![]()
رجل أعمال شاب، داعم بارز للرئيس الأميركي دونالد ترامب في ديترويت، متخصص في قطاع القنّب الطبي (الماريغوانا الطبية/التجارية).
هذه أبرز ثلاث حقائق عن مارك سافايا، الذي أعلن ترامب هذا الأسبوع تعيينه في منصب “المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق”. لكن الحقيقة الأكثر أهمية، بالنسبة للعراقيين على أقل تقدير، هي أن سافيا أميركي – عراقي، تنحدر عائلته من منطقة سهل نينوى في مدينة الموصل شمالي العراق، ما يعني أن لديه إطلاعا على ما يجري في بلده الأم، ويمكن أن يلعب دورا في إعادة تشكيل العلاقة بين بغداد وواشنطن.
يثير هذا التعيين تساؤلات كثيرة عما إذا كانت هناك استراتيجية أميركية جديدة تجاه بغداد، خاصة في سياق التنافس الإقليمي والملفات الأمنية والاقتصادية الشائكة، وقرب موعد الانتخابات العامة في العراق، نوفمبر المقبل.
“من الناحية الإيجابية، يُظهر هذا التعيين اهتمام الإدارة الأميركية بالعراق كدولة إقليمية مهمة، ويضمن من خلاله أن يكون للعراق قناة مباشرة للوصول إلى الرئيس ترامب”، يقول السفير الأميركي السابق في العراق، جيمس جيفري لـ”الحرة”.
“أما من الناحية السلبية، فهو يعكس تجاهل إدارة ترامب، بل وربما ازدراءها، لجهاز السلك الدبلوماسي المهني الذي كان يدير ملف العراق تقليديا”، يضيف.
يأتي تعيين سافايا في وقت حساس تمر به العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق، وفي الوقت ذاته “يُشير إلى رغبة واشنطن في زيادة انخراطها في العراق، أو على الأقل إعطاء الانطباع العام بأنها تريد ذلك”، بحسب جيمس جيفري.
وتمكن أهمية الخطوة كذلك، في أن سافايا هو الثاني بعد بول بريمر (2003-2004) الذي يشغل هذا المنصب الحساس، إذا ما استثنينا بريت ماكغورك، الذي شغل منصبا مشابها نوعا ما وهو المبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي ضد داعش.
سيضطر سافيا إلى التعامل مع الملفات الأكثر أهمية تعقيدا في العراق، وهي النفوذ الإيراني والميليشيات الموالية لطهران، ووجود القوات الأميركية، لكن الملف الأكثر إلحاحا في الوقت الراهن وهو الانتخابات العامة، بعد ثلاثة أسابيع من الآن.
“أعتقد أن مهمة الرجل ستكون صعبة سواء في ملف التعاون مع الحكومة العراقية المنبثقة عن الانتخابات أم في ملف الميلشيات المرتبطة بإيران، وكذلك في الملف الاقتصادي العراقي”، يقول أستاذ الإعلام الدولي زياد العرار.
“لديه عمل كثير هنا في العراق لينجزه، مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم امتلاكه خبرة سياسية، وهو ما سيزيد من صعوبة المهمة”، يضيف العرار لـ”الحرة”.
تعتبر قضية الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران واحدة من أكثر القضايا حساسية التي توليها الولايات المتحدة أهمية واضحة.
يكرر المسؤولون الأميركيون في عهد ترامب التحذير بأن هذه الفصائل تمثل تهديدا لاستقرار العراق وللمصالح الأميركية في المنطقة.
وتضغط واشنطن باستمرار على بغداد للحدّ من قدرة هذه الميليشيات على استهداف قواعد أو مصالح أميركية، وتجنب استخدام موارد الدولة لتغذية نفوذ خارجي، في إشارة إلى إيران.
الثلاثاء، شددت واشنطن على ضرورة الإسراع في نزع سلاح الميليشيات المدعومة من إيران، التي قالت إنها “تقوض سيادة العراق، وتهدد حياة وأعمال الأميركيين والعراقيين، وتنهب موارد البلاد لصالح إيران”.
جاء هذا التحذير على لسان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، بعد ثلاثة أيام فقط من تعيين سافايا مبعوثا خاصا إلى العراق، في توقيت يرى مراقبون أنه لم يأت نتيجة مصادفة.
ويقول المحلل السياسي فاضل العرار إن التزامن بين الحدثين يشير إلى دور محتمل لسافايا في ملف الجماعات المسلحة، خصوصا بعد الدور الذي لعبه مؤخرا في قضية تسوركوف.
في مطلع الشهر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إطلاق سراح الباحثة الإسرائيلية الروسية إليزابيث تسوركوف، التي كانت مختطفة في العراق منذ عام 2023، ويُعتقد أن ميليشيا “كتائب حزب الله” هي المسؤولة عن احتجازها.
وبعد إعلان تعيين سافايا، نشرت تسوركوف على منصة “إكس” أن الرجل لعب “دورا مهما” في الإفراج عنها، وأرفقت مقطع فيديو يظهر فيه وهو يحتضنها قائلا إنه “سعيد لأنها باتت بأمان”. كما شكرت سافايا علنا، ووصفت تعيينه بأنه “خبر سيئ لمن يخدم مصالح إيران في العراق”.
العرار يرى أن هذا الملف يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الذي أداه سافايا. ويتساءل: “كيف وصل إلى هذا الدور؟ كيف تمكّن من التواصل مع الخاطفين؟
ويضيف العرار ملابسات الإفراج عن تسوركوف “تؤكد أن لدى سافايا خبرة واسعة في ملفات الميليشيات والمجاميع المسلحة، وخصوصا تلك المرتبطة بإيران”، معتبرا أن ذلك “يعطي انطباعا بأنه سيؤدي دورا محوريا في التعامل مع هذه الميليشيات، سواء عبر دمجها في العملية السياسية، أو بالعمل ضد مصالحها بشكل مباشر”.
هذا الجدل حول خلفية سافايا وأدواره السابقة يدفع إلى السؤال: لماذا اختارت إدارة ترامب تعيين مبعوث خاص إلى العراق في هذا التوقيت تحديدا؟
إدارة ترامب أظهرت تاريخا من تعيين مبعوثين مقربين لفتح خطوط اتصال استثنائية مع دول أو قضايا حسّاسة بدلا من الاعتماد الكلي على وزارة الخارجية.
“هذا الأسلوب يخدم رغبة الرئيس في التعامل مع شخصيات يثق بها وقادرة على اتخاذ قرارات أسرع أو تمثيل إرادة الإدارة مباشرة أمام شركاء خارجيين”، وفقا لنائب مساعد وزير الأمن الوطني الأميركي سابقا توم واريك.
ويضيف واريك في حديث مع “الحرة” أن “الرئيس ترامب يفضل التعامل مع مبعوثين يتمتعون بسلطات واسعة ويعرفهم ويثق بهم، بدلا من اتباع النهج التقليدي لوزارة الخارجية الذي يترك معظم مهام الدبلوماسية للدبلوماسيين المهنيين مع وجود منسقين في البيت الأبيض”.
ومن المعروف أن ترامب عين منذ توليه الرئاسة في يناير الماضي عدة مبعوثين خاصين، جميعهم رجال أعمال، من أبرزهم المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف والمبعوث الخاص لسوريا توم باراك، والمبعوث الخاص للشؤون الإفريقية والعربية مسعد بولس.
وتعتبر علاقة مارك سافايا بإدارة ترامب عاملا حاسما في تعيينه.
يُعرف سافايا بأنه داعم ومُقرب من الرئيس دونالد ترامب والجمهوريين، وقد ساهم بشكل فعال في حملات التبرعات لصالح الحزب الجمهوري وحملة ترامب الرئاسية.
في عام 2020، تبرع سافايا بأموال لحملة ترامب، وفي 2024، ساهم في تعبئة الناخبين المسلمين والعرب في ميشيغان، الولاية المتأرجحة، وساهم في الجهود التي مكنت ترامب من الحصول على عدد أصوات قياسي بين هذه الفئات. ووصفه ترامب بأنه “لاعب رئيسي في حملته الانتخابية في ميشغان”.
حضر سافايا تجمعات ترامب، وصُور معه في ملاعب غولف وفعاليات “ماغا” (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى).
في عام 2018، أسس سافايا شركة “ليف آند بود” وهي سلسلة متاجر للقنب الترفيهي والطبي في ميشيغان، بعد تشريع يسمح ببيع القنب في الولاية.
أصبحت الشركة واحدة من أسرع الشركات نموا في القطاع.
رحب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالتعيين، وقال إنه “خطوة مهمة”، خاصة مع جذور سافايا العراقية.
بالإضافة لأصوله العراقية، وانتمائه إلى عالم الأعمال، يُنظر إلى تعيين سافايا على أنه دلالة على تركيز واشنطن أيضا على الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في العراق، وليس فقط الملفات السياسية والنفوذ الإيراني.
فقد يساعد تعيينه على تسهيل فرص الشركات الأميركية في السوق العراقية، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، بعيدا عن الروتين الحكومي.
وكون سافايا أميركيًا من أصول كلدانية، فهو يمتلك فهمًا عميقًا للنسيج الاجتماعي والسياسي للعراق. قد تستغل الإدارة هذه الخلفية لفتح قنوات اتصال غير رسمية مع الفصائل والقوى السياسية المختلفة، وربما التركيز على قضايا الأقليات في البلاد.
“اليوم، أمام العراق فرصة لبناء علاقة عمل جيدة مع الرئيس ترامب وفريقه، مع الاستمرار في التعاون مع وزارة الخارجية في القضايا اليومية المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والأمني،” يقول توم واريك.
سيعتمد نجاح سافيا على عاملين، وفقا لجيمس جيفري.
“الأول مدى وصوله المباشر لترامب ومكانته لدى الرئيس، والثاني مدى إلمامه بالقضايا الجوهرية المتعلقة بالعراق والعلاقات العراقية-الأميركية، أو قدرته على استقطاب خبراء ودبلوماسيين مهنيين لمساعدته في ذلك”.