“اليوم التالي” في لبنان

Loading

بينما يهدأ القصف ويخفّ صوت آلة الحرب في قطاع غزة، يزيد القلق وتكثر الأسئلة في لبنان بشأن تأثير “اتفاق السلام” عليه.

قبل نحو سنتين، فتح حزب الله “جبهة إسناد غزة”، وشرع مقاتلوه في شنّ هجمات بالصواريخ والمسيّرات على إسرائيل وفق “قواعد اشتباك” ظلّت مضبوطة لفترة قصيرة، قبل أن تنفلت الأمور وتردّ الأخيرة بعمليات عسكرية برّية في الجنوب وغارات جويّة على مختلف المناطق اللبنانية.

يؤكّد ذلك أن الارتباط بين كلّ من غزة ولبنان ليس جديداً، وأن ما يجري حالياً بخصوص القطاع وتنفيذ “خطة السلام” فيه، سيترك أثراً كبيراً على الوضع في لبنان.

ما يتفق عليه الكثير من اللبنانيين هو أن “اتفاق غزة” سيحوّل الأنظار نحو بلدهم، ويزيد الضغوط السياسية عليه لنزع سلاح حزب الله، لكن ما يخشونه هو أن تشنّ إسرائيل مجدداً عمليات عسكرية بريّة وجوّية واسعة في لبنان، إذا فشلت حكومته في تنفيذ تعهداتها في هذا الصدد.

التصعيد في حسابات إسرائيل

يتحدّث مراقبون عسكريون لبنانيون عن استعداد إسرائيل بشكل متزايد للتركيز على الجبهة اللبنانية، بعدما استطاعت عبر “اتفاق غزة” تحقيق الكثير من أهدافها هناك، فيما لم تكن الحال كذلك في لبنان، حيث ما يزال خطر الحزب قائماً.

مصادر أمنية في بيروت تحدّثت لـ”الحرّة” عن “استنفار ميدانيّ متبادل” على طول الحدود، مع تكثيف الطلعات الجويّة والاستطلاعيّة الإسرائيلية في العمق اللبناني، مقابل تعزيز الحزب لمواقعه الدفاعية والحديث عن إعادة بناء قوته، تماماً، كما قال المبعوث الأميركي توم باراك.

وتخشى هذه المصادر من أن أيّ خطأ ميداني يمكن أن يتحوّل بسرعة إلى تصعيد واسع، خصوصاً إذا رأت إسرائيل في المواجهة وسيلة لإعادة رسم قواعد الاشتباك على نحو جديد، مع تنفيذ “اتفاق غزة”.

ويتّفق العميد المتقاعد خالد حمادة مع ما ذكرته هذه المصادر، ويعتبر أن ما يجري في القطاع يمهّد لتحوّل في النظرة الإسرائيلية إلى لبنان.

“إسرائيل تعتبر أن حسم معركة غزة يمنحها هامشاً أوسع للتحرّك في الشمال. ومع خروج حماس من المشهد الميداني هناك، ستسعى إسرائيل إلى ضبط ما تعتبره التهديد المتبقي من الجنوب اللبناني”، يقول حمادة لـ”الحرّة”.

ولا يمكن فصل “ارتدادات خطة غزة” على لبنان عن المشهد الإقليمي ولا عن الحسابات السياسية والعسكرية لإسرائيل وحزب الله.

يرى الصحافي والمحلّل السياسي علي الأمين أنه “من الصعب تصوّر استمرار وضعية حزب الله العسكرية كما هي، في وقت تتّجه فيه المنطقة إلى تسويات متدرّجة تشمل سوريا وغزة، وربما ملفات أخرى لاحقاً”.

ماذا عن حزب الله؟

في الداخل اللبناني، يبرز سؤال مهم ستسهم الإجابة عليه في تحديد ما سيجري: ما هو موقع حزب الله في مرحلة ما بعد “اتفاق غزة”؟

يعتبر الأمين أن “الحزب يعيش اليوم مأزقاً مزدوجاً: من جهة، لا يريد الانخراط في مواجهة شاملة مع إسرائيل بعدما أدرك حجم الخسائر المحتملة، ومن جهة أخرى، يسعى إلى الإبقاء على شرعية سلاحه عبر خطاب المقاومة، ولو من دون فعل ميداني”.

وعلى المستوى الداخلي أيضاً، يتعرّض حزب الله لضغوط كبيرة من أجل نزع سلاحه، وسط نأي بعض حلفائه بنفسه عنه ومطالبته علناً بحصر السلاح في يد الدولة، وهو ما ينزع عنه الغطاء السياسي الذي يحتاجه للدفاع عن موقفه أمام الخارج.

ولا يمكن فصل التجاذيات الداخلية بشأن سلاح حزب الله عن الموقف الإيراني الذي عبّر عنه أخيراً علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني، بقوله “إن نزع سلاح الحزب حلم لن يتحقق”.

يقول الأمين إن القرار في شأن سلاح حزب الله “لم يعد لبنانياً بالكامل، بل بات جزءا من التفاهمات الإقليمية الكبرى بين طهران وواشنطن”، مشيرًا إلى أن “ما تبقّى من سلاح الحزب مرتبط عضوياً بالملف الإيراني، وإسرائيل تدرك ذلك جيدًا، وتتصرّف على أساسه”.

سلام أم تصعيد؟

يضع المشهد الإقليمي ضغطاً متزايداً على لبنان للانخراط في مسار سلام أو في مفاوضات مباشرة لترسيم الحدود وتسوية الملفات العالقة على الأقل، وفقاً لما قاله دبلوماسيون غربيون للـ”الحرة”. ويُنظر إلى هذا الأمر بوصفه جزءًا من إعادة بناء “الاستقرار الإقليمي الشامل”، خصوصا” بعد أن تراجع الاهتمام الدولي بلبنان لصالح أولويات أخرى، كما تؤكد المصادر نفسها.

وفي المقابل، يظهر حزب الله تشدّداً في رفض أيّ نقاش حول هذا الطرح لما يحمله من تحدّ مباشر لدوره وموقعه الداخلي. ومع ذلك، يشير بعض المحللين إلى أن استمرار الجمود السياسي والاقتصادي، في ظل غياب أيّ مظلة دعم خارجية، قد يجعل لبنان عرضة لضغوط غير مباشرة نحو التفاوض، خصوصًا إذا ارتبطت بتطبيق القرار 1701 أو بملف الحدود البرية.

وإلى أن يتم حسم هذا الأمر، فإن إسرائيل التي تضغط باتجاه تطبيق القرار 1701 بحذافيره، ربما ستسعى، كما يقول حمادة، إلى ضبط ما تعتبره التهديد المتبقي من الجنوب اللبناني، لكن “هذا التوجّه لا يعني بالضرورة حربًا شاملة، بل ربما يفتح الباب أمام ضربات موضعية أكثر كثافة وعمقاً، تهدف إلى استنزاف الحزب وإعادة ترسيم الحدود الفعلية بين الطرفين”.

أما حزب الله فإنه “لا يريد خوض حرب شاملة مع إسرائيل” كما يؤكد الأمين.