![]()
بالنسبة للولايات المتحدة، قد يبدو الحديث عن الغاز السوري تفصيلا صغيرا في منطقة مضطربة. لكن التطورات الأخيرة تُظهر أن ما يجري قبالة السواحل السورية قد يتحول إلى ملف استراتيجي في ما يتعلق بأمن الطاقة العالمي ودور واشنطن في شرق المتوسط.
أضحت السواحل السورية إحدى أهم بؤر اكتشاف الغاز في القرن الحادي والعشرين.
أثار الإعلان الذي نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا) حول لقاء جمع الرئيس السوري أحمد الشرع مع وفد من شركة شيفرون الأميركية والشركة السورية للنفط، تساؤلات واسعة: هل تمهّد واشنطن بهدوء لفتح قطاع الطاقة السوري أمام الشركات الأميركية؟ وهل تدخل سوريا، التي لطالما كانت بعيدة عن الاستثمار الغربي، في خريطة الغاز الإقليمية؟
عندما راسلنا شركة شيفرون للحصول على تعليق، اكتفت بالقول – لرندة جباعي من MBN – إنها “تُراجع باستمرار الفرص الجديدة” لكنها “لا تُعلّق على المسائل ذات الطبيعة التجارية”.
مع ذلك، يرى خبراء أن مجرد ظهور اسم شيفرون في دمشق يحمل دلالات سياسية عميقة. خبيرة الطاقة والنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتايان قالت لـ MBN الأمر يشبه “ضوءا أخضر أميركيا”. وأضافت ان الخطوة لا يمكن فصلها عن تبدّل السياسة الأميركية في المنطقة، بالتالي “زيارة شيفرون إلى سوريا تأتي ضمن سياق دعم أميركي يسمح للشركات الأميركية بالنظر إلى أسواق كانت تُعتبر معادية سابقا. هذا يشبه ضوءا أخضر سياسيا للدخول إلى سوريا”.
وتشير هايتايان أن وجود شيفرون القوي في مصر وإسرائيل وقبرص يجعل من الطبيعي أن تدرس الشركة التوسع شمالًا نحو الساحل السوري، حيث ما تزال معظم المناطق البحرية غير مستكشفة.
لماذا يجب أن يهتم الأميركيون؟ لأن شرق المتوسط أصبح خلال سنوات قليلة مكوّنا رئيسيا في أمن الطاقة الأوروبي، أي الشريك الاقتصادي والأمني الأهم للولايات المتحدة.
ومع الحرب في أوكرانيا، ومساعي أوروبا للابتعاد عن الغاز الروسي، أصبح أي اكتشاف جديد في المنطقة، خصوصا القريبة من خطوط النقل إلى أوروبا، ذات أهمية مباشرة لواشنطن.
فبينما اكتشفت إسرائيل حقول ليفياثان وتمّار، ومصر حقل ظهر العملاق، وقبرص حقل أفروديت، بقي الساحل السوري واحدا من أقل المناطق تنفيذا للمسوحات البحرية.
توضح هايتايان أن “سوريا لم تنفّذ المسوحات البحرية اللازمة. نظريا قد تحتوي المنطقة الاقتصادية الخالصة السورية مكامن واعدة، لكن لا توجد بيانات كافية”.
رغم ذلك، تمتلك سوريا شبكة واسعة من الحقول البرية في تدمر، والجحّار، والمهر، وآراك، والشاعر، والسويدية، التي شكّلت أساس إنتاجها قبل الحرب.
تشير بيانات ما قبل الحرب إلى احتياطي يبلغ 8.5 تريليون قدم مكعب من الغاز. لكن الإنتاج انخفض من 8.7 مليار متر مكعب عام 2011 إلى 3 مليارات فقط عام 2023.
وتشرح هايتايان الأسباب، ومنها غياب الشفافية قبل 2011، سيطرة داعش على العديد من الحقول، خسارة الحكومة لقدرتها التقنية والمالية، العقوبات والخطر الأمني الذي منع أي استثمار أجنبي. وتقول هايتايان إن “إسرائيل هي اللاعب الوحيد الذي يملك فائضا للتصدير حاليا، وهنا يصبح أي اكتشاف سوري محتمل جزءا من معادلة أمن الطاقة التي تهتم بها واشنطن، اما تركيا، التي تستقبل الغاز الأذري عبر TANAP، ستكون طريقا طبيعيا لأي غاز سوري مستقبلي، ما يجعل الملف جزءا من شبكة النفوذ الإقليمي بين الولايات المتحدة، تركيا، أوروبا وروسيا.