بعد تصاعد الحديث عن المرتزقة بالسودان وسقوط “الفاشر”.. نفي أوكراني للتورط بالصراع يثير الشبهات

Loading

تعيش مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، واحدة من أكثر الفترات دموية منذ اندلاع الحرب في السودان، فقد أدت سيطرة ميليشيا الدعم السريع عليها في 26 أكتوبر الماضي إلى مقتل آلاف المدنيين خلال أيام قليلة، ونزوح أكثر من 62 ألف شخص في أقل من 4 أيام، في حين بقي نحو 177 ألفا عالقين تحت الحصار دون ممرات آمنة أو مساعدات.

 

ومع اتساع رقعة العنف، تُتهم ميليشيا الدعم السريع بشن حملة عسكرية واسعة بمساعدة مرتزقة أجانب نفذت خلالها مجازر ممنهجة في دارفور وكردفان، ووُصفت بأنها تطهير عرقي بحق قبائل عديدة أبرزها المساليت.

 

ووسط دائرة العنف التي عصفت بتلك المنطقة تصدر اسم “الفاشر” عناوين الأخبار وبرامج التحليل السياسي مترافق مع عدد كبير من الإدانات العربية والدولية والأممية للهجوم وما رافقه من انتهاكات بحق المدنيين.

 

ويأتي هجوم الدعم السريع على “الفاشر” التي يسيطر عليها الجيش السوداني، بعد أكثر من عام على انتشار تقارير موثقة عن مشاركة مرتزقة أوكران وكولومبيين وأفارقة بالقتال في صفوف ميليشيا الدعم ضد الجيش السوداني، وبعد أيام قليلة من صدور دعوات من جهات رسمية وحزبية سودانية تطالب بتحقيق شامل بملف تجنيد مرتزقة أجانب بالحرب في السودان ومحاسبة المتورطين.

 

الجيش السوداني يكشف عن تورط مرتزقة أجانب بأحداث الفاشر الدامية

في سياق متصل، أكد الفريق إبراهيم الماظ دينق القيادي في القوات المشتركة ومستشار رئيس حركة العدل والمساواة للشؤون الأهلية والمجتمعية، وجود مرتزقة أوكرانيين يقاتلون داخل الفاشر ضمن صفوف الميليشيات مطالبا حكومة وشعب أوكرانيا بسحب مواطنيهم فوراً من الأراضي السودانية.

 

وقال دينق: “إن وجود هؤلاء الأشخاص في صفوف ميليشيا الدعم السريع هو اعتداء على سيادة السودان وأمنه القومي وسيقوم الجيش والقوات المشتركة والقوات المساندة بملاحقتهم أينما كانوا”. مشيراً إلى أن الاتهامات استندت إلى أدلة ملموسة، على حد تعبيره، والتي تضمنت ملفات ووثائق وهواتف نقالة تم الاستيلاء عليها من المقاتلين القتلى والأسرى الذين تبين انهم من اوكرانيا وكولومبيا.

 

وحمّل الفريق الماظ الإمارات بشكل خاص مسؤولية الرعاية والدعم اللوجستي لتنظيم تدفق المقاتلين الأجانب والمتخصصين الأجانب، مما سمح لمليشيا الدعم السريع بتجديد صفوفها وتسهيل الحصول على التكنولوجيا المتقدمة في المعدات العسكرية والأسلحة.

 

وكان المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة للجيش السوداني (الشهيد) العقيد أحمد حسين مصطفى، قد كشف في وقت سابق عن تورط مرتزقة أوكرانيين في العمليات العسكرية التي تنفذها ميليشيا الدعم السريع في إقليم دارفور وبالفاشر تحديداً. وأشار مصطفى إلى أن هؤلاء المرتزقة يعملون كخبراء في المدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة، والتي تُستخدم بشكل مباشر في استهداف المدن والمناطق السكنية، مما يسبب خسائر فادحة وسط المدنيين.

 

ويأتي تصريح العقيد مصطفى تأكيدًا للبيان الذي أصدره الجيش السوداني في وقت سابق، والذي أعلن فيه مقتل عدد كبير من المرتزقة الأجانب، بينهم أوكرانيون وكولومبيون، خلال محاولة هجوم فاشلة على مدينة الفاشر في 30 سبتمبر. وأكد البيان أن المرتزقة يشغلون مهام فنية متقدمة في تشغيل الطائرات المسيّرة وتوجيه المدفعية، وهو مؤشر خطير على تصاعد التدخل الأجنبي في النزاع السوداني.

 

وكانت صحيفة “لاسيلا فاسيا” الكولومبية قد كشفت في مارس الماضي، عن وجود مرتزقة كولومبيين يقاتلون إلى جانب ميليشيا الدعم السريع في السودان ويتقاضون رواتب من الإمارات العربية المتحدة.

 

وحسب ما أوردت الصحيفة حينها، فإن المرتزقة الكولمبيين يتقاضون راتب شهري يقدر بـ 3000 دولار أمريكي للفرد. وفقاً للصحيفة فإن شركة “جي إس إس جي” الإماراتية التي يقع مقرها في دبي، تديرعملية توريد المرتزقة الكولومبيين، وتعمل مع شركة “إيه فور إس آي” الكولومبية لتجنيد المقاتلين الكولومبيين، وتتم إدارة هذه العملية بقيادة العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيخانو المقيم في دبي.

 

في السياق ذاته، كان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، قد قال في فبراير 2024 لـ”العربي الجديد”، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد بالسودان، إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”.

 

علامات استفهام حول النفي الأوكراني لتورط مرتزقة كييف بهجوم الفاشر

في سياق متصل، مر أكثر من عام على انتشار تقارير استخباراتية وإعلامية صادرة عن جهات رسمية وغير رسمية محلية ودولية حول تورط قوات أوكرانية ومرتزقة أجانب بالقتال إلى جانب ميليشيا الدعم السريع ضد الجيش السوداني في الصراع الدائر في البلاد منذ أبريل 2023 دون أي تعليق أو نفي رسمي من قبل حكومة كييف لهذه المعلومات.

 

وبعد سيطرة ميليشيا الدعم السريع على مدينة “الفاشر” وخسارة الجيش لها، سارع السكرتير الثاني في سفارة أوكرانيا بالقاهرة لاقتناص الفرصة ونفي الاتهامات التي وجهتها السلطات السودانية والقوات المشتركة الشهر الماضي بشأن مشاركة قوات أوكرانية في القتال إلى جانب ميليشيا الدعم السريع لإفراغ اتهامات الجيش السوداني لأوكرانيا بالتورط بالصراع على مدار العام الماضي من قيمتها وإظهارها بأنها مجرد “بروباغندا” للتغطية على خسارة الجيش في “الفاشر”.

 

واعتبر الدبلوماسي الأوكراني فلاديسلاف رودنيك بأن تلك الاتهامات مجرد “بروباغندا” تهدف – بحسب قوله – إلى تشتيت تركيز المجتمع الدولي عن تراجع القوات السودانية ميدانياً. مضيفاً بأن المرتزقة الذين يقاتلون ضمن صفوف الدعم السريع ينحدرون من كولومبيا وجنوب السودان وتشاد، بينما يقتصر وجود الأوكرانيين في السودان على العاملين في المجال الإنساني ورجال الأعمال والأفراد المدنيين، نافياً وجود أي عسكريين أوكرانيين مع المليشيا. وأوضح أن موارد أوكرانيا موجهة بالكامل للدفاع ضد العدوان الروسي، وأن أي وصول لمعدات أو أفراد إلى السودان يتم عبر شركات خاصة وليس عبر الدولة.

 

 خبير: النفي الاوكراني يؤكد تبعية الخبراء العسكريين الأوكران في السودان لحكومة كييف

 

وتعليقاً على النفي الأوكراني، قال الباحث المتخصص بالشؤون الأفريقية علي سعد السبيعي، بأن تصريحات السفير الأوكراني لدى القاهرة ونفيه تورط قوات أوكرانية في الصراع الدائر في السودان مثير للشبهات، وذلك لعدّة أسباب، أولها، هو أن الصمت الأوكراني على كل الاتهامات والتقارير الموثقة والدلائل التي تثبت تورطهم بالحرب في السودان على مدار أكثر من عام ثم مسارعتهم لنفي الاتهامات في هذا التوقيت بالتحديد – أي بعد سقوط الفاشر بأيدي ميليشيا الدعم السريع، تدل على أنهم متورطون فعلاً ولكن اختاروا هذا التوقيت بالتحديد (أي بعد خسارة الجيش السوداني للفاشر) كي يظهروا الجيش السوداني بأنه يعمل “بروباغندا” فقط ضد أوكرانيا ويحاول أن يغطي على فشله.

 

أما النقطة الثانية المثيرة للشبهات، وفقاً للخبير، فهي أن النفي الأوكراني يدل بشكل مبطن على أن الخبراء العسكريين الأوكران المتواجدين في السودان هم ليسوا مجرد مرتزقة، بل يتبعون بشكل مباشر للقوات والاستخبارات العسكرية الأوكرانية، لأنه بخلاف ذلك كان من الممكن أن يقول السفير الأوكراني رودنيك بأنهم مجرد مرتزقة وليس لنا أي علاقة بهم.

 

خبير: أوكرانيا تستخدم أسماء شركات خاصة لإخفاء تورط قواتها المباشر بالسودان

أما النقطة الثالثة المثيرة للشبهات وفقاً للدكتور السبيعي، هي أن السفير الأوكراني رودنيك قال بأن “أي وصول لمعدات أو أفراد أوكران إلى السودان يتم عبر شركات خاصة وليس عبر الدولة”. في الوقت نفسه انتشرت معلومات في وقت سابق عن استخدام الاستخبارات الأوكرانية لأسماء شركات خاصة في عمليات تجنيد ونقل المرتزقة للسودان وأفريقيا لإخفاء تورطها بشكل مباشر في هذه القضايا.

 

ووفقاً لبعض التسريبات من مصادر كولومبية، فإن الاستخبارات الأوكرانية لجأت لاستخدام شركة Forward Observations Group والتي تسمى اختصارا (FOG) وهي شركة عسكرية خاصة، للتمويه على تورطها بقضية تدريب المرتزقة الكولومبيين والأوكران قبل إرسالهم للسودان ودول أخرى.

 

وأشارت المصادر إلى أن المرتزقة الكولومبيين يوقعون عقود مع شركة (FOG) للتدريب في مولدوفيا حتى لا يتم التوقيع بشكل مباشر مع الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، التي تستخدم هذه الشركة للتغطية على أنشطتها العسكرية الخارجية.

 

وبحسب بعض الخبراء العسكريين، فإن شركة (FOG) ليست شركة أمريكية كما ذكر موقع intelligenceonline سابقاً، بل هي شركة أوكرانية وتعمل لصالح الاستخبارات الأوكرانية. مما يثبت بحسب الخبير أن القيادة العسكرية والاستخباراتية الأوكرانية تتلطى وراء شركات خاصة لإخفاء تورطها بقضية المرتزقة الكولمبيين والأوكران.

 

وكانت “منصة القدرات العسكرية السودانية” قد أكدت بوقت سابق بأن ما جرى في الفاشر هو نصر بالوكالة “Proxy Victory” بالمعنى الدقيق للمصطلح العسكري. مؤكدة مشاركة مرتزقة من دول مثل كولومبيا وأوكرانيا بالإضافة لمرتزقة من جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وتشاد ومالي والنيجر في العمليات القتالية التي جرت داخل المدينة.

 

وكان مجلس الأمن الدولي قد أدان بشدة الهجوم الذي شنّته ميليشيا الدعم السريع على الفاشر، في حين قالت محكمة الجنايات الدولية إنها تتحقق من ارتكاب جرائم في شمال دارفور.