![]()
يتصاعد في إسرائيل حديث عن احتمال مواجهة مع حزب الله، ليس عبر حرب شاملة، وإنما عبر نموذج عملياتي جديد بات يُعرف في الأوساط العسكرية بـ”أيام القتال” — سلسلة مواجهات محدودة لكنها مركّزة، تهدف لتقويض قدرة الحزب على إعادة بناء بنيته العسكرية جنوب الليطاني.
حتى أكتوبر عام 2023، تبنّت إسرائيل سياسة احتواء تجاه حزب الله، تستند إلى الرد المحدود والحفاظ على الوضع القائم.
لكن تجربة السابع من أكتوبر – كما يقول مسؤولون إسرائيليون – غيّرت كل شيء.
الهجوم الكاسح الذي نفذته حماس من غزة، دفع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى إعادة تعريف الخطوط الحمراء: العدو الذي يمتلك قدرة، قد يستخدمها.
وزير الاقتصاد نير بركات عبّر عن هذا التوجه بوضوح، حين قال في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية: “إذا أعيد بناء القدرات الصاروخية لحزب الله، فسنكون مضطرين للعمل بحزم. لا يمكننا أن نسمح بتكرار سيناريو 7 أكتوبر في الشمال”.
التحول من العقيدة القديمة إلى الجديدة تُرجم عمليا عبر تكثيف الغارات الجوية في جنوب لبنان.
وكان الجيش الإسرائيلي نفّذ هذا الأسبوع غارتين متتاليتين على خمسة مخازن أسلحة في مناطق عيتا الشعب، دير كيفا، طير فلسية، شحور – وكلها تقع جنوب الليطاني. هذه المواقع، كانت تابعة للوحدة الصاروخية في حزب الله، والتي نفذت مئات عمليات الإطلاق خلال عملية “سهام الشمال”.
وقال مسؤول إسرائيلي لـ”الحرة” إن العملية سبقتها خطة إجلاء سكاني مدروسة استغرقت نحو ثلاث ساعات، نُفذت على مرحلتين.
واعتبر أن هذه الضربات جزء من “سلسلة عمليات مستمرة منذ عام، هدفها إحباط محاولات حزب الله لإعادة التسلّح، وتعميق الإنجاز العملياتي من خلال ضرب البنى التحتية وتصفية العناصر الميدانية”.
منذ وقف إطلاق النار نهاية نوفمبر الماضي، قام الجيش الإسرائيلي بتحييد أكثر من 360 عنصرا لحزب الله، واستهدف مئات “أهداف الإرهاب”، كما تُسميها تل ابيب.
إسرائيل تُحمّل لبنان المسؤولية: الجيش لا يتحرك
في السياق نفسه، أكد مصدر في قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي لـ”الحرة” أن “الجيش اللبناني لم يُفعّل حضوره في المناطق المأهولة جنوب الليطاني” بغية إحباط القدرات العسكرية التابعة لحزب الله وانما يكتفي بإنفاذه في مناطق خلاء.
وأوضح المصدر أنه في حال لم يقم الجيش اللبناني (الذي يتم إبلاغه بواسطة لجنة “الميكانيزم”) بتدمير المواقع التي يعطي إحداثياتها الجيش الإسرائيلي، فان هذا يعد خرقًا لالتزامات القرار 1701 وعندها يقوم الجيش الإسرائيلي بتدمير هذه المواقع بنفسه.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن إسرائيل أبلغت الإدارة الأميركية بمعلومات استخباراتية تُظهر فشل الجيش اللبناني في فرض سيطرته، على عكس ما تروّجه بيروت، وهو ما قد يُسرّع اتخاذ قرار بشن عملية محدودة إذا استمر هذا “الفراغ السيادي”.
ونقلت الحكومة إلى واشنطن رسالة حازمة مفادها: إما أن تباشر الحكومة اللبنانية تطبيق التزاماتها في فترة زمنية محددة، أو ستتدخل إسرائيل لفرض الواقع بالقوة.
التصعيد المحتمل لا يمكن فصله عن السياق السياسي الداخلي.
فمع اقتراب موعد الانتخابات، يعود رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لاستخدام ورقة الأمن القومي كوسيلة لحشد التأييد الشعبي، مستندًا إلى تجربة السابع من أكتوبر التي هزّت ثقة الإسرائيليين بمؤسساتهم.
ويُروّج نتانياهو الآن لسردية مفادها أن إسرائيل لن تتفاجأ مجددًا، وأن الرد يجب أن يكون استباقيًا، خصوصًا إذا استمر “الفراغ السيادي” في لبنان.
لكنّ المراقبين يرون أن الضوء الأخضر لأي تصعيد شمالًا لن يُمنح دون تنسيق مع واشنطن.
وإذا حدثت “أيام قتال” فعلًا، فسيكون ذلك، على الأرجح، ضمن ما يُسمى بـ”ضغط عملياتي مدروس” تُوافق عليه إدارة ترامب الحالية، لأسباب تتعلق بإعادة صياغة التوازن الإقليمي لا أكثر.
الموقف الأميركي… ضوء أخضر تحت المراقبة
ورغم الرسائل المتبادلة بين واشنطن وتل أبيب، لم يصدر عن إدارة الرئيس دونالد ترامب حتى الآن موقف علني يُعطي الغطاء المباشر لعملية عسكرية إسرائيلية في لبنان.
إلا أن تصريحات مسؤولين مقربين من البيت الأبيض توحي بمرونة ضمنية حيال ما تصفه إسرائيل بـ”أيام القتال” أو “عمليات محدودة النطاق”.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تصريحات المبعوث الأميركي الخاص توم باراك قبل شهر، إذ قال: “إذا استمرت الانتهاكات من الجانب اللبناني، فإن إسرائيل قد تُضطر إلى العمل عسكريًا، والإدارة الأميركية تدرك ذلك جيدًا”. وأضاف أن “فرض القرار 1701 بالقوة، إذا فشلت الدولة اللبنانية، ليس أمرا خارج الحسابات الأميركية”.
هذه التصريحات تُقرأ في تل أبيب كإشارة قبول غير مباشرة لعمليات إسرائيلية محدودة تهدف إلى تقويض قدرات حزب الله جنوب الليطاني، شريطة ألا تؤدي إلى حرب شاملة.
غير أن واشنطن تسير على حبل مشدود بين رغبتها في احتواء حزب الله من جهة، وعدم الانزلاق إلى مواجهة واسعة تعطل خططها الإقليمية من جهة أخرى، خاصة في سوريا.
ومع تزايد الحديث عن التصعيد، تبدو الجبهة الشمالية وكأنها دخلت مرحلة “اختبار أعصاب” — اختبار ثلاثي تُجريه إسرائيل ضد حزب الله، والدولة اللبنانية، والوسيط الأميركي.
وفي حال عدم حدوث اختراق سياسي أو ميداني كبير، فإن سيناريو “أيام القتال” – بصفته عملية محدودة النطاق ولكن ذات أهداف استراتيجية – يبقى الأكثر ترجيحًا، بحسب تقييمات إسرائيلية ولبنانية متقاطعة.