دول الخليج تستبدل حارس نهضتها

Loading

من تصدير النفط، تستدير الدول الخليجية نحو الذكاء الاصطناعي، على أمل أن تواكب بذلك التوجّهات والتحوّلات الاقتصادية العالمية.

في خضم هذه الاستدارة، تخصص هذه الدول أكثر من تريليوني دولار للاستثمار في قطاعات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، بحسب شركة “زيلا كابيتال” المتخصصة في مجال الاستثمار.

ويعطي هذا الرقم إشارة واضحة على إعادة صياغة فلسفة التنمية في دول مجلس التعاون، والتوجّه نحو بناء نموذجٍ اقتصاديّ جديد، يقوم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.

يقول هاني نوايا، مستشار الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي إن “الإنفاق المنهجي على الذكاء الاصطناعي في دول الخليج يمكن أن يتحوّل إلى رافعة تنموية شاملة”.

“عندما تُقدَّر إسهامات الذكاء الاصطناعي في اقتصاد الشرق الأوسط بنحو 320 مليار دولار بحلول عام 2030، فإنّ هذا الرقم لا يمثل مجرّد توقّع اقتصادي، بل مؤشر كمّي على حجم الفرصة الكامنة، في حال تحوّل الاستثمار إلى تطبيقات إنتاجية واسعة في مجالات الطاقة، والصحة، والنقل، والخدمات المالية، والتعليم”، يضيف نوايا.

وتتصدّر السعودية والإمارات وقطر المشهد الإقليمي في هذا المسار، وتتعامل مع الذكاء الاصطناعي بوصفه خياراً استراتيجياً ورهاناً على المستقبل يعيد تعريف معادلة التنمية، كما يقول محللون اقتصاديون.

غير أن هذا التوجّه الجديد، يطرح تساؤلات حول فرص نجاحه، ومدى قدرة الدول الخليجية على تحويل استثماراتها في الذكاء الاصطناعي إلى ركيزة مستدامة للتنمية، وما إذا كان سيمنح هذه الدول موقعاً رياديًّا في الاقتصاد العالمي.

سباق الذكاء الاصطناعي

باستثمارات تصل إلى نحو 100 مليار دولار حتى عام 2030، تتصدّر السعودية الدول الخليجية في السباق نحو الاستفادة من الذكاء الاصطناعي.

في هذا الإطار، أنشأت الرياض شركة “آلات” (ALAT) التابعة لصندوق الاستثمارات العامة في فبراير 2024. وتركّز هذه الشركة على تطوير مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والمدن الذكية والروبوتات والتقنيات الخضراء، بما يعزز مكانة المملكة كقوة عالمية في مجال التكنولوجيا والابتكار، ويعكس مساعيها للتحول نحو اقتصاد ما بعد النفط.

بدورها، تسعى قطر إلى ترسيخ موقعها كمركز إقليمي للذكاء الاصطناعي من خلال تخصيص 2.5 مليار دولار كحوافز حكومية لتعزيز الابتكار التقني، بينما تشير التقديرات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي القطري سيبلغ 1.9 مليار دولار بحلول عام 2030. كما تتوقع الدوحة أن تصل الاستثمارات الرقمية إلى  5.7مليارات دولار بحلول عام 2026 مقارنة بـ1.65 مليار دولار في عام 2022.

أما الإمارات، فتستثمر نحو 3 مليارات دولار سنوياً في مجالات الابتكار. وتشير التقديرات إلى أن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الإماراتي قد تصل إلى98  مليار دولار بحلول عام 2030. ويتوقع أن يتضاعف حجم سوق مراكز البيانات في الدولة ليبلغ12.9  مليار دولار بحلول عام 2029. في الوقت نفسه، تمضي دبي في تنفيذ برنامج الروبوتات والأتمتة 2022، الذي يستهدف رفع مساهمة القطاع إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 10 سنوات.

وفي الكويت، بلغ حجم سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو22.48  مليار دولار عام 2023، مع توقعات بارتفاعه إلى 39.83 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وتعمل البلاد، ضمن رؤية الكويت 2035، على بناء اقتصاد رقمي يعتمد على الابتكار والتحوّل التكنولوجي، مع توفير بنية تحتية رقمية قوية تشمل تغطية شبكات الجيل الخامس لنحو 97% من السكان، مما يمهّد الطريق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.

وفي البحرين، تسير الجهود التقنية بخطى متسارعة نحو تعزيز البنية الرقمية والأمن السيبراني. ووفق تقرير صادر عن مؤسسة “موردور انتليجنس” (Mordor Intelligence) بلغ حجم سوق الأمن السيبراني في البحرين 402.16 مليون دولار عام 2024، ويتوقّع أن يرتفع إلى 529.89 مليون دولار بحلول عام 2029، بمعدّل نمو سنويّ مركب يبلغ 5.6 في المئة.

كذلك، تبنّت سلطنة عمان خطة استراتيجية نحو التحوّل الرقمي من خلال إنشاء أوّل منطقة اقتصادية حرة مخصصة للذكاء الاصطناعي في الدول الخليجية، وذلك باستثمار قدره250  مليون دولار. وتستهدف السلطنة رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي من 2% عام 2021 إلى 10% بحلول 2040، في إطار رؤية عُمان 2040، التي تركز على بناء اقتصاد قائم على المعرفة.

ويقول الكاتب العُماني المهتم بمجال الذكاء الاصطناعي عبدالله العدوي إن “دول الخليج تتجه بشكل متزايد نحو تبنّي الذكاء الاصطناعي كجزء أساسي من استراتيجياتها المستقبلية. حجم الاستفادة سيكون كبيراً بلا شك، خاصةً مع التركيز على مجالات مثل المدن الذكية، تحسين الخدمات الحكومية، والطاقة المتجددة”.

العائد الاقتصادي

تشير تقارير “بوسطن كونسلتينغ غروب” (BCG)، ومقرّها مدينة بوسطن الأميركية، إلى أن دول الخليج تتصدّر عالمياً سرعة تبني سياسات التحوّل التقني، مع تزايد دورها كمختبر لتجارب الاقتصاد الرقمي في مجالات الطاقة والخدمات والنقل والتمويل.

ومن شأن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أن يُحدث تغييراً في بنية اقتصادات الدول الخليجية، ويفتح مجالات استثمارية جديدة.

يلفت نوايا إلى أن “الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في رفع كفاءة الاقتصاد الوطني، وخفض تكاليف العمليات الحكومية والخاصة، ودعم التحول الرقمي الشامل، وتعزيز القدرة على المنافسة”.

كما يساعد الاستثمار في مراكز البيانات ومصانع الذكاء الاصطناعي (AI factories) في إيجاد منظومات محلية متكاملة تشمل الحوسبة والطاقة المتجددة وربط الكابلات البحرية، وهي أصول استراتيجية تُخفّض كلفة التدريب والتشغيل وتدعم نمو الشركات الناشئة، كما يوضح نوايا.

وعلى غرار باقي الدول، يتوقّع أن يدخل الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة، مثل قطاعات الصحة والتعليم والنقل وغيرها.

وإذا سارت الأمور كما هو مرسوم لها، فإن الاشتثمار في الذكاء الاصطناعي سيسهم في تحسين جودة الحياة في دول مجلس التعاون وتوفير فرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا وتحليل البيانات.

يقول العدوي إن “حجم الاستفادة سيكون كبيراً بلا شك، خاصةً مع التركيز على مجالات مثل المدن الذكية، تحسين الخدمات الحكومية، والطاقة المتجددة”.

ويعتقد العدوي أن “المردود المستقبلي للذكاء الاصطناعي في الخليج سيتمثّل في إيجاد بيئة أكثر كفاءة وابتكاراً، وتحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين. كما أنه سيفتح مجالات ووظائف جديدة ويعزز التنافسية الاقتصادية”.