عقارات دبي.. صعود نحو فقاعة؟

Loading

منذ انتقاله من بيروت للإقامة والعمل في دبي عام 2023، لاحظ الشاب اللبناني محمد ياسين الارتفاع المتسارع في أسعار العقارات وإيجاراتها في الإمارة، وأدرك حجم الضغط الذي يفرضه إيجار المنزل على ميزانية أصحاب الدخل المتوسّط.

يقول ياسين إن “امتلاك منزل في دبي، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة المستمرة، أصبح حلماً بعيد المنال، حتى لأولئك الذين يمتلكون دخلاً ثابتاً”.

وعلى غرار ياسين، لم يعد عدد كبير من المقيمين وأرباب الأسر يحلم بامتلاك منزل في دبي، واكتفى بالرغبة في أن يستطيع دفع إيجار المسكن، إلى جانب تأمين متطلبات الحياة.

ورغم ذلك، يتم إطلاق المزيد من الوحدات السكنية في دبي، وتشهد سوق عقاراتها نشاطاً كبيراً خلال عام 2025 ، بدعم من الطلب القوي من المستثمرين المحليين والدوليين. كما تواصل أسواق المكاتب والعقارات الصناعية تحقيق معدلات إشغال مرتفعة ونمو تدريجيّ في الإيجارات، مدعومة باهتمام متزايد بالأصول اللوجستية.

وتوضح بيانات “بيتر هومز” و”بروبرتي مونيتور” استمرار ارتفاع حجم المعاملات والطلب خلال عام 2025. وتشير إحصاءات “دائرة الأراضي والأملاك” إلى أن قيمة المبيعات العقارية بلغت 100 مليار درهم منذ بداية العام وحتى 4 مارس. كما ارتفعت المبيعات في النصف الأول من 2025 بنسبة 40% لتصل إلى 326.64 مليار درهم، مقابل 233 مليار درهم في الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لهذه الإحصاءات.

واحتفظت دبي بموقعها بين أبرز أسواق العقارات الفاخرة عالمياً، وتم تسجيل 590 صفقة لمنازل تفوق قيمتها 10 ملايين دولار منذ بداية العام الحالي، وهو رقم يقارب إجمالي مبيعات لندن ونيويورك في الفئة ذاتها.

وتؤكد “بلومبيرغ” أن أسعار العقارات في دبي ارتفعت بنسبة 70% منذ نهاية عام 2019، وهو ما ترافق مع زيادات سنويّة في المبيعات وقيمة الإيجارات في معظم إمارات الدولة.

وإزاء ذلك، تسود مخاوف بشأن استدامة هذا الاتجاه في السوق، ويبرز السؤال الأهم على الإطلاق: هل تقف دبي على أعتاب فقاعة عقارية؟

صفقات مليونية

في عام 2024، استحوذت دبي على نحو 20% من مبيعات العقارات الفاخرة عالمياً، وتم تسجيل صفقات قياسية في مناطق نخلة جميرا، تلال الإمارات، جزيرة جميرا باي، ودبي هيلز استيت، حيث تجاوزت أسعار بعض العقارات حاجز الـ100 مليون دولار.

وتم الإعلان عن صفقات كبرى خلال النصف الأول من عام 2025، أبرزها بيع 3731 عقاراً قيمة كلّ منها الـ10 ملايين درهم، وذلك بزيادة 63% عن الفترة نفسها من العام الماضي، بينما سجّل الربع الثاني وحده 2388 معاملة، وهو أعلى إجمالي ربع سنوي مسجّل على الإطلاق.

ومن الأمثلة على هذه الصفقات، بيع قصر في تلال الإمارات بمساحة 60 ألف قدم بـ750 مليون درهم، وقصر آخر في دبي هيلز استيت بـ150 مليون درهم.

وشهد قطاع الفلل الفاخرة نمواً ملحوظاً في النصف الأوّل من العام الحالي، إذ ارتفعت معاملاته بنسبة 27.6% لتبلغ 78.3 مليار درهم، بزيادة قدرها 53.5% مقارنة بالنصف الأول من 2024، مع تركّز الطلب على المجمّعات السكنية الناشئة والمنازل الأكبر المخصصة للعائلات.

أما الشقق، فقد حافظت على مكانتها، حيث ارتفع حجم المبيعات بنسبة 18.2% على أساس سنوي ليبلغ 71,879 وحدة، أي نحو 79% من إجمالي المعاملات وأكثر من نصف قيمة المبيعات.

وتشير البيانات العقارية إلى أن سوق دبي العقاري لا تزال تتمتّع بالمرونة والنضج، وتحافظ على نمو الطلب على الوحدات الفاخرة وارتفاع قيمة المعاملات، وهو ما أدّى إلى وجود ظاهرة «أصحاب الملايين بالصدفة»، وهم مشترو عقارات بقيمة أقل من مليون دولار قبل عدة سنوات، والذين ارتفعت قيمة ممتلكاتهم بشكل هائل بعد ذلك، ليصل عددهم اليوم إلى نحو 37,000 شخص.

ويعتقد ياسين أن الإمارة صممت بشكل رئيس لتلبية احتياجات الأثرياء، بحيث تضمن لهم مستوى حياة فاخرة وراحة مطلقة، بينما يعيش أصحاب الدخل المتوسط ضمن إمكانياتهم المحدودة، مستفيدين من بعض المزايا، لكن بعيدين عن الاستمتاع بالرفاهية الكاملة التي تميّز المدينة.

احتمالات حدوث فقاعة

ثمة سؤال مهم يتردد في الأوساط الاقتصادية حول ما إذا كانت كانت دبي، المدينة التي تحوّلت إلى مركز عالمي للثروة والاستثمار، مقبلة على فقاعة عقارية جديدة، أم أن سوقها أكثر نضجاً وصلابة مما كانت عليه في الأزمات السابقة؟

تقارير اقتصادية عالمية بدأت تدقّ ناقوس الخطر، إذ أدرج مؤشّر UBS العالمي لمخاطر الفقاعة العقارية عام 2025 دبي ضمن فئة “المخاطر المرتفعة”، بعدما قفزت أسعار العقارات فيها بأكثر من 50% خلال خمس سنوات، وهي النسبة الأعلى بين جميع المدن المشمولة في دراسة المؤشّر.

لكن الخبير العقاري أحمد عوض يرى أن الارتفاع الحالي في أسعار العقارات في دبي جزء طبيعي من دورة نمو مدعومة بزيادة الطلب والتوسّع الاقتصادي وليس فقاعة”. يضيف لـ”الحرة”: “السوق الإماراتية منظّمة وتعتمد على أسس قوية، ما يمنحها القدرة على مواجهة التقلّبات”.

ويتأثّر الطلب والعرض على المنازل والشقق في دبي حالياً بجملة “حقائق” لا تساعد في رصد اتجاهات السوق المستقبلية، منها النمو السكاني الذي بلغ نحو 15% منذ عام 2020، وتشبّع السوق بسبب ارتفاع المعروض، كما تذكر تقارير صادرة عن شركات عقارية. وفي الوقت نفسه، تشير بيانات لشركة “جونز لانغ لاسال” إلى أن نحو 250 ألف وحدة سكنية جديدة قيد التطوير، ستدخل السوق خلال الأعوام القليلة المقبلة، ما يعني زيادة في المعروض بنسبة تقارب 30%.

لذلك، يشير عوض إلى أن تصحيح الأسعار أمر محتمل، لكنه لن يشمل جميع المشاريع، إذ “ستحافظ العقارات المتميّزة على قيمتها واستقرارها” برأيه.

وكانت سوق العقارات في دبي كغيرها من أسواق العالم مرّت بأزمات مثل أزمة “انهيار مشروع العالم” البالغة كلفته 13 مليار دولار عام 2002، والركود الكبير في عام 2014 نتيجة التراجع الحاد لأسعار النفط، و”إجراءات كورونا” التي أثّرت على الطلب.

لكن عوض يقول: “بعد تجربة الإمارات خلال أزمة كورونا، أصبح من الصعب تصديق أيّ آراء سلبية حول قدرتها على إدارة الأزمات بثبات وقوة”.

ويضيف إن “العقار ليس تجارة سريعة. من يشتري بهدف البيع السريع يقع في خطأ كبير. الاستثمار العقاري طويل الأجل. كذلك، من يركّز على المكاسب السريعة فقط، قد يبالغ في المخاوف بشأن الفقاعات”.