
تضيق خيارات القادة العسكريين لمواجهة تكتيك (حصار المدن) والحاميات العسكرية فليس هناك من حلولٍ سوى كسر الحصار براً بوصول قوات برية من خارج المنطقة المحاصَرة والقضاء على القوات المحاصِرة.. أما الخيار الثاني فهو الاعتماد على التزويد الجوي عبر ما يعرف (بالاسقاط الجوي) لمواد تموين القتال وكل الدعم اللوجستي عبر الطائرات ثابتة الجناح.. مدينة الفاشر الصامدة (شنب الأسد) وعقدة الجنجويد القتلة ومقبرتهم والتي ضربت أروع الأمثلة في الفداء والتضحية والثبات والصمود في وجه هجمات المليشيا المتمردة التي قاربت الرقم الخمسين بعد المائتين ليست استثناءً .. فقد شاهد الناس كيف تقوم نسور الجو الكواسر (وبفدائية عالية) بتنفيذ عمليات الاسقاط الجوي بشكل راتب وقد بلغت هذه العمليات ما يقارب سبع عمليات اسقاط جوي ناجح.. هذا مع استمرار المعارك البرية التي تهدف للوصول إلى الفاشر بعد تطهير كل المحاور التي تعمل فيها القوات ولم تألو جهداً في ذلك وعبر أكثر من متحرك.. بدعم مباشر من حكومة أبوظبي وهو الدعم الذي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك عبر الأمم المتحدة وتقرير خبراءها حول الحظر على دارفور والولايات المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود ليضاف إليها اليوم تقرير الواشنطون بوست قيّدت المليشيا من (حرية) حركة الطيران.. تسبب ذلك بفرض محاذير على الحركة الجوية واستشهد بسبب المضادات الأرضية الإماراتية ثلةٌ كريمةٌ وخيارٌ وأبرارٌ من أبناء هذا الوطن والقوات المسلحة وهم يقومون بواجباتهم المقدسة.. على رأس هؤلاء بالطبع اللواء طيار ركن أبو القاسم علي رحمة الله تقبله الله وإخوته الشهداء أحسن القبول وهو الذي كان يحلق فوق الفاشر فيقدّم الدعم والمدد وفوق نيالا وزالنجي والضعين ليصلي هؤلاء الأنجاس حمماً وقنابل تشتت شملهم وتفرّق جمعهم
غابت طائرات نسور الجو عن سماء الفاشر بسبب تأكيد معلومات وحود منظومات دفاع جوي جديدة قدمتها كذلك دولة الإمارات والتي لم (تقتنع) بعد بأن مشروعها هذا قد فشل وانتهى أمره لتأخذها العزة بالإثم لتستمر فيه.. لكن ولأن هذا الجيش لا يعرف المستحيل وهو يصنع الفرح من المعاناة والأمل من الألم والبأس والقوة من اليأس والقنوط مستعيناً بالله متوكلاً عليه واثقاً فيه ومسنداً بالشعب الصابر فقد عاد التحليق فوق سماء الفاشر أمس.. جاء وقد نجحت القوات المسلحة بفضل الاستخبارات وموثوقية المعلومات ودقتها من تحييد منصات الدفاع الجوي المنصوبة حول الفاشر تمنع الناس الطعام والشراب والدواء وذخيرة القتال.. أملاً في كسر شوكة المرابطين لتخور العزائم وتفتر الهمم لتبتلعهم (كلاب المليشيا وضباعها) وقد فرغت الفاشر من كل ذلك ولكن خاب فألهم.. فإخوة الفريق أول شهيد أبو القاسم مضوا على ذات الدرب فكسروا حصار الفاشر جواً عبر الاسقاط الكبير والناجح وقد شاهده كل من في الفاشر لتنطلق الزغاريد وصيحات التكبير والتهليل وتختلط بدموع الفرح المدرارة.. من سمع ذلك اعتقد أن القوة البرية التي هدفها الفاشر قد وصلتها ولكن صدقوني إن الفرح الهستيري بالاسقاط ربما كان أكبر من الفرح الذي سيشاهده الناس بكسر الحصار براً.. فصوت الطائرات فوق الفاشر وحده مظن اطمئنان ومبعث يقين وإيمان ناهيك عن تنفيذ الاسقاط واستلام المقاتلين كل المواد المسقطة كاملة غير منقوصة.. وعلى الجانب الآخر كانت الأعصاب مشدودة في قواعد انطلاق الطائرات المنفّذة للاسقاط والجميع ينتظر الإشارة التي تصل لمركز القيادة والسيطرة لينقل الخبر المفرح الذي يثلج الصدور بكلمات مقتضبة قصيرة معدودة (تم تنفيذ العملية بنجاح).. وهو ما يعني عملياً تحقيق هدفين أساسيين أولهما استلام الشحنات المرسلة من قيادة الجيش وثانيهما سلامة الطائرات والطيارين ليعودوا سالمين.. كان اختلاطاً غريباً للمشاعر ما بين الأمل والخوف والرجاء والترقّب ولكن سارت الامور على ما يرام بحمد الله وتوفيقه لتنام الفاشر ليلتها أمس ملء عينيها عن شواردها وقد (ابتلعت) مخازنها الدعم المرسل.. ولتوقن القيادة بدقة معلومات مصادرها واخترافية تعامل قواتها مع (الأهداف) التي تم تحييدها ولكن أهم جزئية أن الطائرات التي نفذت الاسقاط عادت لسربها آمنة وطياروها سالمين.. الله أكبر.. الله أكبر ولا نامت أعين الجبناء.