بقلم: محمد يوسف محمد
mohamedyousif1@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أن سقطت الخرطوم توجهت نظرة الغزاة مباشرة للجزيرة وكانوا يتسللون إليها ويقومون بتصوير فديوهات من داخل الجزيرة وينشرونها في الوسائط، حدث هذا عدة مرات وكان هذا مؤشر واضح على قدرتهم على إختراق التحصينات ومؤشر واضح أيضاً على أطماعهم فيها وأن الجزيرة هي الهدف الثاني بعد الخرطوم ولكن رغم ذلك لم تجد الجزيرة الإهتمام الكافي بتحصينها ضد الغزو رغم تدافع أبنائها للإنخراط في المقاومة الشعبية قبل إحتلالها والجميع يعلم أن الغزاة دخلوا إلى الجزيرة بعد إنسحاب جميع القوات منها وتركوها للغزاة بعد أن تم خداع المواطن بإحتفال زائف عصر الأحد بأنهم دحروا الغزاة وبعض مضى عدة ساعات كان الغزاة في قلب مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة وإستباحوها وكل قرى ومدن الجزيرة وشرعوا فيها نهباً وتقتيلاً وتنكيلاً، وحسب ما تواترت الأنباء حينها فقد تم تشكيل لجنة للتحقيق مع قائد المنطقة العسكرية لمعرفة سبب إنسحابة المفاجئ من المدينة وتسليمها للغزاة، ولكن حتى الآن بعد مرور عامين على هذا الحادث الأليم لم تعلن نتائج هذا التحقيق وهناك أقاويل متداولة منسوبة لبعض الشخصيات المدنية والعسكرية الشهيرة أن الإنسحاب المفاجئي من الجزيرة كان مخطط له بغرض تفريغ الخرطرم من الغزاة وحتى يتم تحرير الخرطوم بعد ذلك، ولا أعتقد أن هذا منطقي فلا يمكن أن تضحي بمنطقة إنتاج وثقل سكاني مثل الجزيرة وتعرضها للدمار الشامل وتدمير بنيتها التحتية ومؤسساتها الخدمية وتعرض مئات الآلاف من المواطنين للقتل والنهب كي تحرر الخرطوم التي تم تدميرها بالفعل.
المؤسف أنه حتى بعد تحرير الجزيرة في مطلع 2025م إستمر التهميش للجزيرة ولم تجد الجزيرة أي إهتمام أو دعم من المركز لإستعادة الخدمات الضرورية بها بل قام مواطني الجزيرة بشراء محولات الكهرباء وطلمبات المياه وغيرها من الضروريات عبر مساهماتهم الخاصة من ما تبقى من مدخراتهم المنهوبة وهناك مناطق في الجزيرة لازالت حتى الآن في الظلام لعدم وجود المحولات.
وبعد كل هذا المجهود الذي قام به المواطن لإستعادة الخدمات لم ينعم بها فبينما تعلن ولاية الخرطرم توقف برمجة القطوعات الكهربائية تستمر الجزيرة في الظلام عبر برنامج قطوعات قاسي لساعات طويلة رغم توقف المصانع وقلة الحمولة، وبينما كان العاملين في ولاية الخرطوم والوزارات الإتحادية يصرفون مرتباتهم شهرياً بإنتظام طوال فترة الحرب عبر التطبيقات البنكية في مناطق نزوحهم دون إنقطاع فإن العاملين بالجزيرة لديهم متأخرات مرتبات عام كامل أثناء الإحتلال لم يصرفوها حتى الآن.
ولاية الخرطوم قام بزيارتها كل قيادات الدولة عدة مرات وكونت لها لجنة عليا برئاسة عضو المجلس العسكري إبراهيم جابر لتزليل كل العقبات التي تقف في إستعادة الخدمات وكل ذلك في إطار (تحنيس) مواطني الخرطوم للعودة فالتهديدات بالفصل من العمل وسحب الرخص التجارية لم تجدي معهم ولم يتبقى شيء للحكومة لم تفعله لمواطني الخرطرم للعودة غير أن تخصص مبلغ مالي ضخم كحافز لكل مواطن يعود للخرطوم، بينما لا أحد يهتم بالجزيرة والثمن الذي دفعه مواطنيها من أرواحهم وأموالهم!! وما حدث فيها من مجهود لإستعادة الخدمات جزئياً تم بأموال أبنائها والآن الجزيرة تفتك بها الأمراض وينتشر الباعوض والذباب والكوليرا والتايفود وحمي الضنك والملاريا وبعد أن وعدوا المواطنين بحملات رش بالطائرات ومضي أسابيع تفجأنا بأن الحملة تم توجيهها للخرطوم وتناقلت الأنباء عن هبوط سرب من الطائرات بمطار الخرطوم لتنفيذ حملات الرش في الخرطوم دون أن نعرف سبب إهمال الجزيرة مع العلم بأن الحملة كان من الممكن أن تتم في الولايتين معاً في نفس الوقت فالجزيرة لم تعد تحتمل المزيد من الصبر والمبيت تحت الباعوض والذباب والظلام.
منذ أن إكتمل تحرير الجزيرة كنت أتوقع أن تكون الحكومة المركزية لجنة طوارئي عليا لإعادة إعمار كل مدن السودان التي تعرضت للدمار وليس للخرطوم فقط وتقوم هذه اللجنة العليا بزيارة كل المدن والولايات والوقوف ميدانياً على حال الخدمات الضرورية فيها والمؤسسات العامة ولكن هذا لم يحدث ومرت عدة شهور دون أن تجد الجزيرة أي إهتمام من المركز رغم مشاركة أبنائها في تحرير الخرطوم وفي الخطوط الأمامية وقدموا عدد كبير من الشهداء وتحت نار الحوجة أجبر مواطني الجزيرة للدفع من ما تبقي من أموالهم التي فقدوا جلها بسبب الحرب وذلك لإستعادة الخدمات، والآن بعد ثمانية أشهر تشرفت الولاية بزيارة نائب الرئيس مالك عقار ثم تلتها زيارة رئيس الوزراء كامل إدريس، والسؤال بعد هذه الزيارات التي تأخرت ثمانية أشهر ما هي الوعود التي خرجت بها حكومة ولاية الجزيرة؟ وهل تملك حكومة الجزيرة رؤية واضحة لإعادة الإعمار والإحتياجات الضرورية المطلوب توفيرها لإعادة خدمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم ومتأخرات العاملين وحوجة مؤسساتها؟ أم أن هذا لم يتم حصره وتحديده والجزيرة ليست من الأولويات؟
The post ماذا عن الجزيرة.. هل تركت للظلام والباعوض والذباب؟ appeared first on سودانايل.