“إذا لم يلقوا سلاحهم، فسننزعه، وسيحدث ذلك سريعا وربما بعنف”، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنبرة حادة لدى سؤاله عن مستقبل سلاح حماس في غزة.
جاءت هذه التصريحات بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، الاثنين الماضي، بين إسرائيل وحماس الذي توسط فيه ترامب وتضمن 20 بندا.
حتى الآن جرى تنفيذ عدة نقاط مهمة في الاتفاق، ومنها تسليم جميع الرهائن الأحياء وجثث آخرين، مقابل إطلاق سراح فلسطينيين من سجون إسرائيلية ووقف العمليات العسكرية.
“هذه الإنجازات، رغم أهميتها، هي بمثابة الثمار السهلة القطف، أما المهمة الأصعب فهي إجبار حماس على نزع سلاحها،” يقول الزميل الأقدم في مجلس السياسة الخارجية الأميركي، ماكس أبراهامز لـ”الحرة”.
الحديث عن سلاح حماس لا يقتصر على قائمة قطعٍ عسكرية مرصودة هنا وهناك، لكنه يتصل ببنية لوجيستية متكاملة. هناك صواريخ، مخازن سلاح، ورش تصنيع محلية، شبكات تهريب، شبكة أنفاق معقّدة تمتد لكيلومترات تحت الأرض.
بالتالي، فإن مفهوم نزع السلاح يتجاوز جمع الأسلحة الظاهرة، ويعني هذا أنه يجب أن يشمل تفكيكًا منهجيًا لورش تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة، وإغلاق أنفاق التهريب، وقطع سلاسل التمويل، وتعطيل بنيات القيادة والاتصالات التي مكنت الحركة من إدارة عمليات معقدة وطويلة الأمد على مدى سنوات.
“نزع السلاح ممكن من الناحية النظرية، لكنه صعب جدًا إن لم يكن مستحيلاً”، يقول الكولونيل احتياط في الجيش الإسرائيلي رؤوفين بركو في حديث مع “الحرة”.
يربط بركو أسباب هذه الصعوبات بغياب “إرادة تنفيذية قوية وبنية بديلة قادرة على فرض القانون” في غزة.
ونوّه الكولونيل الإسرائيلي إلى تمييز عملي بين أنواع السلاح: فإزالة “القدرات الثقيلة من قاذفات ومنصات صواريخ وأنظمة هاون، تبدو أكثر قابلية للتنفيذ من مصادرة آلاف من الأسلحة الصغيرة المخزّنة داخل المنازل”.
كذلك يحذر من أن بقاء السلاح الصغير منتشرا سيبقي نافذة لإعادة التسليح.
كما ركز بركو على عامل “المنع الخارجي”: أن تهريب السلاح مستمر عبر قنوات معقدة، وفاعلية الرقابة على المعابر والحدود، خصوصا مع مصر، ستكون حاسمة لنجاح أي مسعى تجريدي.
وشدد على أن نجاح أي مسار عملي يتطلب عنصرًا وسطيًا يمتلك قدرة تنفيذية حقيقية، قوات عربية أو دولية أو خليطًا منهما، لفرض قواعد مرحلة انتقالية، لكنه حذر من أن التجارب السابقة أظهرت حدود نفوذ القوات الدولية ما لم يرافقها غطاء سياسي وإمكانات رقابية فعلية مثلما حدث مع حزب الله في بعد حرب عام 2006.
من هنا وفي ظل الظروف الحالية على الأرض في غزة والضغوط التي تتعرض لها حماس، تطرأ عدة سيناريوهات رئيسية للطريقة التي سينتهي بها سلاح حماس، وفقا للباحث الفلسطيني في قضايا الحكم والسياسة جهاد حرب. أحدها سيطرة إسرائيل على قطاع غزة عسكريا والقيام بعملية نزع السلاح وتدمير الانفاق.
“هذا السيناريو صعب التطبيق، على اعتبار أن إسرائيل لم تنجح على مدار عامين القضاء على حركة حماس، وبالتالي قد يأخذ ذلك وقتا طويلا وتكون هناك خسائر كبيره بالأرواح وخاصة لدى الفلسطينيين،” يقول حرب.
السيناريو الثاني هو أن يتم نزع السلاح عبر قوات حفظ سلام دولية يصدر قرار فيها من مجلس الأمن، بحيث تقوم بعملية نزع السلاح وتسريح المقاتلين ودمجهم في المجتمع، في عملية مشابهة نفذتها الأمم المتحدة في أكثر من دولة وخاصة في أميركا اللاتينية وأفريقيا.
“نسبة تنفيذ هذا السيناريو على الأرض ضعيفة لعدة أسباب، من أهمها وجود تحفظات إسرائيلية وأميركية على مسألة التدويل” يشير حرب.
“أما السيناريو الأقرب للواقع فيتضمن تواجد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة على أن تعمل على إبرام اتفاق مع حركة حماس لتسليم الأسلحة مع منح ضمانات لمسلحيها بعدم محاسبتهم مستقبلا أو ملاحقتهم من قبل اسرائيل، كما حصل في آيرلندا”.
“لا اعتقد أن أي أحد قادر على القيام بتجريد حماس من السلاح من دون أفق سياسي،” يقول حرب، الذي يراهن على قدرة السلطة الفلسطينية على العودة تدريجيًا إلى غزة والتوصل إلى تفاهمات مع حماس لتسليم أسلحة مقابل ضمانات (أمنية وقانونية) ومراحل لإعادة الإدماج.
لكن تبقى الإشكالية الأساسية في الحوافز: فالسلاح بالنسبة إلى حماس ليس مجرد أداة قتالية، بل جزء من منظومة نفوذ وهوية.
“للذلك يجب أن تُقترن أي إجراءات أمنية ببرامج إعادة دمج للمقاتلين، وحلول اقتصادية مستدامة، وضمانات سياسية تعالج فراغ الشرعية المحلية وتمنح السكان بدائل ملموسة” يقول بركو.
هناك في غزة، الشريط الساحلي الضيق الذي يمتد لـ41 كيلومترًا على البحر المتوسط، كان الهدوء الذي حل بعد وقف النار يشبه الهدوء قبل العاصفة.
لمدة عامين، منذ 7 أكتوبر 2023، حين اندلعت الحرب بعد هجوم حماس الذي أودى بحياة 1200 إسرائيلي وأسر 251 رهينة، تحولت غزة إلى جحيم.
قُتل أكثر من 66 ألف فلسطيني، معظمهم مدنيون، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، ودمرت ثلاثة أرباع المباني.
اليوم، غزة تتنفس الصعداء مؤقتًا، لكن شبح عودة الحرب لا يزال قائما.
الخميس، قال ترامب في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي إنه إذا استمرت حركة حماس في قتل الناس في غزة “فلن يكون أمامنا خيار سوى الذهاب إلى هناك وقتلهم”.
جاءت تصريحات ترامب بعد أن قتلت حماس سبعة رجال في مدينة غزة اتهمتهم بالتواطؤ مع إسرائيل.
وقبل ذلك بساعات، هدد ترامب بإنه سيدرس السماح للقوات الإسرائيلية باستئناف القتال في قطاع غزة إذا لم تلتزم الحركة باتفاق وقف إطلاق النا ورفضت نزع سلاحها.
تزامنت هذه التصريحات مع أخرى اطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تمحورت حول توجيهه في للجيش بإعداد خطة شاملة “لهزيمة حماس” في قطاع غزة إذا تجددت الحرب.
من هنا يخلُص أبراهامز إلى أن إسرائيل قد تستأنف حملتها العسكرية ضد حماس نتيجة ضعف البدائل المتاحة.
“حماس لن تنزع سلاحها طوعًا، لأن بقاءها كتنظيم مسلح متماسك هو هدف رئيسي لديها” يقول أبراهامز.
كذلك لا يتوقع أبراهامز أن تُؤدّي تركيا أو قطر هذا الدور بفعالية، بالنظر إلى علاقاتهما التاريخية مع حماس ودعمهما الطويل لها.
“كما أنني لا أرى قيادة فلسطينية يمكن أن تظهر قريباً لتتولى مهمة مواجهة حماس، ربما تظهر مثل هذه القيادة يوماً ما، لكني لا أعتقد أن إسرائيل ستنتظر بصبر حدوث ذلك بينما تبقى حماس مسلحة،” يضيف أبراهامز.