![]()
عناوين صاخبة رافقت صدور الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب حول جماعة الإخوان المسلمين.
احتفل البعض بالقرار باعتباره لحظة تاريخية. آخرون حذّروا من تداعياته.
لكن خلف هذا الضجيج كانت الأجهزة التي تعمل فعلا في ملفات مكافحة الإرهاب ترى شيئا أبسط: الأمر لا يستهدف الجماعة ككيان عالمي، بل يضرب فقط الفروع التي تعتقد الإدارة أنها قادرة على كسبها قانونيا.
من هنا، تبدأ القصة.
الأمر التنفيذي لا يصنّف جماعة الإخوان في العالم كمنظمة إرهابية، ولا يسعى أصلًا لذلك. كما قال محلل كبير في مكافحة الإرهاب في واشنطن لقناة الحرة، إن “التصنيف الشامل لن يصمد قانونيا. لهذا ركز الأمر على الفروع التي يملك البيت الأبيض أدلة قوية بشأنها“.
الأمر يفتح الباب لمراجعة رسمية تستهدف ثلاثة فروع فقط: لبنان ومصر والأردن. الإدارة تعتقد أن هذه الملفات يمكن إثباتها.
لبنان متهم بدعم عمليات إطلاق صواريخ بعد السابع من أكتوبر. ومصر مرتبطة بالتحريض في اليوم نفسه. أما الأردن فمتهم “بدعم مادي طويل الأمد” لحماس. وقال المصدر: “ثلاث دول، ثلاث مسوغات قانونية مختلفة. لهذا وقع الاختيار عليها“.
هذا النهج الانتقائي تحديدا هو ما يشق الصف داخل التحالف الذي ضغط لسنوات من أجل تصنيف عالمي للجماعة.
مصدر استخباراتي آخر قال: “الجهات التي كانت تريد تصنيفا شاملا غاضبة. انظر إلى منشورات لورا لوومر. تهاجم سيباستيان غوركا علنًا لأنه قبل بالصيغة الضيقة“.
وبحسب الخبير في مكافحة الإرهاب، “في الوقت الحالي لا يوجد أساس قانوني لتصنيف عالمي. لذلك ترى هذا الخلاف الغريب بين أطراف يُفترض أنها في المعسكر نفسه“.
لسنوات، دافع خبراء مثل مات ليفيت عن هذه المقاربة الجزئية. ليفيت، الذي عمل على هذا الملف سابقًا في الحكومة ويقود اليوم أبحاثا في معهد واشنطن، قال لـ”الحرة” إن الأمر التنفيذي “لا يمنح سلطات جديدة” لكنه يمنح الإدارة “مهلة زمنية تُجبر الوكالات الأميركية على مراجعة رسمية للملف“.
وأضاف أن منطق الاستهداف الانتقائي بسيط: “لا توجد عقبات قانونية أو عملية تمنع تصنيف بعض الفروع دون غيرها. هذه الطريقة تمنح الحكومة مسارا واضحا للتعامل مع الجهات المرتبطة فعلا بالإرهاب“.
أما السؤال الذي يتكرر: لماذا غابت تركيا وقطر؟
بحسب ليفيت، السبب أن “الفروع الموجودة فيهما لا تملك نشاطا عنيفا واضحا يبرر تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية”. لكنه أوضح أن كيانات داخل البلدين يمكن استهدافها عبر العقوبات المالية بدلا من التصنيف الإرهابي. وقال: “خذ مثلا منظمة IHH في تركيا، وهي تخضع للتدقيق منذ سنوات بسبب صلات مزعومة بحماس“.
لكن القائمة تكشف ما تعتقد الإدارة أنها قادرة على ربحه قانونيا، فيما تكشف الاستثناءات جانبا آخر. قطر وتركيا، رغم احتضان كل منهما تيارات أو شخصيات مرتبطة بالإخوان، لم تُذكرا في وثائق البيت الأبيض.
لماذا؟ كانت الإجابة مباشرة: “بعض الدول لديها جماعات ضغط. وبعضها يملك نفوذا. وبعضها يملك الأمرين معا. وقطر كانت فعالة جدا في حماية نفسها من التصنيف رغم دعمها المعروف لإخوان مصر في حقبة مرسي عام 2012“.
الأردن، من جهته، شدد قبضته مؤخرا على فرع الإخوان فيه، مما جعله ملفا قانونيا أبسط. أما لبنان، فيقول المصدر إنه أُدرج بعدما “شاركت إسرائيل معلومات جديدة مع واشنطن تربط جهات محددة بإطلاق صواريخ بعد السابع من أكتوبر. عندما تبحث عن ملف مضمون، تبدأ من حيث يوجد أكبر قدر من الأدلة“.
الجدول الزمني للأمر التنفيذي يكشف الكثير. فالخارجية والخزانة أمامهما 30 يوما للمراجعة و45 يوما للتصنيف الرسمي. وبالنسبة لعملية تشمل الخارجية والخزانة والعدل وأجهزة الاستخبارات، هذه سرعة لافتة.
محلل معروف في واشنطن بمتابعته ملف الإخوان المسلمين أوضح: “هذا الإيقاع يعني أنهم يعتبرون أن العمل التحضيري منته. ليست رحلة تقصي. هم مقتنعون أن لديهم الأدلة“.
لكن التحدي الحقيقي يبدأ بعد صدور أي تصنيفات. “أنت تستهدف فروعا مسلحة محددة داخل حركة واسعة ومشتتة”، قال المصدر. “يجب تجميد الحسابات الصحيحة دون المساس بمستشفى أو مدرسة أو جمعية. الأمر معقد“.
المحلل حذر أيضًا من تداعيات أوسع: “بعد 11 سبتمبر رأينا ما يحدث. بمجرد أن تبدأ التصنيفات تبدأ معها الدعاوى والتحقيقات. بعضها مبرر وبعضها لا. منظمات صغيرة تتضرر. وأشخاص يقضون سنوات لإثبات براءتهم“.
الخلاصة: فروع الإخوان المسلمين ليست متشابهة. والأمر التنفيذي يعكس ذلك. بعض الفروع استهدفت لأن الأدلة واضحة وحديثة. والبعض استُبعد لأن الملف ضعيف أو الحسابات السياسية معقدة.
عبارة “تصنيف الإخوان” ستتصدّر العناوين، لكن الواقع أضيق بكثير… وأكثر تقنية… وأكثر حساسية.
العملية بدأت. أما آثارها فستظهر على مدى سنوات.