هذه حجتكم لمنع المرأة من الحكم؟

Loading

في برنامجه على المنصات الرقمية لـ”الحرة”، تناول الكاتب والصحافي إبراهيم عيسى هذا الأسبوع سؤال ولاية المرأة وحقها في قيادة الدولة، لتفنيد حجج الرافضين منحها أدوارا قيادية.

النص التالي هو أهم ما جاء في الحلقة، أعيد تحريره لتسهيل القراءة.

سؤال واحد وبسيط يسقط أي حجة لتحريم تولي المرأة لقيادة الدولة: “بذمتكم، شفنا إيه من الرجال حين تأمروا وترأسوا وحكموا حتى نرفض حكم المرأة؟”. نحن ننظر إلى سجل التاريخ وننظر إلى الواقع الذي نعيش فيه، ونسأل: لماذا علينا أن نرفض حكم المرأة، ورئاسة المرأة، وإمارة المرأة؟ ما الذي قدمه الذكور الحاكمون حتى يصبح رفض البديل الأنثوي مبررا، أو حتى مقنعا، لأي شخص لديه عين تبصر أو عقل يفكر؟

الرفض المسبق لولاية المرأة هو تحصن خلف وهم التفوق الذكوري في القيادة، وهو وهم يناقضه السجل العملي للحكم. هذا الفشل التاريخي للحكام من الرجال هو الدليل العملي الأول الذي يجب أن يُسقط أي حجة تبدأ بالمنع.

لذلك، عندما يرفع أحد صوته اليوم، ويقول لنا بلهجة الجزم والقطع: لا، إن تولي المرأة الملك أو الرئاسة ليس من الإسلام في شيء، فإن هذا الادعاء يستحق رداً مباشراً وحاسماً، رداً يختصر كل جدل. “الرد المنطقي، والله بدون مبالغة، ولا رغبة على الإطلاق في الاستخفاف بشيء ولا السخرية من أحد، هو أن تقول له: العب بعيد”.

هذا هو الرد الوحيد، فعلا، مهما حاولوا إضفاء الهيبة والسلطة على رأيهم.

“لن يفلح قوم..!”

هذا الرد، الذي يطلب من المدعي الابتعاد، هو رد واجب، لا يجب أن يتأثر بالشكل أو المظهر الذي يتقدم به القائل. الرد الوحيد هو: “العب بعيد”، ويبقى هذا هو الموقف مهما كانت العمامة ضخمة، ومهما كانت العمامة عالية، مرتفعة، منتفخة. نحن لا نلتفت إلى رمزية السلطة الدينية الشكلية عندما تتعارض مع قوة الحجة والبرهان.

وحتى عندما نحاول أن نفهم مصدر هذا التحريم القاطع، نذهب إلى هؤلاء المدعين ونسألهم: “من أين جئتم بهذا الكلام؟”. فإن إجابتهم تكشف أنهم لا يعتمدون على نص قرآني صريح ومباشر، بل على مصدر آخر.

المصدر الذي يستمدون منه حكمهم بتحريم تولي المرأة للملك أو الرئاسة، هو مدونات الفقه الإسلامي. وحينما يُطلب السند في ذلك، أي الدليل المعتبر الذي استند عليه الفقهاء، يقولون لك: حديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

يزعم هؤلاء أن منع المرأة تولي الرئاسة هو أمر لا خلاف عليه أو حوله. ويصرون على أن هذا الحديث يمثل قاعدة مسلمة. لقد حولوا هذا النص إلى قاعدة تشريعية مطلقة، تنطبق على كل مستويات الولاية الكبرى، وتستنبط حكماً عاماً دائماً.

لكن القراءة النقدية للحديث، في ظاهره وحقيقته، لا تدعم هذا الإطلاق. فقول النبي: “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة” لا يعني بالضرورة أن المرأة لا يجوز أن تتولى الحكم. الاستنتاج القاطع بأن الحديث يقرّر بشكل مطلق أن “أي قوم يسلّمون أمرهم لامرأة لن يفلحوا” هو استنتاج متسرّع، ولا ينسجم مع مقصد النص أو سياقه.

الخطر الأكبر يكمن في إعطاء هذا النص، وهو حديث آحاد، سلطة الإلغاء المطلق لولاية المرأة. نحن هنا أمام مشكلة في المنهجية الفقهية نفسها.

تحدي النص القرآني

التحدي الأكبر لأي تحريم ديني يجب أن يمر بالقرآن. ونحن نؤكد أن القرآن لم يقل لنا ذلك. القرآن لم يقل لنا ولم ينص أبداً، بأي شكل أو بأي صيغة، على أن المرأة محرم عليها أن تتولى القيادة والزعامة والإمامة، والإمارة، والملك، والرئاسة. “لم يقل هذا خالص!”

لذلك، إن كان فيكم أحد يريد أن يخرج من آيات القرآن بآية واحدة، أو يريد أن يخرج بتأويل لها أو بتفسير عنها، يدعي ويزعم أن نصاً قرآنياً يقول إن المرأة ليس لها في تولي الإمامة ولا الرئاسة، فإن من يدعي ذلك، ومن يزعم هذا الافتراء “هو كاذب كذوب على الله”.

لكنهم يتجاوزون سلطة القرآن، بدعوى أن هذا الحديث يعتد به كقاعدة وكأمر مسلم به، لأنه حديث نبوي وارد في صحيح البخاري.

عندما يتم الاحتجاج بصحيح البخاري، يجب أن نضع هذا الاحتجاج في إطاره الصحيح. نحن نقول لك: لا يا عزيزي، هذا يقوله أهل الحديث. هذه الفكرة المطلقة بوجوب الأخذ بكل ما جاء في البخاري، هي فكرة تخص الناس المؤمنة جداً جداً بالبخاري. هؤلاء الناس يؤمنون بسند وبصحة كل ما جاء في البخاري بشكل مطلق وغير قابل للنقاش.

ولكننا نعلنها بوضوح: نحن لا نؤمن بصحة كل ما جاء في البخاري. يجب عرض كل نص، حتى لو كان في البخاري، على القرآن.

لذلك، عندما نأتي ونعرض حديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” على القرآن. فالقرآن يقول لنا: ما فيش حاجة من هذا الادعاء.

“أحاديث الآحاد” حجة؟

حتى لو تجاوزنا النقاش حول صحة الحديث في البخاري، هناك مسألة أصولية منهجية بخصوصه.

هذا الحديث هو حديث آحاد. وهناك قاعدة وضعها الفقهاء بخصوص أحاديث الآحاد. “أفكاركم أنتم، فقهكم أنتم، فتاويكم أنتم، تقولون لنا بوضوح وبشكل لا لبس فيه إن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الحكم”.

أحكام الشريعة الكبرى إذن، والمسائل المتعلقة بالحكم العام والإمامة العظمى، لا يمكن أن تُبنى على حديث آحاد. هذا هو رقم واحد في نقض الحجة.

استخدامهم لحديث آحاد، وهو نص يفيد الظن وليس القطع، في بناء حكم قطعي بتحريم تولي المرأة للقيادة والزعامة والإمامة والإمارة والملك والرئاسة، هو انتهاك لأصولهم هم، وهو تناقض منهجي فاضح يوجب رفض الحجة بالكامل.

راوي الحديث أقيم عليه الحد!

نأتي الآن إلى تفكيك آخر للحجة، يتعلق براوي الحديث.

نحن نجد أنفسنا مضطرين إلى الإشارة إلى الراوي. وهنا نذكر واقعة تاريخية لا يمكن إنكارها: هذا الراوي (أبو بكرة الثقفي) أقيم عليه الحد. لقد تعرض للجلد.

وكان سبب إقامة الحد عليه هو شهادته بخصوص قضية زنا تخص المغيرة بن شعبة. إقامة حد القذف على الراوي تضعه موضع التشكيك في عدالته كراوٍ للحديث.

إذن محاولة بناء حكم عام وشامل ومطلق، يتعلق بأمر خطير مثل منع المرأة من تولي المرأة للملك والرئاسة، على سند فيه راوٍ مطعون في عدالته (بسبب إقامة الحد عليه)، هو أمر يزيد من ضعف الحجة وإمكانية رفض الاعتداد بالحديث.

سياق خاص

نأتي إلى السياق التاريخي والزمني للحديث. وهنا يوجدان أمران يجب الانتباه إليهما.

الأمر الأول: هذا الحديث يخص واقعة تاريخية محددة. إنها تخص تبني ابنة كسرى لحكم فارس.1 أي أن الحديث قيل رداً على حدث سياسي عيني وقع في بلاد فارس. هذا يدل على أن الحديث هو حكم خاص بواقعة، وليس تشريعاً عاماً لكل الأمة في كل الأزمنة.

الأمر الثاني: هذا الحديث تم استغلاله بشكل سياسي.  فالراوي، أبو بكرة الثقفي، روى هذا الحديث أثناء الخلاف الذي نشأ بين السيدة عائشة وسيدنا علي بن أبي طالب. وبسبب هذا السياق السياسي، صدر هذا الحديث وكأنه حديث موجه ضد السيدة عائشة ومن معها.

إن السياق السياسي للواقعة الأصلية (تولي ابنة كسرى للحكم)، والسياق السياسي لرواية الحديث لاحقا (الخلاف بين عائشة وعلي) يوضح أن الحديث تحول من كونه إشارة محددة لواقعة حديث في فارس إلى أداة تستغل في الصراعات السياسية الداخلية.

هكذا إذن، في ظل غياب أي نص حاسم في القرآن، المرجع الأساس، وبالنظر إلى إشكالات أحاديث الآحاد، والظروف المحيطة بعدالة الراوي، وارتباط الحديث بظروف سياسية وتاريخية خاصة، نصل إلى نتيجة حاسمة: حديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” لا يمكن الاعتبار له ولا الاعتداد به كأصل تشريعي. وبالتالي، فإن الرد الوحيد المناسب لكل من يريد أن يعيدنا إلى هذا النوع من الفقه الذي يخالف القرآن هو أن نقول له بوضوح: “العب بعيدا عنا!”.