
د. عمار حسن خميس
ما دخلت الصفات البغيضة مجتمعًا إلا وأسدلَت عليه خيوط الظلام. وأبغض البغض “الكراهية، والتكبر، والأنانية”؛ فهي صفات شيطانية لا تستقيم مع فطرة البشر، لأنّ الإنسان لا يملك من أمره شيئًا. لا أنت مالكٌ لسعيك، ولا لرزقك، ولا لصحتك، ولا لحركتك، ولا تملك أقدار الأمر الذي تسعى إليه. كلها أقدار، وأنت تبذل الجهد الذي هو أيضًا ليس بمشيئتك.
أنت وأنا، يا مسكين، مثل ذرة غبار، غدًا نروح، ولن تبقى حتى سيرتنا إلا لأيام معدودة، لن تتعدى أيامًا، وينشغل الناس بما هو أهم من فقدك.
الكراهية ذلك العبء الذي يكلف صاحبه الكثير، لكنها تجعل صدره ضيقًا حرجًا، وهي مسغبة لنفسك، وصراع مع روحك التي هي من نفخ العزيز الكريم. وتظل في تضارب مع داخلك السوي، فيتعكر مزاجك، وتصبح لا تطيق روحك، لأن نفسك الأمّارة بالسوء تحمل هذه الصفة البغيضة. ومن يكره لا يعرف للمغفرة سبيلًا، وهذا – في ظني – من مداخل التكبر والغرور.
الذين يرفضون كلمة “عفا الله عما سلف” بغضًا وغيظًا وتشفيًا مما سبق من جرم الآخرين، لا يعبأون بمآل هذا الغفران. فيصلون إلى مرحلة الجحود، ويكونون أصحاب حرمان كبير. وأظنها من سنن إبليس حين قال: “لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين”. فالمشكلة ليست في مادة الخلق وقلة شأنها، بل في الأمر، وهو أمر الخالق العظيم.
وقديمًا سُئل: من أضل إبليس ليرفض؟ والجواب البسيط: نفسه، التي هي آمره بالسوء، كما قال سيدنا يوسف عليه السلام: “وما أُبرئ نفسي، إن النفس لأمّارة بالسوء”. فكل سوء من النفس، وكل جميل من الروح. وهذا ظني، وهذا ما أعتقد، الروح هي مجال عمل الخير، لأنها من روح الخير، الذي لا يأمر بالفحشاء. فكل شر وفحشاء وسوء من النفس.
وهذه هي المعضلة، الذين لا يغفرون، ولا يسامحون، ولا يعفون، قد تلبّستهم نفسٌ هي لإبليس أقرب، ومن مقصد الروح أبعد.
وشاعرنا قال: “كلموه اللاهي بالغرام بالله، وقولوا ليه الحب شيء طبيعي إلهي”.
والله إن من الشعر لحكمة، وهذا البيت يقع في طبيعة البشر، وقد توفّق الشاعر في قوله: الكراهية والبغض والحسد من مراكب النفس وتقليد إبليس.
اغفروا لبعضكم لتسلم بلدكم، اغفروا لبعضكم لتعيشوا ما بقي لكم من أعماركم بين آبائكم، ولتتركوا لهم بلدًا يسعون فيه لحفظ وجوههم وكرامتهم، وليتعلموا.
هذا المكر الداخل بينكم نوعٌ من الكيد، حتى لا تصفو لكم بلدكم بخيراتها ونعيمها ومائها وثرواتها. ماذا يكلفكم أن تتناسوا جراحاتٍ ولّت، وعنَاءٍ ذهب؟ ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ فتمثّلوا ما تنتظرون من ربكم في حق غيركم.
ومن غفر وسامح وتحمل وصفح، فقد فعل فعل أولي العزم من الرسل. ومن تابع هوى النفس، فقد فعل فعل إبليس.
أنا أقدمها صدقة لله، اللهم إني قد عفوت عفوًا شاملًا كاملًا، دون غلٍّ ولا كراهية، من كل سوء أصابني من شخصٍ قصده أو فعله في حقي. عفوًا لا يُسأل عنه يوم القيامة. وتصدّقت حتى بغيبة من قال في ظهري.
اللهم إني أتصدق بكل ذلك، عفوًا طيّبةً به نفسي.
اللهم وأبدلهم مع عفوي دعوةً صادقةً أن تهديني وتهديهم إلى ما فيه صلاح أمة السودان.
ردّنا إليك ردًّا طيبًا، ثم ردّنا إلى ديارنا آمنين وغافرين ومتسامحين.
اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.