آلة الإعدام الإيرانية.. فرط نشاط يحصد أرواح المئات

Loading

أكثر من 1000 شخص أعدمتهم إيران منذ بداية 2025، بحسب منظّمة العفو الدولية.

الرقم هو الأعلى منذ 15 عاماً لعمليات الإعدام التي تنفّذها السلطات الإيرانية في 9 أشهر، لكن التهم تبقى نفسها منذ عقود: التورّط في الإرهاب والانضمام لتنظيمات مسلّحة معارضة وتهريب المخدرات والتعاون أو التجسس لصالح دولة أجنبية.

تشير احصائيات “مركز عبد الرحمن برومند” لحقوق الإنسان إلى أن عدد عمليات الإعدام في إيران وصل إلى 1116 منذ الأوّل من يناير 2025، فيما تؤكّد منظمة “هنغاو” لحقوق الإنسان أن شهر سبتمبر وحده شهد 187 عملية إعدام في هذا البلد.

“يستخدم النظام في إيران عقوبة الإعدام كأداة لترهيب الناس وتخويفهم من المشاركة في أيّ احتجاجات، أو عندما يشعر بالتهديد من الداخل والخارج. أعلن القضاء الإيراني، خلال اندلاع الحرب مع إسرائيل، أن المعتقلين سيُعاقبون في أسرع وقت ممكن. لقد أعدام النظام السجناء السابقين بتهمة الارتباط بإسرائيل في اليوم الثالث من الحرب”، توضح عضو الهيئة الإدارية في”هنغاو”، جيلا مستاجر لـ”الحرة”.

قصة إعدام شهبازي

في 17 سبتمبر الماضي، نفّذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام بحق الناشط السياسي باباك شهبازي في 17 سبتمبر، بعد اتهامه بـ”التجسس لصالح إسرائيل”.

حاولت “الحرة” التواصل مع عائلة شهبازي في إيران للحديث عن قصته، لكن دون جدوى. الرقابة المشددة على عائلات من يتم إعدامهم حالت دون ذلك.

لكن “الحرة” تمكّنت، في المقابل، من التواصل مع “أفشين”، وهو اسم مستعار لأحد أصدقاء شهبازي المقرّبين.

يقول أفشين إن صديقه كان يعمل مقاولاً في مجال تركيب أنظمة التدفئة والتهوية والتبريد في شركة تابعة للحرس الثوري الإيراني، واعتقل في مطلع عام 2024 داخل مدرسة ابنه في طهران.

ويضيف إن “السلطات وجّهت لباباك تهمة التعاون مع حكومة معادية، في إشارة لإسرائيل، وذلك عبر شخص آخر مرتبط بها”.

ووفقاً لوسائل إعلام إيرانية رسمية، فإن شهبازي عمل بالتعاون مع إسماعيل فكري، وهو مدان آخر أُعدم في يونيو الماضي بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، فيما التهمة التي وجّهت إلى شهبازي هي التعاون الاستخباراتي والتجسسي والأمني مع إسرائيل واستغلال عمله كمقاول تركيب أجهزة تبريد لجمع معلومات من مواقع ومراكز عسكرية وأمنية حساسة.

لكن أفشين ينفي علمه بوجود تواصل بين باباك وأيّ جهة سياسية أو أمنية خارجية.

وتتحدّث منظّمات حقوقية عن أن شهبازي اعتُقل بسبب كتابته رسالة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عارضاً فيها مساعدته في القتال ضد روسيا، وأنه حُرم من حق توكيل محامٍ، وتعرّض للتعذيب خلال فترة اعتقاله.

“عائلة شهبازي لم تتمكّن لنحو 7 أشهر من زيارته في السجن. وضع في الحبس الانفرادي، ثم نقل إلى زنزانة مع سجين من تنظيم داعش. الداعشي حاول خنق شهبازي، لكنه نجا” يؤكد أفشين.

بعد أسبوع على عملية الإعدام، تسلّمت العائلة جثة شهبازي ودفنته، لكن السلطات منعتها من تنظيم مراسم عزاء له، بحسب أفشين.

ألف عملية إعدام في 9 أشهر

في نهاية سبتمبر الماضي، كشفت منظّمة العفو الدولية، في بيان، أن السلطات الإيرانية نفّذت أكثر من 1000 عملية إعدام خلال 9 أشهر من عام 2025.

وطالبت المنظمة طهران بتعليق تنفيذ الإعدامات فوراً كخطوة أولى، وناشدت الدول الأخرى ممارسة ضغوط عاجلة على السلطات الإيرانية لوقف جميع الإعدامات المقررة.

لكن لطالما لم تلق مثل هذه الدعوات آذان صاغية في طهران.

تؤكد مريم حسني، ابنة الناشط السياسي مهدي حسني، والمقيمة في الخارجاروربا، أنها علمت بإعدام السلطات الإيرانية لوالدها في يوليو الماضي، من خلال المواقع الإخبارية.

“اعتقلت السلطات والدي في سبتمبر 2022 قبل أيام من اندلاع انتفاضة: المرأة، الحياة، الحرية. اتهمت السلطات والدي بالانتماء إلى منظّمة مجاهدي خلق المعارضة، والفساد في الأرض، والتمرّد المسلح. تعرّض والدي للتعذيب الشديد خلال اعتقاله لأكثر من عامين ونصف، وتنقّل بين سجون أيفين وقزلحصار وطهران الكبير، ثم حُكم عليه بالإعدام دون محاكمة”، تضيف حسني لـ”الحرة”.

تتهم ابنه الناشط السياسي السلطات الإيرانية بأنها حرمت والدها من توكيل محام، ومنعت تواصله مع عائلته وأقاربه، ولم تبلغهم بموعد إعدامه ولا المكان الذين دفنت فيه جثته.

حميد حسين نجاد، مواطن آخر أعدمته إيران بشكل سرّي في أبريل الماضي، وأبلغت عائلته بالإعدام دون أن تسلّمها جثته، كما يبيّن لـ”الحرة” كريم رضائي وهو أحد أقارب نجاد.

كان حميد حسين نجاد يعمل عتّالا قرب الحدود الإيرانية-التركية قبل أن يتم توقيفه من قبل السلطات الإيرانية عام 2023 بتهم سياسية وأمنية لم تكشف عنها السلطات في حينها”.

لكن رضائي يوضح أن “السلطات حاكمت حميد بتهمة قتل 8 من حرس الحدود الإيرانيين دون أن تقدّم أيّ دليل يثبت ذلك. التهمة الموجّهة له كانت ملفّقة تماماً وبعيدة كلّ البعد عنه. قدمت عائلته أدلّة كثيرة تثبت براءته، لكنهم لم يهتموا بها”.

“أعدمت السلطات الإيرانية حميد بشكل سريّ، وبعد تنفيذ الحكم، تلقّت عائلته اتصالا من المحكمة الثورية في أرومية، التي أبلغتهم بإعدامه، وطلبت منهم التصرف بهدوء وعدم تنظيم أيّ مراسم عزاء له”، يضيف رضائي.

إعدام 6 أحوازيين وكردي

في الرابع من سبتمبر، أعدمت السلطات 7 إيرانيين، هم 6 عرب من الأحواز ومعتقل كردي، اتهموا بشن هجمات مسلّحة والانتماء إلى تنظيمات مسلّحة والتجسس لصالح إسرائيل والغرب.

منظمة “هانا”، التي تعنى بحقوق الإنسان في إيران، زوّدت “الحرة” بمعلومات تفيد بأن “المعدومين الأحوازيين أُجبروا، أثناء اعتقالهم في 2022، على الاعتراف باستلام حوالات ماليّة عبر بنوك أجنبية، وتنفيذ هجمات مسلّحة، والتعاون مع إسرائيل، والانتماء إلى حركة النضال في الأحواز”، لافتة إلى أن “عائلاتهم أكدت مراراً وتكراراً أن هذه الاعترافات انتُزعت منهم تحت الإكراه والتعذيب”.

و”هانا”، هي منظمة حقوق إنسان كردية مختصّة برصد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، ومقرّها كندا.

وأشارت “هانا” إلى أن الناشط السياسي الكردي الذي تمّ إعدامه هو سامان محمدي خيارة، الذي اعتقلته استخبارات الحرس الثوري عام 2013 بتهمة القتال والانتماء إلى تنظيمات مسلّحة تابعة لاستخبارات أجنبية، مشددة على أنه أجبر، تحت التعذيب الشديد، على الاعتراف الذي استندت عليه المحكمة في إصدار حكم الإعدام.

ومع استمرار عمليات الإعدام في إيران، تزداد مخاوف الناشطة الكردية الإيرانية جينو، ابنه المعتقل رزكار بيكزاده باباميري، بشأن مصير والدها.

حكم على باباميري بالإعدام بعد أن تمّ توقيفه في مدينة بوكان في أبريل 2023، لمساعدته المتظاهرين ومعالجة المصابين خلال احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”، تقول ابنته.

“لا يزال والدي وخمسة سجناء آخرين مشتركين معه في نفس القضية يواجهون عقوبة الإعدام في 12 قضية. أحدهم تمكّن من الفرار من البلاد أثناء إجازة مرضية، لكن والدي والأربعة الآخرين ما زالوا يواجهون خطر الإعدام الوشيك” تضيف.

واتهم باباميري والسجناء الآخرين بالتجسس لصالح إسرائيل، وهي تهمة الهدف منها، بحسب جينو، بث الخوف في صفوف معارضي النظام وإسكات المعارضة.

تؤكد جينو أن والدها حرم من المحاكمة العادلة وتعرّض للتعذيب في السجون الإيرانية. تضيف: “استُهدف لأنه كردي. تعكس قضيته الاستخدام الأوسع لعمليات الإعدام كسلاح سياسي ضد الأقليات والنشطاء في إيران”.

وتعتقد جينو أن الزيادة في عمليات الإعدام تُمثل تحدّياً مباشراً للعالم، مبينة “يبدو الأمر كما لو أن النظام يختبر عزيمة المجتمع الدولي، وإلى أيّ مدى يمكنه الإفلات من العقاب”.