الخليج يرفع سقف الخطاب السيادي في وجه إيران

Loading

هذه ليست المرة الأولى التي يحضر فيها ملف حقل الدرة، أو قضية الجزر الثلاث ضمن سياقات القمم الخليجية”، غير أن الأسبوع الذي شهد انعقاد القمة الخليجية السادسة والأربعين بدا كما لو أنه يسعى لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي عبر إحياء ملفات “السيادة” ووضعها في صدارة الحراك السياسي الخليجي.

تضمن البيان الختامي للقمة، التي عقدت في البحرين الأسبوع  الماضي، لهجة غير مسبوقة في وضوحها، إذ عبر قادة مجلس التعاون مجددا عن موقفهم إزاء الجزر الثلاث: طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى، باعتبارها “حقوقا راسخة لدولة الإمارات”،  وأشاروا إلى حقل الدرة بوصف “ملكية مشتركة وحصرية لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت”.

وفي البيان الختامي للقمة قالوا إن حقل الدرة “لا يمتلك أي طرف آخر سندا قانونيا يبرر ادعاء ملكيته أو المشاركة فيه”. وقد اكتسب هذا الموقف أهمية كبيرة نظرا لارتباط الموضوع بالنزاع القائم مع إيران التي تسمي الحقل بـ”آرش” وتؤكد على أحقيتها في جزء منه.

وقد زاد من زخم هذا الملف ما شهدته أعمال منتدى الدوحة من سجال بين وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، الأمر الذي يطرح سؤالا أساسيالماذا يعود الحديث عن حقل الدرة بهذا الزخم الآن؟

يشير الدكتورعايد المناع، الأكاديمي والباحث السياسي، إلى أن تمسك إيران بالحقل يعود إلى ما يحتويه من ثروات طاقية هائلة، حيث تشير التقديرات إلى احتياطيات قد تصل سنويا إلى نحو عشرين تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى كميات معتبرة من المكثفات، وهذا ما يجعله عنصرا محوريا في الحسابات الطاقية الإيرانية، وسببا متكررا لتجدد التوتر بين الجانبين بين فترة وأخرى.

تاريخ النزاع

ليس النزاع حول حقل الدرة وليد اللحظة، بل يمتد إلى ستينيات القرن الماضي، حين كانت خرائط السيادة البحرية في شمال الخليج لا تزال غير محسومة. ففي تلك المرحلة، منحت الكويت وإيران امتيازات متزامنة للتنقيب في الرقعة البحرية نفسها، في خطوة زرعت بذور خلاف طويل الأمد. الكويت ارتبطت بعقد مع شركة “شل”، فيما أبرمت إيران اتفاقا مع شركة النفط الأنغلو-إيرانية، التي أصبحت لاحقا “بي بي”، ما خلق تداخلا قانونيا ظل عصيا على الحسم. ومنذ ذلك الحين، ظل الحقل موضوعا لمشاورات ثنائية ولجان مشتركة لم تفض إلى تسوية نهائية، مع عودة الخلاف إلى الواجهة كلما تغيّرت موازين السياسة أو الطاقة في المنطقة.

وفي هذا السياق يوضح الدكتور “عايد المناع” إن غياب الترسيم النهائي للحدود البحرية بين الدول الثلاث أسهم في إبقاء بعض المناطق موضع خلاف، مشيرا إلى أن جذور الإشكال تعود الى الستينات “حين بدأت إيران تطرح ادعاءات تصل إلى نحو 45 في المئة من الحقل رغم وقوعه بالكامل ضمن المياه الكويتية”.

ويرى ” المناع” أن هذا الخلل في فهم الوضع القانوني جعل طهران تتعامل مع الحقل من منظور لا يتسق مع قواعد قانون البحار، اذ تدفع بخط ترسيم يمتد من جزيرة “خرج” باتجاه البر الكويتي، في حين تعتمد الكويت رؤية أكثر انضباطا تقوم على ترسيم من “فيلكا” إلى “خرج”، وهو النموذج الأكثر انسجاما مع المعايير الدولية، بحسب قوله.

وبالتوازي مع هذه الاشكاليات القانونية شهد العقدان الماضيان دورات متكررة من التوتر، تمثلت في اعلانات ايرانية عن نيتها تطوير ما تسميه حقل “ارش”، مقابل مواقف خليجية رافضة لاي عمل احادي. وفي المقابل شكل توقيع الكويت والسعودية مذكرة التفاهم عام 2019 محطة مفصلية، اذ اتفق البلدان على تطوير الحقل وتقاسم انتاجه بالتساوي وفقا لصيغة الفصل البحري، استنادا الى تقديرات تشير إلى إمكان إنتاج نحو مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا إضافة الى نحو 84 ألف برميل من المكثفات. وقد قوبلت هذه الخطوات الخليجية برفض إيراني متكرر، مع تأكيد طهران أنها لا تعترف بأي اتفاقات ثنائية تتعلق بالحقل.

الموقف الإيراني

مع تصاعد الجدل حول حقل الدرة، يتقدّم البعد القانوني بوصفه المدخل الأكثر حسما لفهم حدود النزاع. ويقول الباحث عايد المناع أن إيران، رغم خطابها السياسي المتكرر، لم تقدم حتى الآن سندا قانونيا معترفا به يدعم مطالبها بالحقل. ويقول إن موقع الدرة، وفق القراءة الجغرافية للحدود البحرية، يقع جنوب السواحل الكويتية ويمتد ضمن المنطقة المشتركة بين الكويت والسعودية، من دون اتصال مباشر مع الحدود الإيرانية.

ويتقاطع هذا التوصيف مع قراءة قانونية يقدمها الباحث زايد العمري، الذي يعيد النزاع إلى قواعد قانون البحار كما أرستها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982. ويقول إن المطالبات المبنية على “حقوق تاريخية” تفقد قيمتها القانونية ما لم تستند إلى اتفاقيات موثقة، أو خرائط رسمية، أو ممارسة سيادية قابلة للإثبات، وهي عناصر يرى أنها غير متوافرة في الموقف الإيراني، مقابل طرح سعودي – كويتي يستند إلى مبادئ قانونية معتمدة، من بينها خط المنتصف وآليات الترخيص المشترك، حسب قوله.

لم يمر البيان الخليجي من دون رد إيراني، إذ سارعت طهران إلى وصف البيان الخليجي بشأن الجزر الثلاث وحقل الدرة بأنه “ادعاءات لا أساس لها”. وحذرت من “تجاوز الخطوط الحمراء، مشيرة إلى “حقوق تاريخية” في حقل الدرة، في موقف يعكس استمرار الخلاف حول الملف، ولا سيما في ظل غياب ترسيم نهائي للحدود البحرية بين الكويت وإيران، ما قد يبقي الجدل القانوني والسياسي حول حقل الدرة مفتوحا إلى أجل غير مسمى.