صواريخ بلاد قيود

Loading

صواريخ بالستية “بلا قيود”، هذا ما تروج له إيران منذ مطلع أكتوبر 2025 بعد قرار المرشد الإيراني علي خامنئي  رفع القيود عن مديات الصواريخ وتطويرها كي تصل إلى أي هدف ضروري.

وفي خضم مساعيها لتطوير صواريخ عابرة للقارات، يتحدث خبراء وقيادات في المعارضة الإيرانية عن تطوير إيران لصواريخ بالستية يصل مداها إلى أكثر من 5 آلاف كيلومتر، أي أن بإمكانها إصابة أهداف في أوروبا.

وأعلن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أحمد بخشيش أردستاني، في 9 أكتوبر، أن إيران طورت وستطور برنامجها الصاروخي بما يتناسب مع احتياجاتها.

وقال أردستاني لموقع “إيران ديدبان” ، “في السابق، صرّح المرشد الأعلى، لأسباب يراها مناسبة، بأن مدى صواريخ إيران يجب أن يقتصر على 2200 كيلومتر، لكنه الآن رفع القيود المفروضة على مدى الصواريخ”.

وأشار إلى أنه من المنطقي ألا تقبل بلاده أي قيود على مدى صواريخها، لأن قوتها الرئيسية في الحرب هي الصواريخ، وعليها تعزيز أهم عنصر في قوتها العسكرية، ألا وهو برنامج الصواريخ، دون أي قيود.

وسبق تصريح أردستاني، تصريح أدلى به محمد جعفر أسدي، نائب مدير دائرة التفتيش في مقر خاتم الأنبياء المركزي في الحرس الثوري، الذي قال في مقابلة مع وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري، “ستزيد إيران من مدى صواريخها إلى أي حدّ ضروري”.

وخلال السنوات الماضية، كانت السياسة الإيرانية المعلنة في مجال صناعة الصواريخ مقيدة بمديات محدودة، ولطالما أعلن المسؤولون الإيرانيون أن برنامج بلادهم الصاروخي برنامج دفاعي، لكن هذا التوجه تغير بعد حرب الاثني عشر يوما، في مايو الماضي مع إسرائيل، وأعلنت إيران وعلى لسان العديد من مسؤوليها أن التفاوض على برنامجها الصاروخي “خط أحمر”.

وعن أسباب تقييد مدى الصواريخ خلال السنوات الماضية، قال قائد مقر “بقية الله” في الحرس الثوري، محمد علي جعفري لوكالة انباء فارس: “لم تكن لدينا أي قيود على تطوير مدى الصواريخ في العديد من المناطق، ولكن كانت هناك احتياطات واعتبارات من القيادة؛ بما في ذلك عدم زيادة المدى إلى ما يتجاوز الحاجة الإقليمية كي لا يشعر الأوروبيون بالتهديد”.

وأضاف جعفري “لم يكن تهديدنا الإقليمي في الغالب ضمن مدى 2000 كيلومتر؛ كان الأعداء الإقليميون، كإسرائيل والقواعد الأميركية، متواجدين ضمن نطاق محدد، ولم تكن هناك حاجة للاستفزاز أبعد من ذلك”.

ووفق الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، تستطيع إيران تطوير مدى صواريخها الحالية التي تبلغ 2000 كيلومتر بشكل سريع وفي وقت قياسي، لكن لا تستطيع أن تتجاوز حاليا في صناعتها مدى 5 آلاف كيلومتر الذي يعتبر عابرا للقارات، لأنها لتحقيق ذلك تحتاج الى عدة سنوات.

ويعتبر القيادي في حزب الحرية الكردستاني الإيراني المعارض، بشيو مفاخري، أن رفع خامنئي القيود عن مدى الصواريخ، ينذر بخطر حقيقي كبير على أوروبا، وبالتالي يرى مفاخري أن إيران ستستخدم التهديد بصواريخها كورقة ضغط على الأوربيين ليرضخوا لمطالبها ويرفعوا عنها العقوبات.

“من الصعب أن تشن إيران هجمات مباشرة على الولايات المتحدة لبعد المسافة بين البلدين الى جانب القدرات الدفاعية والتكنلوجيا العسكرية التي تمتلكها أميركا لإحباط الهجمات، لكن التهديد الإيراني لأوروبا والقواعد الأميركية في المنطقة حقيقي للغاية والمديات التي ستصل إليها إيران بعد رفع القيود ستمكنها من استهداف المدن الأوروبية،” يقول مفاخري لـ”الحرة”.

يعود برنامج الصواريخ الإيرانية وتطويرها الى ثمانينيات القرن الماضي، إذ بدأت إيران خلال حربها مع العراق تطوير هذا البرنامج، وزادت من قدراته خلال التسعينيات واعتمدت في ذلك على خبرات كوريا الشمالية وروسيا والصين، وزادت الدول الثلاث من تعاونها التكنلوجي مع طهران في مجال تطوير برنامجها الصاروخي خلال السنوات الماضية، وتمخض عن هذا التعاون عن إنتاج وتطوير ترسانة صاروخية مكونة من صواريخ بعيدة المدى ومتوسطة وقصيرة، هذا الى جانب تطوير صناعة الطائرات المسيرة الإيرانية الانتحارية.

وبعد متابعات وتقصي دقيق للبرنامج الصاروخي الإيراني، والتواصل مع خبراء من داخل إيران وخارجها، ومعلومات حزب الحرية الكردستاني و”تنفيذية دولة الأحواز المعارضة” وعدد آخر من قيادات المعارضة الايرانية، تمكنت “الحرة” من التوصل الى معلومات دقيقة عن عدد من الصواريخ الإيرانية المطورة حديثا التي زادت الصناعات جو فضائية الإيرانية من مدياتها حتى خلال فترة القيود الداخلية عليها ضمن برنامج سري تفاديا للاصطدام مع واشنطن والدول الاوربية.

وتشمل الترسانة، صواريخ بعيدة المدى هي:

صاروخ عماد، وهو صاروخ بعيد المدى من نوع أرض-أرض، يصل مداه الى 1700 كيلومتر، وهو من الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل، وأول صاروخ إيراني مزود بخاصية “MARV” وهي نوع من الرؤوس الحربية الخاصة بالصواريخ البالستية، التي تمنح الصاروخ القدرة على المناورة وتغيير مسار وبالتالي دقة كبيرة إصابة الهدف خاصة الأهداف المتحركة.

صاروخ قدر وهو صاروخ بعيد المدى من نوع أرض- أرض من سلسلة صواريخ قدر التي تتكون من قدر “H”  “F” و” S”، وهو نسخة مطورة لصاروخ شهاب 3، عند إنتاجه لأول مرة عام 2007 كان مداه نحو 1600 كيلومتر لكن أجري عليه خلال السنوات الماضية العديد من عمليات التطوير وزيادة مداه، كان آخرها في أكتوبر 2025 حين وصل مداه إلى 2000 كيلومتر وزود بنظام إلكتروني، وهي من الصواريخ التي استخدمتها إيران في الحرب ضد إسرائيل في يونيو الماضي.

وصواريخ قدر من الصواريخ البالستية ثنائية المرحلة، حيث تستخدم الوقود السائل في المرحلة الأولى والوقود الصلب في المرحلة الثانية، وتوفر ثنائية المرحلة للصواريخ البالستية مدى أطول وقدرة على تجاوز منظومات الدفاع الجوية.

صاروخ سجيل، صاروخ بالستي بعيد المدى، ثنائي المرحلة يعمل بالوقود الصلب، جرى عليه عدة عمليات تطوير خلال السنوات الماضية، وهي سلسلة مكونة من سجيل وسجيل-2 وهو النموذج الحالي من الصاروخ ويتراوح مدى الصاروخين سجيل وسجيل -2 ما بين 2000- 2500 كيلومتر،  أما سجيل- 3 فهو في مرحلة التجارب وهو من الصواريخ التي يعمل الحرس الثوري الإيراني على زيادة مداه الى 4000 كيلومتر، وقد استخدمت إيران صاروخي سجيل وسجيل -2 لأول مرة خلال هجماتها الصاروخية على إسرائيل في يونيو الماضي.

صاروخ عاشوراء، وهو صاروخ بالستي يصل مداه الى 2500 كيلومتر، وهو من الصواريخ ثنائية المرحلة ويعمل بالوقود الصلب، وهي من الصواريخ التي تصل مداها الى دول أوروبا الشرقية.

صاروخ خورمشهر، وهو صاروخ بالستي بعيد المدى، يعمل بالوقود السائل، انتجت النسخة الأولى منه عام 2017، ويبلغ مداه 2000 كيلومتر،  وشهد تطويرا تدريجيا خلال الأعوام الماضية تمخض عنه اصدار خورمشهر 2 و3، وصدرت أحدث نسخة منه عام 2023، ويعرف بخيبر أو خورمشهر 4، واستخدمته إيران في الحرب مع إسرائيل، وتجري القوة الجو فضائية في الحرس الثوري عليه تحديثات حاليا لرفع مداه الى 4000 كيلومتر.

صواريخ شهاب 4 و5 و6، وهي من سلسلة صواريخ شهاب البالستية، أجرت إيران تحديثات عديدة على النسخ الثلاث الأخيرة من الصاروخ، وهي من الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، يصل مدى صاروخ شهاب 4 إلى نحو 3000 كيلومتر، أما شهاب 5، فيصل مداه إلى أكثر من 5000 كيلومتر، فيما يتوقع أن يبلغ مدى شهاب-6، 10000 كيلومتر وهي النسخة الأحدث من الصاروخ ومازال في طور التجربة.

ويلفت الدكتور محبي “اسم مستعار”، وهو خبير  إيراني في العلاقات الدولية يعيش في طهران، مختص بالعلاقات بين إيران والغرب، ويتابع عن كثب تفاصيل الملف الصاروخي الإيراني منذ الثمانينات، إلا أن العديد من أنظمة الصواريخ الإيرانية هي في الأساس نسخ أو نماذج مقلدة من تصاميم كورية شمالية. على سبيل المثال، صاروخ فاتح، وهو صاروخ بالستي فرط صوتي متوسط المدى، يعتبر النسخة “الإيرانية” من صاروخ هواسونغ-10 الكوري الشمالي.

“زيادة مدى الصواريخ الإيرانية تشكل خطرا محتملا. ففي سيناريو كارثي أو تحت أقصى درجات الضغط، إذا استنتج النظام أنه على وشك السقوط، قد يحاول إطلاق صواريخ باتجاه برلين أو لندن أو باريس أو واشنطن”، يقول الدكتور محبي لـ”الحرة”.

لكنه في الوقت ذاته يرى أن الوضع الحالي للصراع لا يشير إلى نية النظام في طهران شن هكذا هجمات حتى مع تجدد الضربات الإسرائيلية أو المساعدة الأميركية.

ويبين “ما يسعى اليه النظام هو إثارة التوتر الكلامي مع الغرب دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، مع السعي في الوقت نفسه إلى رفع أكبر قدر ممكن من العقوبات”.

ويرجح محبي أن الرد الإيراني فيما إذا تجددت الحرب سيكون بشن هجمات على القواعد الأميركية في العراق وأماكن أخرى في المنطقة، وهي هجمات ينفذها النظام غالبا لتهدئة المتشددين المحليين الذين يتوقعون انتقاماً قاسياً وتدميرا لإسرائيل وداعميها.

تشير معلومات “تنفيذية دولة الأحواز” وهي هيئة سياسية معارضة لطهران تهدف إلى استعادة استقلال الأحواز جنوبي إيران، إلى أن قادة الحرس الثوري لم يتوقفوا عن المطالبة برفع القيود عن مدى الصواريخ البالستية خلال السنوات الماضية.

وتضيف معلومات التنفيذية إلى أنه خلال اجتماع عدد من قادة الحرس مع مرشد النظام خامنئي عام 2018، طالب القادة خامنئي برفع القيود لكنه أصر على البقاء بحدود 2200 كيلومتر فقط. وعندما سئل عن أسباب تحديد هذه المسافة، كان جوابه “من أجل الحفاظ على المحور الشيعي الممتد من طهران إلى الأهواز وبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذه المسافة أقصاها 2000 كيلومتر”.

ويلفت رئيس “تنفيذية دولة الأحواز” عارف الكعبي، إلى أن الصواريخ التي تمتلكها إيران ليست إيرانية الصنع 100% بل هي صواريخ غالبية قطع غيارها واردة إلى إيران من كوريا الشمالية والصين وروسيا، بالتالي يتوقع الكعبي أن تسرع الدول الثلاث في عملية إيصال المواد المطلوبة لصناعة وتطوير الصواريخ البالستية الى إيران كي تنجز عملية زيادة المديات وتطوير صواريخها بسرعة.

ومنذ انتهاء حرب الاثني عشر يوما بين إيران وإسرائيل، لم يتوقف النظام الإيراني من نشر منصات إطلاق الصواريخ البالستية على طول شريطه الحدودي مع العراق وصولا Yلى الأهواز والضفة الشرقية من الخليج.

ويرى الكعبي أن النظام بدأ بترتيب أوراقه للمواجهة بدلا من الانصياع لمطالبات المجتمع الدولي بخصوص برنامج صواريخه البالستية.

“نشرت أعداد كبيرة من منصات الصواريخ البالستية خاصة صاروخ المحمرة (خورمشهر4) على طول الضفة الشرقية للخليج العربي كما مركزت الكثير من منصات صاروخ عماد في مدن كردستان إيران خاصة في كرمنشاه وسنندج والمدن الأخرى. ووفق معلومات مصادرنا من الداخل، إيران تستعد لحرب شاملة”، يقول الكعبي لـ”الحرة”.

لكن هل بإمكان إيران تطوير مدى صواريخها البالستية في وقت قصير  في ظل القيود والعقوبات الدولية المفروضة عليه؟

يجيب الباحث في مجال الفضاء والصواريخ الاستراتيجية الإسرائيلي، تال عنبار، عن هذا السؤال بالقول: إن “تطوير صاروخ بالستي طويل المدى ليس بالأمر السهل، ويتطلب وقتًا طويلاً. لذلك، من غير المرجح أن تمتلك إيران صواريخ جديدة قريبًا”، مشيرا إلى أن  مدى صواريخ خرمشهر كافٍ بالفعل للوصول إلى أجزاء من أوروبا.

ويضيف عنبار لـ”الحرة”، “تعد برامج الفضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني – جزئيا – قناة لتطوير صواريخ بعيدة المدى جدا (4000-5000 كيلومتر). في الواقع، يُعتبر صاروخ “قائم-100″، وهو مركبة إطلاق أقمار صناعية صغيرة، مرشحا محتملا للقيام بدور صاروخ ردع ضد أوروبا”.

ويشدد عنبار على أن إيران وضمن نهجها في نشر الصواريخ والتقنيات ذات الصلة، زودت الحوثيين في اليمن بأحدث الصواريخ في ترسانتها، مؤكدا في الوقت ذاته على أن طهران لن تتوقف عن هذا النهج.

ويعتبر إنهاء البرنامج الصاروخي الإيراني، أحد أبرز الشروط التي تضعها الولايات المتحدة الأميركية والغرب للتوصل إلى صفقة مع إيران، لكن طهران مازالت مصرة على المضي في تطوير برنامجها الصاروخي، وبناء المدن الصاروخية في المناطق الجبلية الوعرة التي تصعب حتى استهدافها جويا.

وفي مؤتمر صحفي مشترك عقده وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو خلال زيارته لإسرائيل في سبتمبر الماضي،  قال روبيو ، إن “إيران نووية، تحكمها قيادة دينية متطرفة، وتمتلك ليس فقط أسلحة نووية محتملة، ولكن أيضا الصواريخ القادرة على إيصال تلك الأسلحة لمسافات بعيدة، تُشكل خطرا غير مقبول على العالم أجمع”، مضيفا أن الرئيس ترامب لهذا السبب يواصل سياسته في حملة الضغط الأقصى. وسيستمر الضغط الاقتصادي الأقصى على إيران حتى تغيّر مسارها.