وكالة الطاقة الذرية لا تثق بطهران.. فهل ينبغي للعالم أن يثق بها؟

Loading

أشرف أندريس إيلفس على تغطية شؤون إيران في “بي بي سي” و”راديو أوروبا الحرة/راديو ليبرتي”، ويعمل حاليا في شبكة “MBN”. سيُطلق نشرته الإخبارية الجديدة إيران بريفينغ الأسبوع المقبل.

لقد استنفد “النهج القديم” في التعامل مع النظام الإيراني صلاحيته. آن الأوان لوضع نهج جديد.

في أعقاب حرب الاثني عشر يوما بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، تجد طهران نفسها في أضعف حالة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979 – معزولة دوليا، غارقة في أزمة اقتصادية خانقة، وسط سخط شعبي واسع النطاق في الداخل.
أي نظام أقل انشغالا بخطط الدمار في الخارج والقمع الداخلي ربما كان سيستنتج أن الوقت قد حان لإظهار حسن النية تجاه العالم، وتخفيف القيود المفروضة على مواطنيه. لكن هذا ليس ذلك النظام، وليس هذا ذلك الوقت لتصديقه.

رسالة لا تصل إلى الجميع

في الشهر الماضي، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، سعت إيران وثلاث دول أوروبية بكل طاقتها لإنقاذ مفاوضات برنامج طهران النووي. لكن تلك الجهود باءت بالفشل؛ إذ رفضت إيران التنازل، وأُعيد فرض العقوبات الأممية عليها.

رغم ذلك، لا تزال هناك تكهنات حول احتمال إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران.
لكن السؤال الحقيقي هو: ما الفائدة؟ بعبارة أدق: ما الدليل على إمكانية الوثوق بالتزام النظام الإيراني ببنود، أو حتى بروح، أي اتفاق يهدف إلى ضمان عدم تطويره أسلحة نووية؟ ولماذا السعي وراء اتفاق لا يمكن للعالم التحقق من تنفيذه فعليا؟

تاريخ من المراوغة

منذ 55 عاما، تعد إيران طرفا في معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، التي تتعهد بموجبها الدول بعدم تطوير أسلحة نووية وقبول عمليات تفتيش دولية تضمن أن أنشطتها النووية ذات أهداف سلمية فقط.

لكن طهران انتهكت مرارا شروط هذه المعاهدة. وعندما تم التوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) قبل نحو عقد بين إيران وست قوى دولية، رُبط رفع العقوبات عنها بقيود ذاتية تفرضها على تطوير عناصر رئيسية لإنتاج الأسلحة النووية، مع خضوعها لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)
كانت الخطة قائمة على تعهد إيران بأن “برنامجها النووي سيظل سلميا بالكامل”، وعلى عمليات تفتيش صارمة فرضتها الشكوك الدولية القديمة التي أشار إليها مجلس الأمن الدولي والوكالة، بشأن أنشطة سابقة ذات صلة بـ”تطوير جهاز تفجير نووي”.

أهم بنود الاتفاق تناولت تخصيب اليورانيوم: وضع سقف لمستويات التخصيب، وخفض المخزون المخصب، والحد من استخدام أجهزة الطرد المركزي.

لكن بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 في الولاية الرئاسية الأولى للرئيس دونالد ترامب، شرعت إيران في تخصيب اليورانيوم بمستويات تفوق بكثير الحد المسموح به، ونصبت آلاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة، واستأنفت أنشطة في مواقع محظورة بموجب الاتفاق. كما قلّصت تعاونها مع فرق التفتيش التابعة للوكالة وأزالت الكاميرات الرقابية المفروضة عليها. ومع مرور الوقت، تصاعدت الانتهاكات بشكل كبير، وأعلنت طهران تحديها الصريح لتلك القيود.

وقال الخبير في قضايا حظر الانتشار النووي هنري سوكولسكي، المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسات عدم الانتشار، في حديث معي مؤخرا، “لا يمكن الاعتماد على فكرة أن علينا نثق بصدق شخص ما – لا نملك هذا الترف. وكما قال الرئيس ريغان: ‘ثق، ولكن تحقق’. وأنا أضيف: إذا لم تستطع التحقق، فلا تثق.”

ويبدو أن الوكالة استوعبت الرسالة. ففي يونيو الماضي، ولأول مرة منذ عقدين، أعلن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسميا أن إيران انتهكت التزاماتها في إطار معاهدة حظر الانتشار. وقد صوتت ضد القرار ثلاث دول فقط: الصين وروسيا وبوركينا فاسو.

شملت الانتهاكات تجاوزات واضحة لبنود الاتفاق النووي وخرقا جوهريا لمسؤوليات إيران الأساسية بموجب المعاهدة، منها مؤشرات مؤكدة على تخصيب اليورانيوم ومنع وصول فرق التفتيش إلى بعض المواقع. وقد راكمت طهران أكثر من 40 ضعف الحد المسموح به من مادة “هيكسافلوريد اليورانيوم” (UF6).

ووفقا لمدير العام للوكالة، رافائيل غروسي”لقد امتنعت إيران مرارا عن الرد أو قدّمت أجوبة غير مقنعة تقنيا على أسئلة الوكالة… كما حاولت تطهير المواقع التي عُثر فيها على جسيمات يورانيوم من صنع الإنسان، ما أعاق أنشطة التحقق.” وأشار إلى أن النظام الإيراني خزن 400  كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب.

في اليوم التالي لاعتماد القرار، شنت إسرائيل غارات جوية على مواقع نووية وعسكرية داخل إيران. وبعد تسعة أيام، انضمت الولايات المتحدة إلى القتال بإلقاء قنابل خارقة للتحصينات على ثلاثة مواقع نووية إيرانية. ورغم اعتراف النظام الإيراني بأن بعض المنشآت “تضررت بشدة”، لا تزال درجة الضرر ومدى تأخر البرنامج النووي غير واضحة.

الواقع الداخلي للنظام الحاكم

يقود إيران المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يبلغ 86  عاما، وقد تراجع حضوره العام بشكل كبير، وبات يوكل إدارة الملفات الرئيسية، على نحو متزايد، لمقربين منه. ويأتي هذا الفراغ القيادي في لحظة تواجه فيها إيران أزمات غير مسبوقة: تضخم مرتفع، بطالة واسعة، نقص مزمن في السلع، واستياء شعبي من القيود الاجتماعية والسياسية الصارمة للجمهورية الإسلامية. ولا تزال الرقابة على الإعلام والتعبير العام مشددة، بينما تتزايد وتيرة الإعدامات بوتيرة مروعة؛ إذ تجاوز عددها 1,000  إعدام في عام 2025، وفق منظمات حقوقية.

وقد فرضن الضربات الإسرائيلية والأميركية ضد البرنامج النووي والقيادات العسكرية الإيرانية واقعا سياسيا جديدا بالكامل. من الواضح أن طهران، في الوقت الراهن، لن تغيّر سلوكها تجاه شعبها أو تجاه الخارج. لكن عاجلا أم آجلا، ومع تغير موازين السلطة في القمة، ستضطر إلى ذلك. وعندها، على العالم أن يكون مستعدا للتعامل مع إيران بعين مفتوحة على التغيير، ولكن على قاعدة واحدة ثابتة: الثقة لا تكون إلا مع التحقق.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN).