الانتخابات العراقية.. الكرد أمام “مفترق طرق”

الانتخابات العراقية.. الكرد أمام “مفترق طرق”

Loading

قبل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية العراقية، المقررة في 11 نوفمبر 2025، يجد الأكراد أنفسهم أمام اختبار جديد قد يعيد رسم موازين القوى في إقليم كردستان، ويحدد حجم تأثيرهم السياسي في بغداد، ويرسخ دورهم في بناء مستقبل العراق.

من هنا، قد تضع هذه الانتخابات الأحزاب الكردية أمام مفترق طرق، بين الهيمنة التقليدية للحزبين الرئيسيين – االديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني – وتحديات المعارضة والصراعات الداخلية.

“الصراعات بين الأحزاب الكردية التقليدية والأحزاب الأخرى، أثرت بشكل كبير جدا على موقفها في البرلمان أو حتى في الحكومة الاتحادية،” يقول أستاذ الدارسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، إحسان الشمري لـ”الحرة”.

“انخراط بعض القوى الكردية في صراع المحاور ضمن المشهد الاتحادي أثّر كذلك على الموقف الكردي، وهذه الخلافات جميعها انعكست على مستوى الأداء بالنسبة للأحزاب الكردية، وبالتالي ضعف أداؤها بشكل كبير جدا،”، يضيف.

الانتخابات العراقية.. الكرد أمام “مفترق طرق”

ورغم أن خارطة المشاركة الكردية لم تتغير كثيرا عن الدورات السابقة، يضفي دخول “تيار الموقف الوطني” و”جبهة الشعب” السباق البرلماني للمرة الأولى، طابعا مختلفا على المنافسة بين ثمانية أحزاب كردية، أبرزها، إلى جانب الحزبين الرئيسيين، جماعة العدل الكردستانية، والاتحاد الإسلامي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحركة الجيل الجديد، إضافة إلى عدد من المرشحين المستقلين.

ومنذ عام 1992، يتصدّر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، المشهد السياسي في الإقليم، ويتقاسمان السلطة في حكومته منذ 2005. لكن خلف هذا “التقاسم” تتواصل المنافسة، وتشتدّ مع اقتراب كلّ استحقاق انتخابي.

ويستند الحزبان الرئيسيان إلى قاعدتين شعبيتين راسختين، إذ يحافظ “الديمقراطي” على المرتبة الأولى في معظم الانتخابات، يليه “الاتحاد الوطني”، فيما تتقاسم باقي الأحزاب عددا محدودا من المقاعد البرلمانية.

وأطلق الحزب الديمقراطي الكردستاني حملته الانتخابية هذا العام تحت شعار “الشراكة والتوازن والتوافق”، متعهدا بتنفيذ الدستور لحلّ الخلافات مع بغداد، وتنويع الاقتصاد، وتعزيز العدالة، وحماية مصالح الإقليم والعراق معا. الحزب، الذي قاد استفتاء الاستقلال عام 2017، ما زال يقدّم نفسه بوصفه حامل الراية القومية الكردية والمدافع عن حقوق الإقليم.

أما الاتحاد الوطني فاختار شعارا أكثر مباشرة هو “نحن قوتك في بغداد”، واضعا إصلاح الرواتب وتوحيد معاييرها وتحسين الخدمات وصون كرامة المواطن في صدارة أولوياته. في المقابل، ركزت القوائم الصغيرة والمستقلون على شعارات تقليدية تدعو إلى تعزيز العلاقة مع بغداد وحلّ الملفات العالقة، وفي مقدمتها النفط والرواتب والمناطق المتنازع عليها.

ورغم محاولات عدة، لم تتمكن القوى الكردية من تشكيل تحالف موحّد كما جرى في انتخابات 2014، ما يجعلها تدخل السباق مشتتة وفي أجواء داخلية متوترة.

منذ وفاة جلال طالباني عام 2017، يعيش “الاتحاد الوطني” في دوامة انقسامات وصراعات داخلية. وفي الأشهر الماضية، شهدت السليمانية مواجهات مسلّحة بين قوات تابعة للحزب و”جبهة الشعب” التي يقودها لاهور شيخ جنكي، وانتهت باعتقال الأخير وتفكيك جناح الجبهة العسكري. واعتُقل، أيضا، رئيس حركة “الجيل الجديد” شاسوار عبد الواحد، ولا يزال الاثنان قيد الاحتجاز، ما يثير مخاوف في أوساط المعارضة من “تصفية سياسية” قد تقضي على التعددية داخل الإقليم.

ما يجري هو “عملية تركيز للنفوذ،” يقول الخبير السياسي العراقي عقيل عباس، مضيفا أن أن خطوة طالباني ضد خصومه حظيت بقبول ضمني من أربيل وطهران وربما بغداد، “لأن الجميع يفضّلون التعامل مع الزعامات التقليدية”.

ويعتقد عباس أن الحديث عن تحالف كردي موحّد جديد “لن يتجاوز الطابع الشكلي”، مؤكداً أن المشهد الكردي يتجه نحو مزيد من الانقسام.

وتتنافس القوائم الكردية على 46 مقعدا مخصصة لمحافظات الإقليم، منها 12 للنساء ومقعدان للأقليات، إلى جانب عدد آخر من المقاعد في المناطق المتنازع عليها في نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، ما قد يرفع التمثيل الكردي إلى نحو 70 مقعدا في البرلمان العراقي، الذي يبلغ عدد أعضائه 329.

وترى أورنك برزنجي، عضوة الحزب الديمقراطي الكردستاني، “ألّا خيار أمام الأكراد سوى التفاهم والتوحّد لحماية مكاسبهم وضمان حقوقهم في بغداد”، مؤكدة أن “الانتخابات لن تغيّر كثيراً في خريطة القوى داخل الإقليم، حيث يظل “الديمقراطي” في الصدارة، يليه الاتحاد الوطني كقوة سياسية ثانية ومن ثم قوى المعارضة”.

وتجري الانتخابات وفق قانون 2023، الذي يجعل كلّ محافظة دائرة انتخابية واحدة، ويتم احتساب القاسم الانتخابي فيها وفق النظام النسبي عبر القائمة المفتوحة وبصيغة “سانت ليغو 1.7″، ما يعزز فرص الأحزاب الكبيرة كالحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني على حساب الأحزاب الصغيرة والمستقلّين. هذا النظام، الذي يوزّع المقاعد حسب نسبة الأصوات، قد يعيد تركيز السلطة بيد الزعامات التقليدية.

يصف محمود خوشناو، عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، الانتخابات المقبلة بأنها “مسؤولية مزدوجة” للكرد: حماية مكتسباتهم في الإقليم، والمشاركة الفاعلة في بناء الدولة العراقية. ويقرّ بأن العلاقات بين الحزبين الحاكمين “تشهد تشظيا وفقدان ثقة”، لكنهما مضطران للتعاون في ظل التحدّيات الإقليمية والدولية وضغوط بغداد.

وفي منتدى معهد الشرق الأوسط للأبحاث (MERI) في أكتوبر الماضي، قال رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني إن “عدم تطبيق الدستور هو مصدر مشاكل العراق”، معتبرا أن الانتخابات المقبلة “الأهم منذ 2005 لأنها تمثل بداية مرحلة جديدة لتطبيق الدستور”.

لكن المتحدث باسم جماعة العدل الكردستانية لقمان عزيز يرى أن هذه الانتخابات “لن توحّد البيت الكردي لأن سياسات الحزبين الحاكمين خلقت فجوة يصعب ردمها”.

على النقيض، يعتقد رئيس مؤسسة كردستان لحقوق الإنسان هوشيار مالو أن الانتخابات تمثل “فرصة محورية لإثبات أن الأكراد ما زالوا قوة وطنية مؤثرة”، خصوصاً مع تراجع النفوذ الإيراني في العراق. ويشدد على أن المطلوب هو “تحالفات تخدم مصلحة الشعب الكردي لا المصالح الآنية أو المالية”.

وبحسب الشمري، فإن القوى الكردية، رغم مشاركتها في “ائتلاف إدارة الدولة” بعد انتخابات 2021، “فشلت في استثمار موقعها لتطبيق المادة 140 أو تمرير قانون النفط والغاز”، مرجعا ذلك إلى الانقسام الداخلي وصراع المحاور بين أربيل والسليمانية. ويرى أن هذا التشتت “أضعف أداء الأحزاب الكردية داخل البرلمان والحكومة الاتحادية”.

وتحدد المادة 140من الدستور العراقي آلية حل”مسألة كركوك” و”المناطق المتنازع عليها” بين إقليم كردستان والحكومة المركزية.

ويذهب المحلل السياسي جعفر زيارة إلى أن “الانفتاح الخارجي لإقليم كردستان وتعدّد تفاهماته الإقليمية انعكس سلبا على وحدة قراره السياسي”، مشددا على ضرورة “تحقيق توازن بين الانفتاح الخارجي وتماسك الموقف الداخلي لضمان دور كرديّ أكثر تأثيراً في صياغة مستقبل العراق”.

وتأتي الانتخابات البرلمانية العراقية في لحظة إقليمية دقيقة، مع انحسار نفوذ طهران وتراجع سطوة الجماعات المسلحة الموالية لها، ما يفتح الباب أمام تحالفات جديدة قد تشمل القوى الكردية والأطراف العراقية المناهضة للنفوذ الإيراني، وفق مراقبين تحدثوا لـ”الحرة”.

وفي ظل انقسام البيت الكردي بين أربيل والسليمانية، تبقى الأنظار متجهة إلى 11 نوفمبر، اليوم الذي سيختبر فيه الأكراد قدرتهم على تجاوز الماضي، بدلاً من البقاء عالقين فيه.