما ذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
ولا يبدو أن إسرائيل وحدها من يعترض على دور واسع لتركيا في قطاع غزة، فثمة دول خليجية لا تنظر بعين الرضى إليه لأسباب يتقدّمها الدعم التركي لـ”حماس”-إحدى حركات الإسلام السياسي.
وإذا كان رفض هذه الدول للدور التركي يستند إلى دعم أنقرة لـ”حماس”، فإن إسرائيل تخشى تمدد النفوذ التركي إلى غزة، وأن يتقاطع هذا النفوذ مع ما يجري في المحيط.
نموذج سوريا في غزة
منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر 2024، سارعت تركيا إلى الترحيب بذلك، وأبدت دعمها لـ”هيئة تحرير الشام”، قبل أن تعلن الأخيرة حلّ نفسها في يناير 2025.
ومنذ يناير الماضي، قدّمت أنقرة دعماً سياسيّا وأمنيّا وماليّا للسلطة الجديدة في سوريا، وأبقت على نحو 20 ألف جنديّ تركيّ في شمال البلاد.
أما إسرائيل، فدفعت بقواتها إلى الجنوب السوري، وباتت تسيطر على مئات الكيلومترات، بما فيها قمة جبل الشيخ الاستراتيجية.
كما شنّت غارات جوية متكررة استهدفت تدمير عتاد عسكري في مواقع متفرّقة في سوريا.
ومع تحوّل سوريا إلى خطّ تماس بين الدولتيْن بسبب حضورهما العسكريّ فيها، تخشى إسرائيل “إزاحة هذا الخط إلى قطاع غزة”، مع إعادة استنساخ تركيا لتجربتها في سوريا.
يقول مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، سونر جاغاپتاي، إن”ما تريده تركيا لغزة هو ما أسميه النموذج السوري، أي أنها دفعت جماعة متشددة، مثل هيئة تحرير الشام إلى الحكم، ثم شجّعتها على الاعتدال من خلال ممارسة الإدارة اليومية، مثل تشغيل الحافلات وجمع القمامة وتدريب شرطة المرور”.
“هذا بالضبط ما تريده تركيا في غزة: دفع حماس نحو الاعتدال من خلال الحكم” يؤكد جاغاپتاي لـ”الحرة”.
وفضلاً عن سوريا، تنتشر عشرات القواعد العسكرية التركية في دول ليبيا والصومال والعراق وغيرها، وهو ما يطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت أنقرة تحاول بناء محور جديد في المنطقة.
“تركيا هي بالفعل محور بحد ذاتها، وتسعى لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي في بلاد الشام”، تعلّق أصلي أيدن طاشباش، الباحثة في “معهد بروكينغز” على هذا التساؤل.
موقف الإمارات والسعودية
لطالما تصدّت دول خليجية مثل الإمارات لمحاولات تمدد أحزب الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وغزة وحماس لا تشكّلان استثناء.
يشدد جاغاپتاي على أن “السعوديين والإماراتيين لا يتفقون مع هذا (الدور التركي في غزة)، لأنهم يرون في حماس وجماعة الإخوان المسلمين امتداداً يمثّل تهديداً كبيراً للأمن الإقليمي والداخلي.
أما الإسرائيليون، فهم أكثر رفضاً لأيّ دور تركي، ويعارضون بشكل كامل أيّ وجود عسكري تركي في غزة”.
وتقول الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط غونول تول، في حديث مع “الحرة”، إن هناك منافسة كبيرة بين تركيا والإمارات على النفوذ، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في القرن الأفريقي أيضاً.
كلّ ذلك، يجعل طريق النفوذ التركي إلى غزة ومناطق أخرى في الشرق الأوسط أكثر وعورة.
وقد شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، على ضرورة موافقة الأخيرة على الدول المشاركة في القوات الدولية، وهو ما يتناغم مع الموقف الإسرائيلي في هذا الصدد.
غير أن الدور التركي في غزة، يواجه تحدّيات معقدة، كما يؤكد المحلل السياسي السعودي خالد باطرفي لـ”الحرة”، ويوضح أن “التحديات هي الانقسام الفلسطيني الداخلي، وتفاوت المواقف الخليجية من إسرائيل، وضغوط الولايات المتحدة التي تخشى تمدد النفوذ التركي في العالم العربي، إضافة إلى تعقيدات استمرار الاحتلال وتوسع الاستيطان”.
كلّ ذلك يحدّ من فرص أنقرة للعب دور واسع في غزة، ويفرض عليها الاستعانة بأطراف أخرى، مثل واشنطن والدوحة من أجل تحقيقها، وهو ما تقوم به حاليّا، كما يؤكد مراقبون.