علي الخضر يكتب: يسألونك عن قيادة البرهان الآن .. قل فيها اثمٌ كبير ومنافع للناس !

علي الخضر يكتب: يسألونك عن قيادة البرهان الآن .. قل فيها اثمٌ كبير ومنافع للناس !

Loading

علي الخضر يكتب: يسألونك عن قيادة البرهان الآن .. قل فيها اثمٌ كبير ومنافع للناس !

المعضلة الرئيسية التي تواجه كل من يحاول احسان الظن بالبرهان حين يكون في موقف ضعيفٍ عقب كل هزيمة وتظهر عليه علامات الضعف والإنكسار هي انّ الرُّجل يفعل – اوّل ما يفعل – بعد انحسار الموجة و العودة الى طريق الإنتصارات هي عودته للعشوائية و الإدارة السيئة والتفكير بصورة شخصية في مستقبله في الحكم ، فيذهب ليعقد الصفقات و المفاوضات السرية التي لا يعلم عنها الشعب شيئا ً ، وهي ما يضعف ثقة الناس فيه كثيراً فلو كان في تلك الصفقات السرية التي يعقدها خيراً للناس لما كان البرهان مضطراً لإبقائها سراً . هذا كله في كفة واهماله لشؤون البلاد الأخرى غير العسكرية- عمداً او غفلةً- وما ادى اليه ذلك من انهيار شبه كامل لنظام الدولة في الوقت الذي كان في مقدوره تقديم اداءاً حكومياً افضل بكثير من هذا يسهم في سحب المزيد من رصيد الثقة القليل اصلاً الذي يناله هنا وهناك عقب تحقيقه لإنتصار في جولة من جولات الحرب .

البرهان .. من هو ؟ وما هي مشكلته ؟

لربما لم يكن في اسوأ كوابيس الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ان تصير الأمور الى ما صارت اليه حينما جلس تلك الليلة على سجاد مُصلَّى بيت الضيافة معلناً للرئيس السابق عمر البشير خبر نهاية حكمه . كانت مشكلة البرهان الأكبر دائماً ضعف القدرة على التنبؤ بمآلات الأمور ، وهي مشكلة كبيرة جداً يعاني منها البرهان و تظهر جلياً جداً في سلسلة القرارات الخاطئة التي اتخذها البرهان منذ اليوم الأول له في الحكم والتي قادت في النهاية الى المشهد السوداني الذي نشاهده اليوم . و على عكس ما توقع الناس ، فقد بدا البرهان في مخاطبته القصيرة للشعب السوداني اليوم هادئاً على الرغم من حرارة الشارع العام الذي يغلي على اثر الانتهاكات المروِّعة التي نفّذها الجنجويد في اهل الفاشر بعد سقوط الفرقة واجتياح المدينة ، فضلاً عن ان محتوى المخاطبة نفسه لم يرقَ الى مستوى تطلعّات الناس ، وهو ما أعاد للواجهة مرةً اخرى التساؤلات حول ما اذا كان الرجل ما زال جديراً بقيادة البلد في هذه المرحلة الأكثر صعوبة من تاريخه.
والحديث عن اخطاء البرهان في الحكم حديث ذو شجون ، وهو حديث يطول شرحه ولا اعتقد ان ثمةَ اثنان يجب ان يتجادلا فيه ولا حتى البرهان نفسه ، ولست هنا في معرض الحديث عن هذه الأخطاء التي قُتِلت بحثاً وتحليلاً. لكني فقط اطرح تساؤلاً في اللحظة الحالية.

هل لا زال الرُّجل جديراً بالبقاء على رأس القيادة السودانية؟

وللإجابة على هذا السؤال علينا ان نطرح السؤال التالي ،
ما السبب الرئيسي وراء ضعف اداء الرئيس البرهان ؟ هل البرهان يكرهنا ؟ هل يجد حُكمنا مُقرفاً ؟ ام انه يحب ان يرانا امواتاً ؟ ام انه فقط ضابط غير كفء شاءت اقدرنا ان تضعه في هذا الموضع في هذه اللحظة التاريخية من الزمان ؟ ارجِّح الإحتمال الأخير بنسبة اكبر بقليل من الإحتمالات السابقة، غير انه من قال ان كل شعوب وجيوش العالم تحصُل على اكفأ القادة ؟ بل على العكس مما يظنه البعض فإنه في اغلب الاحيان لا يصل للقمة الأكثر كفاءة بل الأكثر جرأة . وكما قال احمد خالد توفيق فإن مأساة البشرية ان الأشخاص الممتازين يملؤهم الشك والأشخاص المتوسطين المستوى مفعمون بالثقة .

عزل البرهان .. هل يفيد ؟

تحدثنا عن المعضلة التي تواجه المؤيدين لحكم البرهان ، اما المعضلة التي تواجه المطالبين بعزل البرهان اليوم قبل الغد فهي ان هذه احد اهداف الجنجويد ! .. وبتنفيذها لهم يكون الجنجويد قد حققوا احد اهدافهم من هذه الحرب وهو ما يعتبر في حد ذاته شرفاً لا يمكننا منحهم اياه حتى في ظل الضعف الشديد في اداء البرهان الحالي . لقد قدّم الرئيس جمال عبد الناصر استقالةً جادة في اعقاب هزيمته في حرب النكسة ١٩٦٧ وتنازل عن الحكم لزكريا محي الدين الذي بقي رئيساً لمصر لمدة يومين فقط سرعان ما عاد بعدها عبد الناصر بعد مواكب ومسيرات تأييد هادرة طالبت بعودته إلى الحكم حينما اكتشف الشعب ان تنحي عبد الناصر كان بمثابة العيد عند العدو.

دقة التوقيت .. هل تصنع فارقاً ؟

المعضلة الأخرى ان انسب توقيت لتغيير البرهان كان في مارس الماضي لحظة فتح الخرطوم ودخول الجيش مقرّ القيادة العامة فاتحاً ، مشهد هروب الجنجويد عبر جسر جبل اولياء وهبوط طائرة البرهان في مطار الخرطوم وسجدة الشكر على ارضية القصر الجمهوري كانت اللحظة الأمثل ليعلن البرهان تنحيه عن قيادة الجيش ورئاسة الدولة وترك المقعد لقائد جديد ، حتى يخرج الأمر بطريقة مقبولة لا تخصم من رصيد الجيش ولا تمنح الجنجويد شيئاً من الزهو والمجد الذي لا يستحقونه !. امّا اليوم وقد استعاد الجنجويد شيئا ً من الزخم ، فإن تنحي البرهان هو بمثابة هزيمة لا شك في ذلك ، وسيفتح شهيتهم لمزيد من المطالبات التي لن تتوقف عند تغيير نظام او رئيس ، كما ان الجبهة الداخلية ليست بالقوة الكافية التي ستقبل بأي بديل للبرهان في الوقت الحالي وسيفتح تنحي البرهان الباب امام إعصار لا طاقة لهذه الجبهة الضعيفة به ستؤدي بلا شك لإنهيارها وهو ما سيصب ايضاً في صالح الجنجويد.

على ذمة افريكا انتلجنس 🌍انشقاق محتمل

ليس هنالك في السودان نظام حاكم بالمعنى الحرفي للكلمة ، وانما البرهان يمسك بالكاد بحبال الأطراف التي تحكم الآن بعلاقته الشخصية المجردة بهم لا اكثر، وغياب شخص البرهان عن المشهد الآن سيجعل من المستحيل على خليفته القيام بهذه العملية و ستكون عواقب ذلك وخيمة .
يمكن مراجعة مقال موقع افريكا انتلجنس اليوم ٢٨.١٠.٢٠٢٥ الذي تحدث بوضوح عن وجود انشقاق محتمل في صفوف الجيش في حالة غياب البرهان.

على المستوى القريب ، فإن الإبقاء على البرهان في اللحظة الراهنة هو كأس السم الذي لا بديل عن تجرعه ، وان المزيد من التصعيد ضده والمطالبة بتنحيه – فضلاً عن انها لن تجد قبولاً من الأساس عند الجيش ككل ، مع احتمالية تسببها في انشقاقه – الا انها ستضعف موقف الحكومة على المشهدين العسكري والتفاوضي، وهو ما سيصب بالمقابل في صالح موقف الجنجويد و سينعكس على موقفهم في ميدان الحرب و في مفاوضات السلام . اما على المستوى الإستراتيجي البعيد ، فعلى البرهان نفسه اننظار اللحظة المناسبة ليترجّل بطريقة لا تجعل البلد كلها تدفع ثمن ترجله، وهي لحظة استرداد اقليم كردفان على اقلّ تقدير .