الصين تهجر حقول نفط السودان

Loading

لم يعد السودان وجهة للشركات النفطية، ولم تعد حقوله النفطية تجذب الكثير منها، كما كانت الحال لعقود.

على العكس، بدت الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها البلاد منذ اندلاع القتال بين الجيش و”قوات الدعم السريع” طاردة لهذه الشركات، وسبباً رئيساً لتوقف أعمال الإنتاج والنقل وصناعة المشتقات.

آخر العازمين على المغادرة شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، الشريك الاستراتيجي للسودان منذ عام 1995، والتي أبدت، في خطاب رسمي للحكومة السودانية، نيتها إنهاء استثماراتها ومناقشة الإنهاء المبكر لاتفاقية تقاسم الإنتاج واتفاقية خط أنابيب النفط الخام في حقل “بليلة” بمربع 6 في ولاية غرب كردفان.

وشددت الشركة على ضرورة إنهاء الاتفاقيتين في موعد لا يتجاوز 31 ديسمبر الحالي، بسبب ظروف “القوة القاهرة”، في إشارة إلى الأوضاع الأمنية المتردية.

ويُدار هذا الحقل بواسطة شركة “بترو إنيرجي”، وهي شركة مساهمة بين CNPC  و”سودابت” السودانية.

تدهور الإنتاج

في السنوات القليلة الماضية، واجهت عمليات استخراج النفط في السودان تحدّيات خطيرة حتى قبل قرار الانسحاب. فقد تراجعت احتياطيات حقل بليلة عن ذروتها عند 70 ألف برميل يومياً (في سبتمبر 2021) إلى حوالي14  ألف برميل يومياً منذ اندلاع القتال بين الجيش و”الدعم السريع” في أبريل 2023.

ومع استمرار القتال، توقفت العمليات والإنتاج بالكامل منذ 30 أكتوبر 2023، بعد أن تعرّض “مربع 6” لأعمال تخريب وسرقة متكررة وهجوم على مطار بليلة.

وقد أرجع خطاب الشركة الصينية الموجّه للحكومة طلب الإنهاء إلى انهيار سلاسل الإمداد، وعدم توفّر المعدات، والخسائر المالية الناجمة عن غياب الإيرادات واستمرار المصروفات، مما جعل استئناف الإنتاج أمراً غير ممكن حتى تتوقف النزاعات المسلحة.

الأمن والديون

يعتقد جوشوا مسيرفي، كبير باحثين في الشؤون الإفريقية في معهد هدسون أن انسحاب الشركة الصينية يعكس قلق بكين بشأن تدهور الوضع الأمني داخل السودان ومخاوفها من أن تتعرّض عملياتها النفطية في هذا البلد للخطر.

لكن الصحفي المختص بالطاقة والنفط د. حسب الرسول محمد سعد يرى أن الأسباب الرئيسة التي عجّلت بطلب الشركة، متعددة، منها “اقتراب موعد اكتمال سقف الاتفاقية (25 سنة)، والتعقيدات الأمنية التي يمر بها السودان الآن، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية، حيث ظل السودان يستخدم البترول المنتج محلياً، بما فيه نصيب الشركاء، لتغطية حاجة البلاد، فتراكمت عليه الديون”، كما يقول د. سعد.

ويُشير هذا إلى أن “السودان لم يكن قادراً على سداد ديونه للصين، التي تُقدر بحوالي ملياري دولار، ما أضاف عبئاً مالياً غير مُستدام على الشريك الصيني”.

الأبعاد الإقليمية للانسحاب

تتجاوز عواقب قرار الصين الحدود السودانية. إذ يؤثر توقف العمل في بليلة على نفط جنوب السودان، حيث تضم المنطقة محطة معالجة مركزية تستخدم لمعالجة وتصدير130  ألف برميل من نفط ولاية الوحدة الجنوبية عبر الأراضي السودانية.

وعلى الرغم من أن معظم الاستثمارات النفطية الصينية الضخمة كانت من حصة جنوب السودان بعد استقلاله في 2011، إلا أن انسحاب بكين يترك فراغاً.

يعتبر ميسيرفي أن هذا الأمر قد يتيح الفرصة لمنافسين آخرين، مثل روسيا أو دول أخرى، لملء الفجوة، رغم أن الانسحاب قد يكون “تجميداً استراتيجياً” في انتظار استتباب الأمن. فرغم أن الصين معروفة بقدرتها الكبيرة على تحمل المخاطر في مشاريع “الحزام والطريق”، كما يذكر ميسيرفي، إلا أن “الأحداث في السودان ربما تجاوزت حتى درجة التسامح العالية هذه، كما يؤكد.

تأثيرات اقتصادية

يشكّل انسحاب الصين ضربة قاسية لبلد يعاني أصلاً من أزمة طاقة عميقة. وقد قدر وكيل وزارة الطاقة والنفط، د. محي الدين نعيم أن السودان فقد أكثر من 7 ملايين برميل نفط بسبب الحرب.

ومع تضرر مصافي التكرير الأربع الرئيسة، ومنها مصفاة الجيلي بسعة 1.2 مليون برميل، أو خروجها من الخدمة بسبب الحرب، تراجع إنتاج النفط بشكل كبير. وأدت هذه الضربات المتتالية إلى ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة بشكل حاد، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي الذي يهدد نحو 25 مليون شخص.

وفي سياق هذه الخسائر، يوضح سعد تأثير توقف الحقل بشكل مباشر على حاجة السودان للمشتقات النفطية: “تدنى الإنتاج النفطي تقريبا من 70 ألف برميل إلى 14 ألف برميل يوميّا”.

ومع ذلك، يقلل سعد من شأن الانعكاسات السلبية التي سيتركها “خروج شركة CNPC على الاقتصاد السوداني، باعتبار أن الإنتاج في الحقل الذي تعمل فيه متوقف تماماً.