جراح 7 أكتوبر

Loading

في الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر، لا تزال تنزف جراح كثيرة، بعضها في الذاكرة، وبعضها في قلب عائلة إسرائيلية تنتظر لحظة الوداع الأخير.

“أفتقد والدي كثيرا،” يقول ناداف رودايف نجل الرهينة الإسرائيلي ليور رودايف (61 عاما). “مر عامان منذ أن رأيته آخر مرة”.

في صباح السابع من أكتوبر عام 2023، حين اخترق مسلحو حماس سياج غزة وهاجموا بلدات إسرائيلية قريبة، كان ليور، وهو أبٌ لأربعة أبناء، بين أوائل المبادرين لحماية سكان كيبوتس نير يتسحاق حيث كان يقيم مع أسرته.

استيقظت العائلات على صوت صفارات إنذار مفاجئة، دخان في السماء، أصوات إطلاق نار. مئات من المدنيين، بينهم رجال ونساء وأطفال، قُتلوا فجأة، ومئاتٌ اختُطفوا أو اقتيدوا رهائن إلى غزة.

وبينما كانت الفوضى تعم البلدات الحدودية، خرج ليور من منزله في ذلك الصباح ضمن فريق الاستجابة الأولية للكيبوتس، يحمل سلاحه، لإنقاذ من يستطيع إنقاذه.

رغم إصابته، تمكن من إرسال رسالة لزوجته، عبر فيها عن حبه لأسرته.

كانت تلك آخر رسائله، ثم لاحقا عُثر على هاتفه في خان يونس بقطاع غزة، بعد انتهاء الهجوم وانسحاب مسلحي حماس.

وأدى هجوم حماس على إسرائيل إلى مقتل نحو 1200 شخصا وفق البيانات الرسمية، وردت إسرائيل بحرب على غزة، أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 65 ألف شخص، وفق وزارة الصحة في قطاع عزة.

وطوال سبعة أشهر بعد الهجوم، عاشت عائلة ليور على أملٍ واحد: أن يكون الأب على قيد الحياة بين الرهائن المحتجزين في غزة.

لكن ذلك الأمل انطفأ في 7 مايو 2024، حين أبلغهم الجيش الإسرائيلي بأن ليور لم يُختطف حيّا، بل قُتل في السابع من أكتوبر 2023، وأن جثمانه أُخذ إلى غزة.

“كان ذلك اليوم الأصعب في حياتي،” يقول ناداف بصوت متكسر، وهو ينظر إلى صورة والده المعلّقة خلفه.

في مقابلة خاصة مع “الحرة” يعود ناداف بذاكرته إلى ذلك السابع من أكتوبر.

“لسوء الحظ، ما زلت أتذكر كل شيء. أعتقد أن ذلك اليوم سيبقى حيا في ذاكرتي إلى الأبد”.

في المقابلة، يصف ناداف كل تفاصيل السابع من أكتوبر المؤلمة. كان وقتها بعيد عن عائلة، في تل أبيب حيث يسكن منذ 13 عاما.

في صباح 7 أكتوبر، كان ناداف في شقته الصغيرة، بينما كانت أمه داخل الغرفة الآمنة في منزلها في الكيبوتس، وأخوه الأصغر في مهرجان نوفا الموسيقي الذي تحوّل إلى ساحة قُتل فيها كثيرون.

نجت أمه وأخوه، وجميع أفراد عائلته، يقول، لكن لم يكن الجميع محظوظين.

يقول نداف إن كثيرين من أصدقائه قتلوا أو اختطفوا ذلك اليوم، وإن معظم منازل أصدقائه وعائلته تضررت بطريقة أو بأخرى. وبالتأكيد، كان والده من ضمن الضحايا.

بين الأمل والوداع

كان إعلان وفاة الأب، ليور، نهاية لفصل قاس من الأمل بالنسبة لأسرته، وبداية فصل لا يقل إيلاما، بانتظار الوداع الأخير.

ومع تزايد الحديث عن اتفاق وشيك بين إسرائيل وحماس لإنهاء الحرب وتسليم الرهائن، الأحياء والموتى، يقضي نداف أيامه على جمر الترقب.

أُطلق سراح معظم الرهائن خلال وقفين لإطلاق النار، أحدهما في نوفمبر 2023 والآخر في أوائل عام 2025.

وأنقذت القوات الإسرائيلية آخرين خلال الحرب. واستعادت جثث 59 رهينة،  قُتل بعضهم قبل نقلهم إلى غزة، ولاقى آخرون مصرعهم في الأسر، إما على يد خاطفيهم أو في غارات إسرائيلية.

تجري حاليا محادثات تهدف لإطلاق سراح واستعادة من تبقى من الرهائن، الذين يُعتقد أن 20 منهم ما زالوا على قيد الحياة، في سياق خطة سلام قدمها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

خطة ترامب لا تنص فقط على على إطلاق الرهائن الأحياء، بل كذلك على استعادة أجساد من قُتلوا يوم الهجوم ولم يحظوا بوداع نهائي.

لكن لناداف أولوية أخرى.

“لا يزال لدينا 20 رهينة على قيد الحياة، وهم بحاجة إلى أن يتم إطلاق سراحهم أولا وقبل كل شيء، لأنهم يعانون على أيدي حماس،” يقول.

“هذا لا يعني أنني لا أريد استعادة والدي، بل يعني أنه يجب إعادتهم أولاً لأن والدي، للأسف، قد توفي في ذلك الصباح، لكنه لم يعد يعاني هناك، ولا يمكن قتله مرة أخرى”.