![]()
لا يزال مصير أحد أكبر الحقول النفطية في العراق والعالم، غير محسوم حتى الآن، على الرغم من مرور نحو شهرين على إعلان شركة لوك أويل الروسية عدم قدرتها على الاستمرار في تشغيل الحقل، ودخول شركات أميركية عملاقة على الخط للاستحواذ على حصة الشركة الروسية.
كل المعطيات تشير إلى أن شركتي إكسون موبيل وشيفرون الأميركيتين هما الأقرب للاستحواذ على حقل غرب القرنة-2، وفقا لتصريحات مسؤولين عراقيين، لكن الأمور لم تحسم بعد، حتى مع اقتراب نهاية المهلة التي منحتها وزارة الخزانة الأميركية للمشترين المحتملين بالتفاوض مع لوك أويل، وهي 13 ديسمبر الجاري.
الثلاثاء، أعلن بيان حكومي عراقي أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بحث مع ممثلين من شركة شيفرون إمكانية التعاون في ما يتعلق بحقل غرب القرنة-2، الذي تشغله شركة لوك أويل الروسية ويمثل أكبر أصول الشركة في الخارج.
تواصلت “الحرة” مع شركة شيفرون التي أرسلت ردا مقتضبا عبر البريد الإلكتروني، قالت فيه، إنها “تلتزم بالقوانين والأنظمة السارية على أعمالها، ولا تعلّق على المسائل التجارية”.
ولم ترد أكسون موبيل ولوك أويل ووزارة الخارجية الأميركية ووزارة النفط العراقية، بعد على استفسارات “الحرة” في هذا الشأن.
وشيفرون وإكسون موبيل من بين المتقدمين المحتملين بعروض لشراء أصول لوك أويل في الخارج إثر العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الشركة الروسية المنتجة للنفط.
في نوفمبر الماضي أعلنت شركة لوك أويل حالة القوة القاهرة في حقل غرب القرنة-2 العملاق بالعراق، على خلفية العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة في إطار مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
يقع حقل غرب القرنة-2 على بعد 65 كيلومترا شمال غربي ميناء البصرة، وهو أحد أكبر حقول النفط في العالم وأهم أصول لوك أويل الأجنبية، ويُمثل حوالي تسعة بالمئة من إجمالي إنتاج النفط العراقي بواقع 480 ألف برميل يوميا.
“جعلت العقوبات الأميركية من الصعب جدا على العراق الاستمرار في التعاملات المالية والتشغيلية الطبيعية مع شركة لوك أويل، خصوصا في ما يتعلق بحقل يمثل قرابة 10% من الإنتاج العراقي” تقول تاتيانا ميتروفا من مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا لـ”الحرة”.
وترى أن انتقال ملكية الحقل لشركة أميركية سيساعد بغداد على تقليل مخاطر التعرض لعقوبات ثانوية، وضمان استمرار الوصول إلى التكنولوجيا ورأس المال، وإرسال إشارة إلى واشنطن بأن العراق ما زال شريكا استراتيجيا.
أما على الصعيد الداخلي العراقي، فستسهم الخطوة في “طمأنة الأسواق والجمهور العراقي بأن الإنتاج والإيرادات من أحد أبرز حقولها ستكون محمية من الصدمات السياسية الدولية،” تضيف ميتروفا.
مطلع هذا الشهر أعلنت وزارة النفط العراقية أنها دعت عدة شركات نفط أميركية للتفاوض بشأن الاستحواذ على حقل غرب القرنة 2.
وقبل ذلك، شهد العام الجاري تحولا ملحوظا لقطاع الطاقة في العراق تمثل في توجه حكومي متزايد نحو الانفتاح على شركات النفط الأميركية.
ففي أكتوبر الماضي، وقع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتفاقية أولية مع إكسون موبيل لتطوير حقل مجنون، أحد أكبر حقول النفط في العالم. يحتوي الحقل على احتياطيات تصل إلى 12.6 مليار برميل.
وقبل إكسون موبيل، تعاقدت الحكومة العراقية مع شركة شيفرون في أغسطس لاستكشاف أربع رقع استكشافية في الناصرية، جنوبا، وتطوير حقل بلد وسط البلاد، وكذلك أبرمت تعاونا مشتركا بين شركة “بيكر هيوز” وشركة حلفايا الحكومية العراقية لتطوير الغاز.
وخلال عام 2024 وقعت بغداد مع “كي بي آر” عقدا بقيمة 12 مليون دولار للهندسة في حقل بن عمر.
“المسؤولون العراقيون سيرحبون باستثمار كبير من أي شركة نفط أميركية، إذ قد يضمن ذلك انخراطا سياسيا أكبر أو على الأقل اهتماما من واشنطن، وبالتأكيد قد يشجع ذلك شركات نفط وغاز أخرى على النظر في السوق العراقية،” يقول بن كاهيل، مدير مركز تحليل أنظمة الطاقة والبيئة في جامعة تكساس في أوستن لـ”الحرة”.
الفوائد بالتأكيد لن تعود فقط على العراق، فالولايات المتحدة أيضا ستكون مستفيدة، اقتصاديا وسياسيا.
فمع تصاعد العقوبات الدولية، باتت روسيا تواجه تحديات في الحفاظ على وجودها النفطي في الخارج، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط التي كانت تمثل ركيزة استراتيجية لتوسعها النفطي بعد عام 2000.
“محفظة لوك أويل الخارجية معرضة للهشاشة بشكل كبير. إذ تمتلك الشركة حضورا واسعا في الخارج في مجالات الإنتاج والتجارة، بما في ذلك الشرق الأوسط. وإذا اضطرت لبيع أصولها، فسيكون ذلك مؤشرا على أن شركات النفط الروسية ستضطر إلى إعادة تركيز عملياتها داخل البلاد” يضيف كاهيل.
وترى ميتروفا أن حقل غرب القرنة-2 يعد “أكبر أصل خارجي لشركة لوك أويل ورمزا رئيسيا لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط بعد عام 2000، وخروجها قسريا أو تفاوضيا سيقلّص بشكل كبير الوجود الروسي في قطاع الإنتاج العراقي، ويرسل إشارة قوية لحكومات أخرى في المنطقة بأن التعامل مع الشركات الروسية بات ينطوي على مخاطر عقوبات كبيرة”.
تصف ميتروفا خطوة فقدان لوك اويل السيطرة التشغيلية على غرب القرنة-2 بمثابة “نكسة استراتيجية” ستضعف من نفوذ موسكو داخل ثاني أكبر منتج في أوبك (العراق).
“وعلى نطاق أوسع، سيُظهر كيف أن العقوبات لا تقتصر على تقليص إيرادات الصادرات الروسية، بل تقوّض تدريجيا أصولها الطويلة الأمد في الدول الرئيسية المنتجة للنفط،” تضيف ميتروفا.