غزة والجزائر تختبران “التطبيع بين المغرب وإسرائيل”

Loading

في سبتمبر 2025، رفع حاخام مغربي “دعوات من أجل جنود الجيش الإسرائيلي، وعودة جميع المختطفين في غزة سريعاً وبسلام”، وذلك خلال حفل دينيّ في مدينة الصويرة في المغرب.

شكّلت هذه الدعوة مادة لجدل واسع في المملكة حول العلاقات مع إسرائيل وسبل دعم الفلسطينيين، وهي معادلة صعبة وجد المغرب نفسه مجبراً على التعامل معها منذ الهجوم الذي نفّذته “حماس” ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وما أعقبه من عمليات عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة.

كان المغرب قد انضم إلى اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في ديسمبر 2020، ما فتح أمام البلدين باباً للتعاون في مجالات استراتيجية عدة منها السياسة والأمن والدفاع.

وأشاد الديوان الملكيّ المغربي في بيان له صدر في 22 سبتمبر 2020، بـ”استئناف آليات التعاون مع إسرائيل”، وأكد في الوقت نفسه على “الموقف الثابت للمملكة بشأن القضية الفلسطينية القائم على حلّ الدولتين”.

وبينما استضاف المغرب، هذا العام، قوات إسرائيلية للمشاركة، إلى جانب قوات من دول أخرى، في مناورات “الأسد الأفريقي”، أضخم تمرين عسكري في القارة، فإنه واصل نشاطه في رئاسة لجنة القدس، ودعا مراراً إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع ، فيما كانت الاحتجاجات الشعبية على ما يجري في القطاع تتصاعد.

مسار التطبيع.. مصالح استراتيجية

مسار التقارب المغربي – الإسرائيلي ليس حديثاً بالكامل. فقد شهدت تسعينيات القرن الماضي إنشاء مكتب دبلوماسيّ إسرائيليّ في الرباط، قبل إغلاقه عام 2000 على خلفية التعامل مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وإعادة فتحه بعد توقيع اتفاقيات أبراهام.

اليوم، تتخذ العلاقات بين البلدين أبعاداً جديدة وأكثر عمقاً، إذ وقّعا مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني والاستخباراتي والسيبراني في نوفمبر 2021، وأصبح المغرب ثالث أكبر مستورد للسلاح من إسرائيل بين عامي 2021 و2024.

وشملت الصفقات الحديثة أنظمة دفاع جويّ متطورة مثل SkyLock Dome  وBarak MX بقيمة نصف مليار دولار لكلّ منهما، وافتتحت منشأة لتصنيع الطائرات بدون طيار من قبل شركة BlueBird Aero Systems  الإسرائيلية في المغرب.

وعلى المستوى الاقتصادي، تواصل التبادل التجاري بين البلدين، ووصل إلى مستويات غير مسبوقة في 2024، وسط تعاون في مجالات استثمارية عدة مثل التكنولوجيا والزراعة والطاقة، فضلاً عن الأسلحة.

القضية الفلسطينية في السياسة المغربية

لطالما شكّلت القضية الفلسطينية ركناً أساسياً في الخطاب الرسمي والدبلوماسية المغربية.

منذ عام 1999، يترأس الملك محمد السادس لجنة القدس، واحتضنت الرباط مؤتمرات وقمم عربية وإسلامية عدة، تمحورت حول تقديم الدعم للفلسطينيين.

يقول المحلل السياسي المغربي حمزة الأنفاسي: “إن قضية فلسطين وتحريرها هي في نفس مستوى القضية الوطنية الأولى في المغرب، وهي قضية الصحراء المغربية.”

وقد زادت الأحداث المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023 من الدعوات الشعبية إلى دعم الفلسطينيين ووقف التعاون مع إسرائيل.

وتلعب القوى والأحزاب الإسلامية دوراً أساسيّاً على هذا الصعيد. فقد دعا الأمين العام لـ”حزب العدالة والتنمية”، عبد الإله بنكيران، إلى مراجعة اتفاق التطبيع مع إسرائيل باعتبار أنه “فقد مبرره الأخلاقي”، علماً أن الأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني، وقّع اتفاقية التطبيع في ديسمبر 2020 عندما كان رئيساً للحكومة”.

وفي موازاة ذلك، برزت حركات مدنية وشعبية مناهضة للتطبيع مع إسرائيل، أبرزها “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع”  و”مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، واكبتهما مبادرات عمّالية وشعبية للتعبير عن الدعم للفلسطينيين

المغرب والجزائر.. التوازن العسكري

يشكّل التنافس التاريخيّ مع الجزائر أحد أبرز دوافع المغرب لتعميق شراكته العسكرية مع إسرائيل، كما يؤكد مراقبون، إذ يسعى من خلالها إلى تنويع مصادر تسلّحه وتحديث ترسانته لمعادلة القوة الجزائرية، في وقت تواصل الجزائر إنفاق مليارات الدولارات على استيراد السلاح الروسي.

لكن الأنفاسي يؤكد أن “الاعتقاد بأن للتقارب بين المملكة وإسرائيل علاقة مباشرة بالصراع أو النزاع بين الجزائر والمغرب، هو اعتقاد خاطئ لأن الأخير هو في طور تعزيز شركائه العسكريين عبر العالم، ولا يريد التعويل على جهة واحدة من أجل التسلّح”.

أما الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سابينا هنيبرغ، فتقرّ بصعوبة حدوث تغيير كبير في العلاقة بين المغرب والجزائر. تعتبر هنيبرغ أن “من المصالح الاستراتيجية المهمة للمغرب هي مكافحة الحركات المتطرفة أو الحركات الإرهابية، وهذا يمثل مصلحة رئيسة للجزائر أيضاً، لكن البلدين يرفضان التعاون في هذا الشأن”.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أبدى أسفه لاتفاق المغرب مع إسرائيل، واعتبر أن “تهديد الجزائر من المغرب خزي وعار لم يحدث منذ عام 1948”.

وجاء هذا الموقف بعد أقل من عام على انضمام المغرب لاتفاقات أبراهام، والذي ترافق مع اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء الغربية في ديسمبر 2020.

معادلة صعبة.. إلى أين؟

تبقى السياسة المغربية على هذا الصعيد رهن الموازنة بين التطبيع مع إسرائيل ومساندة الفلسطينيين، وبينهما، العلاقة مع الجزائر.

ربما تكمن كلمة السرّ في أن مفاتيح هذه الملفات بيد الملك محمد السادس. وقد استطاع إبعادها عن المعارضة باعتبار أن الأمر “قرار تنفيذيّ وسياديّ”.

لكن السؤال الأهم يتعلّق بمدى قدرة السياسة المغربية على الاستمرار في السير على هذا الحبل الرفيع والحفاظ على حالة التوازن الدقيقة تجنّباً للسقوط وأضراره.

بالنسبة للمستقبل، تقول هنيبرغ: “إننا نمرّ حاليّاً بفترة تشهد معارضة عامة شديدة لحرب غزة، بما في ذلك في المغرب، لكن قرار الملك بتطبيع العلاقات مع إسرائيل صمد في فترات أخرى مثل هذه، لذا، لا يوجد سبب حقيقي لتوقّع أن تكون النتيجة مختلفة هذه المرة فيما يتعلق بمصير العلاقة”.