خوارزميات صعود التافهين (2)

خوارزميات صعود التافهين (2)

Loading

خوارزميات صعود التافهين (2)

ابتداءً من سوق عكاظ محمد الحسن محمد نور في المقال السابق، تناولنا الآلية الخوارزمية التي تدفع بـ”التافهين” إلى واجهة المشهد، وتتعهدهم حتى يغدوا نجوماً، ثم قادة يسوقون المجتمع بالجهل إلى المجهول وبئس المصير. أما في هذا الجزء، فسنحاول تتبّع الجذور التاريخية لهذه الظاهرة في مجتمعاتنا القديمة، لنفهم الأسباب التي تجعل المحتوى السطحي يلقى رواجًا في مجتمعاتنا أكثر من غيرها. فالسطحية لم تُولد من رحم وسائل التواصل الاجتماعي وحدها، والتكنولوجيا ليست هي المتهم الأول؛ بل إن التراكم الثقافي منذ الجاهلية قد رسّخ قيمة الشكل على حساب المضمون. ففي الجاهلية، كانت الحياة كلها تقريبًا تدور حول سوق عكاظ، حيث كان الشعر والخطابة يتربّعان على قمة الهرم الثقافي. في ذلك السوق، كان الإبهار السمعي هو معيار التفوق، وكان الشاعر النجم الأول والإعلامي الأبرز. هناك تكرّس مجد القول على الفعل، وصار التضخيم والمبالغة سمة الخطاب، واعتمدت البلاغة في تغيير الواقع والحقيقة. ولكي نستبين الأمر، دعونا نستأنس ببعض النماذج وتأثيرها. فامرؤ القيس يقول: وَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي ⋆ وَإِنْ خِلْتِ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ انظر كيف يبالغ الشاعر في وصف الملك بما يجافي المنطق، ورغم ذلك يخلد مثل هذا القول الزائف ويبقى حيًا لعشرات القرون حتى يصل إلينا. وعمرو بن كلثوم يتباهى بقبيلته مبالغةً تصل حد الأسطورة: إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ ⋆ تَخِرُّ …

The post خوارزميات صعود التافهين (2) appeared first on سودان تربيون.